التجديد والعمل

عباس شومان
عباس شومان
بقلم - د. عباس شومان
العمل فى الإسلام قيمة فى ذاته، وقد حث شرعنا الحنيف على العمل فقال تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله»، وهو مدار التقييم والحكم على الإنسان فى الدنيا حتى فيما يتعلق بدرجة التدين، فقد روى عن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»، ولا يكتمل الإيمان ولا يسلم الاعتقاد من دون العمل، لقوله، صلى الله عليه وسلم: «الإيمان ما وقر فى القلب وصدّقه العمل»، ولا يوجد فى ميزان الشرع عمل للعبادة وعمل للعادة، بل العادة تكون فى ميزان العبادة إذا قُرنت بنيتها، لما روى عن النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إنك لا تعمل عملا تبتغى به وجه الله إلا أُجرت عليه حتى ما يجعل الرجل فى فى زوجته». وأعمال المعاش أكثر ثوابا من نوافل العبادات، فقد رأى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، صحابيا ملازما للمسجد يكاد لا يخرج منه فسأله: ألك زوجة؟ قال: نعم. فقال: ألك ولد؟ قال: نعم. فقال: من يطعمهم؟ قال: أخى. فقال: هو أعبد منك.
 
هكذا ينظر الإسلام إلى العمل كقيمة فى ذاته مكمل لإيمان المرء ودليل على صدق اعتقاده وضرورة للمعاش وتنمية البشر، ولذا فإن أعمال العادة لا تنقطع ولا ترفع عن عابد مهما بلغ من منزلة ولو شهد له الخلق أجمعين أنه أعبد أهل الأرض فى زمانه، ولو كانت ترفع عن أحد كما يزعم بعض الجهلاء لكان أولى بها من ضمن له ربه الفردوس الأعلى غافرا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو رسولنا الكريم الذى كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، ويصوم حتى يظن الناس أنه لا يفطر، ويعطى عطاء من لا يخشى الفقر، وحين كان يُطلب منه، صلى الله عليه وسلم، الترفق بنفسه، حيث غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟!».
 
والعمل قيمة فى ذاته، حيث إن السعى على الرزق يعد من العبادة ما دام صاحبه نوى به القيام بواجباته نحو من يعول وإغناء نفسه عن العوز ومذلة الحاجة والسؤال، بل هو قيمة فى ذاته حيث يكون المرء نافعا لنفسه ومجتمعه وفاعلا فى بنائه ورقيه، فالبطالة عيب فى حق صاحبها، وإن كان غنيا ليس فى حاجة للمال متى وجد سبيلا للعمل، وكل عمل يجعل المرء فاعلا فى مجتمعه نافعا لنفسه أو لغيره أو لهما معا مما لا يضر بالغير ولا يبتعد عن دائرة المشروع، هو عمل مقدر فى شريعتنا يرفع من شأن صاحبه ولو كان من الأعمال الدنيا فى ميزان الناس، فلا ينقص من قيمة حامل المؤهل العالى أو الدرجة العلمية أن يعمل فى أى عمل يغنيه عن سؤال الناس، ولو كان بسيطا وغير مناسب، وذلك لأن قبوله لعمل فى غير مجال تخصصه هو أشرف له من سؤاله الناس واعتماده على الغير فى انتظار عمل يناسبه وإن كان أباه أو أمه، فضلا عن إخوته أو أخواته أو سائر قرابته أو غيرهم، وقد لا يأتى هذا العمل حتى بلوغه سن المعاش. ومن ثم، يجب على الإنسان أن يغنى نفسه ومن يعول ذل الحاجة والسؤال بالعمل الحلال وإن كان بسيطا وغير مناسب، كما يجب على المعنيين وضع الخطط التى تكفل الاستفادة فى التخصصات المختلفة من أصحاب المؤهلات العليا والدرجات العلمية الذين قضوا رحلة طويلة وشاقة للحصول على هذه الشهادات، أما هؤلاء الذين لا يقبلون بأعمال لا تتناسب ومؤهلاتهم العلمية ويرضون بالاعتماد على غيرهم منتظرين قطار التعيين، فأسوق لهم هذه القصة المعبرة:
 
بينما كان الأصمعى، وهو من هو فى اللغة والأدب وغيرهما، يسير ذات يوم، سمع أحد الفتيان يقول وهو ينظف كنيفا، قبل ظهور الحمامات الحديثة الآن، ويستخرج القاذورات منه ليكون صالحا للاستخدام: أضاعونى وأى فتًى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر.. وهذا البيت من قصيدة لشاعر فارسى عاش مدافعا عن قومه حتى وقع فى الأسر فظن أنهم سيهبون لتخليصه، لكنهم لم يهتموا لأمره وتركوه حتى كاد يموت، فأنشد هذه القصيدة راثيا نفسه، فقال الأصمعى للغلام: يا فتى، ما لك أنت والثغور؟ إن كنت تقصد أنك أهل للكنف فذاك. فقال الفتى : أصون نفسى أن تهان. فزاد استغراب الأصمعى فرد عليه قائلا: يا فتى، إن كانت نفسك عزيزة عليك حقا، فلمَ وضعتها فى هذا المكان؟! وهل هناك أقذر منه يمكن أن تهينها فيه ؟! قال: نعم: فقال الأصمعى متعجبا: فما هو؟! قال الفتى: الحاجة إليك وإلى أمثالك! فسكت الأصمعى.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يتلقى هدية فرنسية في كأس العالم للأندية

تدهور الأوضاع الإنسانية في الفاشر.. 38% من الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد.. انهيار خدمات المياه والصرف الصحي.. مخاوف من تفشى الأوبئة والأمراض.. والهجرة الدولية: نزوح أكثر من مليون شخص من المدينة هربا من القصف

رئيس مجلس الدولة الصينى: الرئيس السيسي صديق عزيز لبكين ويحظى دائماً بترحيب بالغ

تشييع جثمان سامح عبد العزيز بعد صلاة العصر من مسجد الشرطة ودفنه بالسويس

محمد هنيدى وشيكو وإدوارد ينعون سامح عبد العزيز: ربنا يصبرنا على فراقك


اليوم الحكم فى معارضة نجل محمد رمضان على حكم إيداعه بدار رعاية

شاهد جميع أهداف محمد صلاح مع ليفربول قبل انطلاق الموسم الجديد

وصول أسئلة امتحان الأحياء والإحصاء والرياضيات إلى لجان الثانوية العامة

عائلة أنشيلوتي تكتب سطرا جديدا في تاريخ التدريب بالبرازيل

8 أغسطس موعد انطلاق بطولة الدوري المصري للموسم الجديد 2025 – 2026


جيوكيريس الخطر الأكبر على محمد صلاح في الدوري الإنجليزي.. الأرقام توضح

عمر مرموش يتفوق على محمد صلاح في سباق الأغلى بالدوري الإنجليزي

الأهلي يتربع على عرش أفريقيا في تصنيف أندية العالم.. ومركز مفاجئ للزمالك

أرباح أندية أوروبا من الدوري السعودي.. أستون فيلا فى الصدارة

غدا.. آخر فرصة للتقديم على وظائف فى البوسنة برواتب تصل 52 ألف جنيه شهريا

تفاصيل نظام البكالوريا المصرية الجديد × 15 معلومة

محمد عواد يرحل بنفس سبب وفاة أحمد عامر.. أزمة قلبية مفاجئة

وداعًا للطوابير.. تعرف على خطوات الاستعلام عن مخالفات السيارات أونلاين

وفاة المطرب الشعبي محمد عواد.. وأمينة والعيسوي ينعيانه بكلمات مؤثرة

انفوجراف.. آخر مستجدات التحقيق فى حريق سنترال رمسيس الرئيسى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى