د. يسرا محمد سلامة تكتب: أنتَ من تخلق أرض أحلامك

هجرة غير شرعية - أرشيفية
هجرة غير شرعية - أرشيفية
تعريف الهجرة غير الشرعية: هى الانتقال من بلدٍ "فقير ماديًا وذو إمكانيات ضحلة"، إلى بلد لديه فرص عديدة من الممكن الاستفادة منها – لكن – كل ذلك يحدث بطريقة غير شرعية، أى بعدم دخول بلد الفرص بصورةٍ قانونية، كما ترون حضراتكم أنه تعريف سهل وبسيط جدًا لا يحتاج إلى تفكير كثير للتدقيق فى ماهيته، لكنه يحمل خلفه أوجاع وآلام، وقهر وذُل، عندما تعارض هذا التعريف مع أحلام شباب مصر تعارضًا كبيرًا، وباتت أحلامهم تتناثر فى مهب المياه التى يتقاذفون إليها دون أن يُدركوا أنهم يُلقون بأيديهم إلى التهلكة.
 
مصر، بلد غنى بإمكانياته لم يَتصف يومًا بالفقر، وتاريخنا المُتعاقب يؤكد على ذلك بداية من الفراعنة حتى ستينيات القرن الماضى، فلا يمكن لبلدٍ فقير أن تَطأ أقدام الغزاة أرضه بأى حالٍ من الأحوال، ونحن بُلينا بهم منذ الهكسوس حتى العدوان الإسرائيلى على أراضينا، وفى القرن التاسع عشر تصارعت علينا كُبرى الدول؛ من أجل الاستئثار بخيراتنا، وفوق كل ذلك فقد ذُكرنا فى كتاب المولى عزَّ وجل، وذُكرت خيراتنا خاصة فى سورة يوسف، فكيف أصبحنا بلد طارد لسكانه فجأة، وتحول حلم الشباب فى إيجاد حياة كريمة على أرضه مستحيلاً لا مناص منه؟!.
 
تكمن الإجابة على هذا السؤال فى مشكلة كبيرة تُسمى بـ "توزيع الثروات"، والتخطيط غير الجيد للمؤسسات الحكومية الخدمية، وعدم انتشارها بالشكل الذى يتناسب مع الكثافة السكانية فى المحافظات المترامية الأطراف، أو حتى الداخلية، وباتت فكرة توفير معيشة غير مُرهقة لكثيرٍ من الأسر، غُصة فى حلقهم، وشوكة تضرب ظهورهم يوميًا، فلا هم يتمتعون بالإمكانيات التى ينعم بها غيرهم، ولا هم بإمكانهم الحصول على الحد الأدنى من المعيشة، وتُصبح فكرة الهجرة حتى وإن كانت "غير شرعية" أمرًا محتومًا لا بديل عنه، فى ظل الأوضاع والظروف الراهنة.
 
لكن وبرغم كل ما سبق، وإحقاقًا للحق فهناك فُرص عديدة فى هذا البلد لا يشعر بها شباب مصر، أو يُمكننا القول أنهم يستعجلون الربح السريع المُريح، ولا يريدون بذل المزيد من الجهد والعرق ؛ والصبر على ما يقومون به من عمل قد يحتاج لفترات طويلة، لكى يُصبح مشروعًا ناجحًا، ولنا فى النموذج السورى على أرض الوطن العِظة والعِبرة، فهم المثال الأوحد على الصبر وتخطى عقبات كثيرة، بثباتٍ وعزيمة يحسدون عليها، جاؤوا إلى مصر، أقاموا فيها، وأنشأووا مشاريعهم الخاصة، حتى وإن لم يبدؤوا بها، فقد تراهم يمتهنون أى مهنة؛ حتى لا يُطلق عليهم "عاطل"، وبعد أن يجمعوا بعضًا من المال يُمكنهم من إقامة مشروعهم، يُقدمون على ذلك بلا تردد، يثقون فى قدراتهم وبما لديهم من "صَنعةٍ" تؤهلهم للنجاح على هذه الأرض، التى أتوها بهجرة غير شرعية بالمناسبة، والآن هل ترى سورى واحد هنا عاطل عن العمل؟ أو تراه غير ناجح فى مشروعه ؟!!، أعتقد جميعنا نعلم الإجابة على هذين السؤالين، لكن السؤال الأهم منهما، أين كنت يا ابن بلدى قبل أن يأتى غيرك لبلدك وينتفع بمكاسبها وخيراتها؟!، أقول لك أين كنت، كنت تتأفف من العمل البسيط، المُرهق، الذى تراه يُقلل من كرامتك – رغم أنه لا يوجد عمل فى العالم يكون شريفًا ويُقلل من كرامة أى انسان – فى حين أنك إذا سنحت لك فرصة السفر، من الممكن أن توافق على نفس هذا العمل بكل سهولة وتُرحب به المهم أنه فى مكانٍ بعيد عن بلدك، أليس فى هذا بعض السخرية!!.
 
لهثك وراء السفر - مع أنه فى بعض الأحيان - يكون الحل المفيد الوحيد لظروفك القاسية التى تعيشها هنا، لا يُبرر لكَ خطؤك الفادح فى استسهال الفكرة واعتبارها هى الحل الأمثل للعديد من المشاكل التى تواجهها، فتبيع كل شىء وتدفع "دم قلبك"؛ من أجل أن تُضحى بنفسك وبأسرتك فى سبيل حلم السفر، تلغى عقلك وتسير مُباشرة وراء رغباتك، فلا تعِ إلى أين ستأخذك تلك الرغبات، ولا تفكر فى المصير المحتوم الذى ينتظرك أنتَ وذويك.
 
نعم هناك مشكلة مُستعصية فى مصر تُسمى البطالة، لكن لكل مُشكلة حل – فقط – عليك بالسعى، بالتفكير السليم فى مستقبلك، لا تجعل السفر أكبر أحلامك، إلا إذا استنفذت كل الفرص هنا، وضاقت عليك الأرض بما رَحبت ساعتها، من الممكن أن تُفكر بشكلٍ جدى فى السفر بطريقةٍ تحفظ لكَ آدميتك، وتصون بها كرامتك، وتضمن معها فرصة عمل حقيقية خارج البلاد، أمَّا استغلال سماسرة الهجرة غير الشرعية لظروف ذوى الحاجة والعوز، فهم من وجب عليهم تطبيق عقوبة الإعدام فى أمثالهم ليكونوا عِبرة لمن يعتبر، فلا يستطع غيرهم النهش فى لحم المضحوك عليهم باسم "فرصة فى أرض جديدة".
 
أرض الأحلام قد تكون بلدك، أو قد تكون غيرها، أنت من تملك الحلم وتملك العقل أيضًا، تدبر أمرك كيفما شئت، فكل نفسٍ بما كسبت رهينة، وأنت من تتحكم فى مصيرك تُلقيه فى اليم فتهلك، أو تُلقيه فيما ينفعك، فتنجح وتعيش سعيدًا.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

كل ما تريد معرفته عن غيابات الأهلي في مباراة بيراميدز وموقف إمام عاشور؟

قرعة دوري أبطال أوروبا.. حصاد تاريخي لـ محمد صلاح في بطولة "ذات الأذنين"

رئيس الوزراء القطرى: تطور ملحوظ فى العلاقات مع مصر وجهود مشتركة بكافة المجالات

رئيس وزراء قطر: حزمة استثمارات بـ7.5 مليار دولار بمصر لتعزيز التعاون

أيفون ذهب وسيارة بـ 5 ملايين جنيه وساعة بفصوص ألماس.. التحفظ على أموال شاكر محظور


جنايات القاهرة تقضى بالتحفظ على أموال التيك توكر محمد عبد العاطى.. اعرف ثروته

جنايات القاهرة تقضى بالتحفظ على أموال التيك توكر سوزى الأردنية وأسرتها

ستارمر يعيد هيكلة داونينج ستريت واستبدال مساعديه بخبراء اقتصاد ضمن الخطوات

الآن.. نتيجة الثانوية العامة الدور الثانى 2025

وزير التعليم يعتمد نتيجة الثانوية العامة للدور الثاني 2025.. 90.6% نسبة النجاح للنظام الجديد و90.7% لطلبة النظام القديم.. 15 ألف طالب راسب.. وفتح باب التظلم على النتيجة بنفس ضوابط الدور الأول


إحباط تهريب 4 أطنان مخدرات برأس سدر بقيمة 290 مليون جنيه

نتيجة الثانوية العامة الدور الثانى 2025 على اليوم السابع بعد قليل

مواعيد مباريات اليوم.. الأهلي مع نيوم والاتفاق أمام الخلود في افتتاح الدوري السعودي

وزير التعليم يعتمد نتيجة الثانوية العامة دور ثان بنسبة 90.6% للحديث و90.7% للقديم

محمد الدسوقى رشدى يقدم حكاية من تأليفه بمسلسل ما تراه ليس كما يبدو

محمد صلاح يزين قائمة أفضل 10 هدافين في تاريخ دوري أبطال أوروبا

COP30 بالبرازيل يشعل شرارة التمويل المناخى.. مساعٍ لدعم الدول النامية بـ1.3 تريليون دولار لتنفيذ بنية تحتية مقاومة لتغير المناخ.. ونقل التكنولوجيا الخضراء للدول الضعيفة.. ومصر تستعرض إنجازاتها أمام العالم

سيارات الإسعاف تتحول من الإنقاذ للتهريب.. كواليس أضخم عملية ضبط مخدرات بـ350 مليون جنيه

زى النهارده.. منتخب مصر يظهر للمرة الأولى في الأولمبياد

وزارة الصحة تحذر: التأخير فى بدء علاج السرطان قد يهدد حياة المريض

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى