تجديد التفكير الديني (2) معني التجديد

 د. مجدى عاشور
د. مجدى عاشور
د. مجدى عاشور

يأتي التجديد بمعانٍ عدة تدور حول التغيير سواءٌ أكان في الوسائل أم في الموضوعات ، بمعنى أنه قد يكون التغيير في الأدوات المستخدمة في علم ما أو في فكر ما ، ومنها العلوم الإسلامية أو الفكر الإسلامي، وكذلك يأتي التغيير في مسائل تلك العلوم حين يوجد ما يقتضي ذلك من عوامل تغير الأشياء ، وتنحصر هذه العوامل في الزمان والمكان والشخص والحال .

 

وبهذه المقدمة يظهر لكل ذي عينين ولكل عاقل ومفكر فضلًا عن العالِم أن التجديد لا يمس الثوابت التي تناقلتها النصوص وعمل بها الناس عبر العصور من غير نكير، وتتمثل هذه الثوابت في: أصول العقائد، ومنظومة القيم، ومقاصد الشريعة، والمبادئ العامة الحاكمة، والسنن الإلهية في الكون و الاجتماع والتاريخ والإنسان. وبالحفاظ على هذه القضايا الكبرى يتحقق مراد الله من تكليف الإنسان وتشريفه؛ وبالبحث والاستقراء ثبت أن المراد من تكليف الإنسان ثلاثة أمور، الأول: عبادة الله،قال تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56]، الثاني : عمارة الكون، قال سبحانه : (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[هود : 61]، الثالث : تزكية النفس، قال عز وجل : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)[الشمس : 7- 10). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما بُعِثْتُ لأتمم مكارم الأخلاق "(رواه البيهقي والشهاب).

ولذلك لا يتصور ثمة تغيير أو تبديل لثوابت الدين وحقائقه؛ إذ من خصائص الثوابت أنها قطعية الثبوت والدلالة، وتلقتها العقول السوية بالقبول، ومن ثَمَّ لا تقبل التغيير أو التحريف أو التبديل، لأن في الحفاظ عليها لا أقول حمايةً للهوية فحسب، وإنما حماية لوجود الإنسان نفسه كإنسان، فإذا تبدلت صار شيئا آخر غير ذلك الإنسان المُكَرَّم في الشرائع كلها، قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)[الإسراء : 17].

وإذا تكلمنا عن تجديد الثوابت فإننا بداهة لا نتكلم عن التجديد فيها، وإنما ينصب كلامنا ودعوتنا على التجديد في كيفية توصيلها لأهل كل عصر بما يتفق والأدوات النافعة والمقنعة لمقتضيات ذلك العصر، وإزالة كل شبهة قد تعتري الناظر فيها أو حتى المتحقق بها، أو يكون التجديد المتعلق بالثوابت هو بالرجوع إليها لمن جحدها أو شكك في ثبوتها، أو اختلفت الأنظار والرؤى في المتغيرات حوله فأصابه الشتات والحيرة من كثرتها وعدم الوقوف على أمثلها طريقة أو أقواها صحة أو أصحها منهجا، فنرجع إليها لنحتمي بها ونحتكم إليها،  كل ذلك لتظل تلك الثوابت كما هي، وإلا كان الخلل في المتعاطي لها والمدافع عنها، وليس فيها؛ إذ حقائق الأشياء ثابتة والعلم بها متحقق خلافا للسوفسطائية، كما يقول الإمام النسفي في كتابه (العقائد) .

وقد أطلنا النَّفَسَ بعض الشيء في الكلام عن الثوابت لئلا يتسلق متشدد أو يتسلط جاهل، فيشيع أن الغرض من تلك المقالات هو تشويه صورة الدين وطمس هويته، وهو يحسب أنه يحسن صنعا .

وإذا رجعنا لمقصودنا بالتجديد في هذه المقالات فنقرر أن المراد منه ما يتعلق بالظنيات والمتغيرات التي لا يخلو منها زمان ولا مكان، ويتحقق ذلك بتجديد التفكير في المسائل التي ورثناها عمن سبقونا من علمائنا الأجلاء رحمهم الله تعالى، والتي بذلوا فيها وسعهم وقاموا بواجب الوقت فيها لخدمة دينهم ولمصلحة إنسان عصرهم، ونالوا الأجر في اجتهادهم فيها بحسب المنهج العلمي المعتبر المستند إلى علوم اللغة والمنطق وقواعد تفسير النصوص والتي على رأسها يأتي علم المنهج لدى المسلمين، والذي حق لهم أن يفتخروا به ويشيعوه ويُقَرِّبوه لكل باحث ودارس ومثقف، وهو علم " أصول الفقه "، ذلك العلم الذي من خلاله يأتي التجديد في المتغيرات والوقائع التي تلازم وجود الإنسان وتتجدد بصيرورة الزمن وتطور الأدوات وتنوع حاجات إنسان هذا العصر، بما فيه من ثورة اتصالات ومواصلات .

إن تجديد التفكير الديني بهذا المعنى هو الضمان للتأكيد على ثوابت الدين والتمسك بها، وفي الوقت ذاته يبين عظمة أسلافتا الذين قاموا بواجب وقتهم بما يصلح لزمانهم ، وتركوا لنا أصولا وقواعد تساعدنا في الاحتذاء بهم مع اعتبار ما يستجد من أدوات عصرنا ومقتضاياته ، وبغير ذلك لا نستحق أن نكون خَلَفًا صالحا لهم أو أن ننتسب إليهم؛ إذ الرحم الذي بيننا وبينهم ليس النَّسَب فحسب ، وإنما معه العلم والاجتهاد للبناء على ما تركوا، لنكون بعد ذلك سيرة حسنة عند أبنائنا وأحفادنا كما كانوا هم لنا ، ومنهجنا في ذلك - كما أورد الإمام البيهقي في حكمة آل داود - أنه : ( على العاقل أن يكون عالما بزمانه، مقبلا على شأنه .

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

إيان راش: محمد صلاح أسطورة حقيقة لليفربول

فيفا يرفع القيد عن الزمالك بعد سداد مستحقات بوطيب وباتشيكو

موعد مباراة الأهلي وفاركو في ختام دوري nile والقنوات الناقلة

رسميا .. جوميز يقود الفتح للبقاء في الدوري السعودي أمام طارق حامد

محمود الخطيب يتلقى عزاء شقيقته الكبرى فى محافظة قنا غدا


الفراعنة قادمون.. المتحدة للرياضة تعلن نقل مباراة الأهلي وباتشوكا على أون سبورت

وفاة شقيقة محمود الخطيب بعد صراع مع المرض فى قنا

بيان مشترك لـ80 دولة: قطاع غزة يواجه أسوأ أزمة إنسانية منذ 7 أكتوبر

حج 2025.. الحجاج يتوافدون والاستعدادت مستمرة.. تعزيز الرقمنة لخدمة ضيوف الرحمن.. إطلاق بوابة قاصد الذكية.. ضبط 20 مخالفا للأنظمة.. والسعودية تجدد تحذيرها: العقوبة تصل لـ100 ألف ريال ومنع دخول المملكة 10 سنوات

من هو إلياس رودريجيز منفذ الهجوم على سفارة إسرائيل فى واشنطن؟


رابطة الأندية تحدد مواعيد نصف نهائي ونهائي كأس عاصمة مصر

الأهلي يتقدم في تصنيف أندية أفريقيا.. وصن داونز يتصدر قبل لقاء بيراميدز

حميد يغادر مواجهة الأهلي أمام درب سلطان المغربي في نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لليد

وفاة شقيق المستشار عدلى منصور وتشييع الجنازة من مسجد الشرطة بأكتوبر اليوم

تحذيرات ودعوات للتدخل بعد واقعة عمر مرموش في الدوري الإنجليزي

"تشريعية النواب" تقر تقسيم الجمهورية إلى 4 دوائر لنظام القائمة.. التفاصيل

الرئيس السيسى يؤكد حرص مصر على سداد مستحقات الشركات لتعزيز الثقة بين الجانبين

النجم الساحلي التونسي يعلن مواجهة الأهلي ضمن احتفالات المئوية

التقرير الطبى للدكتورة نوال الدجوى يكشف: "قادرة على إدارة أموالها بكفاءة"

تفاصيل زلزال الساعة 6 صباحا.. بقوة 6.24 ريختر واستمر لأقل من 15 ثانية (إنفوجراف)

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى