التجديد واسترداد الديون (2)

عباس شومان
عباس شومان
بقلم - أ.د. عباس شومان
ذكرنا فى المقالة السابقة أن القرض الحسن من أعمال البر والصلة المندوب إليها فى شريعة الإسلام، وأكدنا أهمية توثيق الدين سواء للمقرض أو المقترض، وقلنا إن رد الدين واجب على المقترض عند حلول الأجل، وثمة أمر ثالث أرجأنا الحديث عنه لنستوفيه فى هذه المقالة، وهو قضاء الدين بالقيمة لا بالمثل، وهذا هو الأمر الذى يحتاج إلى اجتهاد ورؤية فقهية تناسب الزمان والمكان والأحوال، حيث إنه من المعلوم فى زماننا أن القدرة الشرائية للعملات غير ثابتة، وأنها فى الدول النامية تنخفض غالبًا، وهو ما يعرف بالتضخم الذى يلمسه الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ولذا فإن قيمة المبلغ المقترَض عند رده قد لا تكون قيمته عند اقتراضه، وكذا سائر المداينات، والأمر فى هذه الحال لا يخلو من أمرين:
 
إما أن يرد المدين الدين الناشئ عن القرض أو الشراء الآجل ونحوهما فى الوقت المتفق عليه بينه وبين الدائن، وإما أن يماطل ولا يرد دينه فى وقته، أو يؤخر سداد بعض الأقساط عن موعد سدادها.. فإن رد المدين دينه فى وقته ولم يماطل رده بمثله حتى لو انخفضت قيمته، لأن الدائن والمدين أو المقرض والمقترض تراضيا على ذلك، فإن كان شخص قد اقترض ألفا رده دون زيادة أو نقصان، وإن كان مدينا بألفين فى شراء آجل رد الألفين، وكذا الحال فى البيع بالتقسيط، حيث إن الدين فى هذه الحال إن كان قرضا فقد رضى المقرض تعطل ماله من باب البر والصلة ومساعدة المحتاجين، فإن نقصت قيمته وقدرته الشرائية فقد نال الأجر المرجو من عملية الإقراض الحسن، وإن زادت قيمته فهى زيادة مستحقة لأنه ملك له، أما إن كان الدين ناشئا عن بيع آجل ففى الغالب يزيد البائع فى السعر عند البيع تعويضا لتعطل ماله عند المشترى أجلا مسمى بينهما، وتحسبا لارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة، وكذا الحال فى بيع التقسيط.
 
أما إن ماطل المقترض أو المدين ولم يرد الدين الناشئ عن القرض أو الشراء الآجل أو نحوه فى وقته، فما أراه مجتهدا أن قضاء الدين فى هذه الحال يجب أن يكون بالقيمة لا بالمثل، أى إنه ليس بالضرورة أن من أقرض شخصا ألف جنيه مثلا أن يسترده ألفا، وإنما يمكن أن يسترده أكثر من ذلك أو أقل بحسب ارتفاع أو انخفاض قيمة الدين وقت قضائه، لأن من أقرض شخصا ألف جنيه مثلا قبل عامين واتفقا على رده بعد عام من وقت إقراضه إلا أن المقترض ماطل ولم يرد الدين فى وقته، فإذا استرد المقرض ألفه ألفا اليوم فهو لم يسترد قيمته حقيقة وإن استرده عدًّا، لأن الألف قبل عامين مثلا كانت قوته الشرائية عند إقراضه تزيد كثيرا عن قيمة الألف الذى يرده المقترض اليوم، وهذا لا يحتاج إلى برهان، فجميع الناس يدركون أن جنيها قبل عدة سنوات كان أكثر قيمة من عدة جنيهات الآن، ورد القروض والديون بمثلها عدًّا لا قيمة فى هذه الحال هو نوع من أكل أموال الناس بالباطل، وهو منهى عنه بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ»، وإنما كان ذلك كذلك لأن ما نقص من قيمة الدين أكله المدين من الدائن الذى رضى بتحمل الضرر المترتب على تعطل ماله عند المدين مدة الدين المتفق عليها، لكنه لم يرض فوات ما نقص من القيمة بعد الوقت، بل لم يرض بتأخر الدين عن وقته أصلا، وهذا منهى عنه بقول رسولنا الأكرم- صلى الله عليه وسلم: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه».
 
ولما كان تأخير الدين عن وقت قضائه يترتب عليه نقص قيمة الدين، وهو من الضرر المباشر الواقع على الدائن، ونظرا إلى أن القاعدة العامة فى شرعنا أنه «لا ضرر ولا ضرار»، وأنه «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه»؛ لما كان ذلك كذلك فإننا بحاجة إلى مؤشر لقياس مقدار التضخم بشكل يومى ليحتكم إليه عند الإقراض وعند القضاء، وحتى وجود هذا المؤشر فإنه يمكن الاحتكام إلى عملة تتميز بنوع من الثبات فى مقابل العملات الأخرى كالدولار أو الذهب الذى كان هو الأصل فى العملات فى مرحلة من المراحل، فيُنظَر إلى قيمة القرض بالدولار مثلا وقت الإقراض ويُرَد بقيمته، وهى عملية سهلة، فسعر الدولار يعلن بشكل يومى، وكذا سعر الذهب، فيُنظَر كم يمكن أن يُشترَى بالقرض من جرامات الذهب من عيار معين وقت الإقراض، فيرد المقترض ما يمكن أن يشترى به المقرض هذه الجرامات وقت قضاء الدين وليس وقت المداينة، وهو نفس الحكم فيما لو ارتفعت قيمة عملة الدين، فإن الرد يكون برد المبلغ بعد خصم ما يقابل ارتفاع القيمة، وفى الحالين لا علاقة للأمر بما قد يراه البعض زيادة ربوية فى حال نقص القيمة، أو أكلا لمال الغير فى حال ارتفاعها، وذلك لأنه فى الحالين لم يأخذ الدائن أكثر ولا أقل من ماله، ومن ثم فقضاء الدين بالقيمة أدعى لحفظ حقوق الناس ونفى الضرر عنهم بمنع الآثار الجانبية لعملية الإقراض، كما أنه يشجع على التخلص من الديون وردها إلى أصحابها فى أوقاتها المحددة، وخلاف ذلك قد يحمل الناس على عدم الإقراض الحسن مع أهميته للمحتاجين، لما يترتب عليه فى هذه الحال من ضرر دنيوى يلحق بالمقرض جراء النقص الذى يحدث فى قيمة ماله، ولا شك أن الحاجة هى التى من أجلها رغَّب الشارع فى القرض الحسن وجعل ثوابه أفضل من الصدقة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مصر تعود لقلب أفريقيا.. تخصيص 5 آلاف فدان لمزارعين مصريين فى كينيا.. اتحاد العمال يطلق مشروعا زراعيا مصريا ضخما فى نيروبى.. عيد مرسال يكشف: تسهيلات لسفر العمال وتأمينهم ومتابعتهم دون أى عائد مادى للنقابة

عمر مرموش يتصدر أغلى اللاعبين الأفارقة في الدوري الإنجليزي الموسم الجديد

مواعيد قطارات خط القاهرة أسوان والإسكندرية والعكس اليوم الجمعة 15-8-2025

قوات الاحتلال تقتحم مدينة قلقيلية فى الضفة الغربية

"بوليتيكو": أوروبا تتأرجح بين الأمل والخوف مع لقاء ترامب وبوتين


القوى والفصائل الفلسطينية : الأولوية في الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن قطاع غزة

موعد مباراة الأهلى أمام فاركو اليوم الجمعة فى الدوري المصري والقناة الناقلة

عبد الرحيم دغموم رجل مباراة المصري وطلائع الجيش بالدوري

مواعيد عرض "بتوقيت 2028" ثانى حكايات مسلسل ما تراه ليس كما يبدو

كريم محمود عبد العزيز ينفى شائعة انفصاله عن زوجته


لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى