سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 28 أكتوبر 1973.. وفاة طه حسين بعد ساعات من سؤاله لزوجته: «هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة؟»

طه حسين
طه حسين
توجه السفير عمرو موسى، «وزير الخارجية وأمين عام جامعة الدول العربية فيما بعد» إلى مكان الدكتور محمد حسن الزيات، وزير خارجية مصر بالأمم المتحدة، ليخبره أن الأمم المتحدة اختارت الدكتور طه حسين بين العشرة، الذين ستمنحهم جائزة حقوق الإنسان ذلك العام «1973»، وأن رئيس الجمعية «كورت فالدهايم» سيبرق إليه يهنئه ويرجوه الحضور إلى نيويورك فى ديسمبر 1973 ليتسلمها بنفسه، وحسب «الزيات» - زوج ابنة طه حسين - فى كتابه «بعد الأيام» عن «دار الهلال - القاهرة»: «وصلت البرقية فقرأتها زوجته السيدة سوزان عليه وهو على وشك الرحيل، وكانت ابتسامته الخفيفة هى آخر حركة له قبل أن يلبى نداء مولاه يوم 28 أكتوبر «مثل هذا اليوم» عام 1973.
 
كان هذا التقدير من أرفع هيئة دولية هو الأخير من نوعه للرجل، الذى ولد فى 15 نوفمبر عام 1898 بقرية عزبة الكيلو محافظة المنيا، وقهر ظروفه الصعبة ليصبح أكبر مفكر عربى فى القرن العشرين، و«حرص طول حياته الفكرية على أن يقول للناس إنه لا شىء مقدس، لا شىء يعلو على العلم والفهم والتجربة، لا شىء يتحصن ضد المناقشة والتأمل وإعادة النظر»، حسبما يقول الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه «شخصيات» عن «دار المعارف - القاهرة».
 
كانت مصر تعيش أيام حربها مع إسرائيل، التى بدأت فى 6 أكتوبر عام 1973، بعد ثلاثة أيام من عودته هو وزوجته السيدة سوزان إلى الإسكندرية على الباخرة «أسبريا» من رحلة الصيف، حسب تأكيد «الزيات»، وتنقل سوزان فى مذكراتها «معك» ترجمة: بدر الدين عروكى، عن «المركز القومى للترجمة - القاهرة» قصة الساعات الأخيرة وهى إلى جانبه، قائلة: «لم يكن يبدو عليه المرض إطلاقا السبت 27 أكتوبر، ومع ذلك ففى نحو الساعة الثالثة بعد الظهر شعر بالضيق، لكنه كان يتلفظ الكلمات بعسر شديد وهو يلهث، ناديت طبيبه والقلق يسيطر على، لكنى لم أعثر عليه، فركبنى الغم، وعندما وصل كانت النوبة قد زالت، وكان قد عاد إلى حالته الطبيعية، وفى تلك اللحظة وصلت برقية الأمم المتحدة، التى تعلن فوزه بجائزة حقوق الإنسان، وانتظاره فى نيويورك فى العاشر من ديسمبر لتسلم الجائزة، وكان الطبيب هو الذى قرأها له، مهنئا إياه بحرارة، غير أنه لم يجب إلا بإشارة من يده كنت أعرفها جيدا كأنها تقول: «وإيه أهمية ذلك؟»، وكانت تعبر عن احتقاره الدائم لا للثناء والتكريم، وإنما للأونطة والأوسمة والنياشين».
 
حقنه الطبيب بـ«الكورتيجين»، وأوصى بتناول مسكنات خفيفة فى الليل وفقا لسوزان، وتؤكد: «غادرنا وهو يطمئننى، ثم غادرنا السكرتير فى الساعة الثامنة والنصف، وكذلك الخدم، كان يريد منى أن أجعله يستلقى على ظهره، وكان ذلك مستحيلا بسبب ظهره المسلخ، وأصغى - وما أكثر ما يؤلمنى ذلك - إلى صوته يتوسل إلى كصوت طفل صغير قائلا: ألا تريدين؟ ألا تريدين؟. وبعد قليل، قال: «إنهم يريدون بى شرا.. هناك أناس أشرار».. قالت: «من الذى يريد بك شرا يا صغيرى؟ من هو الشرير؟ قال: «كل الناس». سألته: «حتى أنا»، أجاب: «لا، ليس أنت. أية حماقة.هل يمكن أن نجعل من الأعمى قائد سفينة؟».
 
تتوقع سوزان: «من المؤكد أنه كان يستعيد فى تلك اللحظة العقبات التى كان يواجهها والرفض الذى جوبه به، والهزاء بل والشتائم من أولئك الذين كانوا بحاجة لمرور زمن طويل حتى يتمكنوا من الإدراك».
 
لم يستمر فى حواره أكثر من ذلك مع سوزان، التى اقترن بها فى فرنسا عام 1917 أثناء بعثته إلى باريس لنيل الدكتوراه، لكنه ووفقا لها: «قال كعادته فى كثير من الأحيان: اعطنى يدك «وقبلها، ثم جاءت الليلة الأخيرة: «نادانى عدة مرات، لكنه كان ينادينى على هذا النحو بلا مبرر منذ زمن طويل، ولما كنت مرهقة للغاية فقد نمت، ولم أستيقظ، وهذه الذكرى لن تكف عن تعذيبى.. نحو الساعة السادسة صباحا جعلته يشرب قليلا من الحليب، وتمتم: «بس.. ونزلت أعد قهوتنا، ثم صعدت ثانية مع صينيتى ودنوت من سريره وناولته ملعقة من العسل بلعها، وبدا لى بالغ الشحوب عندما استدرت إليه بعد أن وضعت الملعقة على الطاولة، وهيأت البسكويت، لا تنفس، ولا نبض، ففعلت ما كنت أفعله فى لحظات غشيانه العديدة، لكنى كنت أدرك أن ذلك بلا فائدة، فناديت الدكتور غالى، ووصل بعد نصف ساعة، وجلست قربه مرهقة متبلدة الذهن، وإن كنت هادئة هدوءا غريبا «ما أكثر ما كنت أتخيل هذه اللحظة المرعبة».كنا معا وحيدين متقاربين بشكل يفوق الوصف، ولم أكن أبكى، فقد جاءت الدموع بعد ذلك».
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مدحت عبد الهادى صخرة دفاع الزمالك السابق يحتفل اليوم بعيد ميلاده الـ"51"

التنقيب عن الآثار.. جريمة تخنق التاريخ والداخلية تلاحق لصوص الحضارة

تنسيق الجامعات 2025.. استمرار إتاحة التقدم لحجز اختبارات القدرات

اتحاد الكرة يستقر على إقامة السوبر المصري بمشاركة 4 فرق

ميلود حمدى يطالب مجلس الإسماعيلى بتعديل لائحة فريق الكرة قبل الموسم الجديد


مى فاروق تحيى سهرة خاصة لأم كلثوم بمهرجان قرطاج الدولى 16 أغسطس

هزيمة مشتركة.. مشوار تشيلسي وباريس سان جيرمان إلى نهائي كأس العالم للأندية

تعرف على موعد صرف تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة

بالأرقام.. مودريتش يودع ريال مدريد بعد مسيرة أسطورية

غادة عبد الرازق تكشف عن تعرضها للإصابة وتجلس على كرسى متحرك


هل سيتم تخفيض تنسيق الثانوي العام بالقاهرة ؟.. اعرف التفاصيل

موعد مباراة تشيلسي ضد بي إس جي فى نهائى كأس العالم للأندية 2025

العراق يرحب بإعلان "حزب العمال الكردستانى" بدء عملية تسليم السلاح

فات الميعاد الحلقة 21.. أحمد مجدي يرفض عرض محمد أبو داود حفاظًا على حضانة ابنته

الهيئة الوطنية تطلق تطبيق استعلم عن لجنتك فى انتخابات مجلس الشيوخ.. صور

ماكينات حفر الخط الرابع للمترو لا تتوقف.. طاقم مصرى يصل الليل بالنهار لإنجاز المشروع.. المكينة تحفر 22 مترا يوميا والنفق حلقات خرسانية يتم تركيبها وتصنيعها محليا.. وهذه طرق تأمين العمال تحت الأعماق.. صور وفيديو

الهيئة الوطنية تنشر آلية استعلام المواطنين عن مقر اللجان بانتخابات مجلس الشيوخ

الخارجية الفرنسية: نجدد رفضنا القاطع لأى تهجير قسرى لسكان غزة

سر تجدد اشتعال النيران في سنترال رمسيس.. مدير الحماية المدنية الأسبق يوضح

الدفع بـ4 خزانات مياه استراتيجية لإخماد حريق مصنع مدينة بدر.. صور

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى