القس شنودة يعقوب كاهن لغة الإشارة يروى حكايات الصلاة بعلامة الحب.. تعلمت "الإشارة" من "سيسيل" فأحببتها وتزوجنا.. البابا شنودة كلفنى بالخدمة عام 92.. وأنتجنا أول كتاب مقدس للصم والبكم

على أصوات الأناجيل، والتراتيل، وقف القس شنودة يعقوب يرفع صلوات القداس الإلهى من كنيسة مارجرجس بمصر الجديدة، فى كنيسة صغيرة تعلو صحن الكنيسة الرئيسى، وقد امتلأت الكنيسة عن آخرها، بمصلين يرفعون إشارات الصم والبكم ردًا عليه وهم يؤدون الصلاة، فيخرج من هيكل الكنيسة شماس يرتدى ملابس الخدمة "التونيا البيضا" المطرزة بالذهبى، يرسم فى الهواء علامات يتقنها جيدًا ليرد عليه الناس وهكذا حتى حانت نهاية القداس.

أما النساء فحظين بـ"سيسيل" أو زوجة أبونا، كما يلقبونها، تترجم للنساء نفس اللغة التى تمرست عليها حتى أنها كانت سببًا فى زواجها بالقس شنودة أول كاهن مكلف لخدمة الصم والبكم فى الكنيسة المصرية.

"شاكر يعقوب سليمان" هو اسمه بالميلاد، قبل أن يصير "أبونا شنودة" كان يدرس القانون ولكن حب الدراسة اللاهوتية دفعه لترك الجامعة والانضمام للكلية الإكليريكية مثلما يقول لليوم السابع.

 "تخرجت فى الكلية الإكليريكية بعد أربعة سنوات من انضمامى لها، ثم ظللت مكرسًا للخدمة فى الكنيسة سبعة سنوات يقول القس شنودة، ويؤكد "خلال هذه الفترة، انشأت فى الكنيسة خدمة جديدة تحمل اسم "الذين ليس لديهم أحد يذكرهم"، فانضممت لها وتعرفت على خادمة هناك تسمى سيسيل لمس الله قلبها، فأحبت الصم والبكم، وهى مهندسة حصلت على أجازة من عملها لتخدمهم فتعلمت منها لغة الإشارة، عامى 1985 و1986 وبدأنا الخدمة معا.

"من الخدمة فى الكنيسة إلى الشراكة فى المنزل يستكمل القس شنودة، ويضيف: قررنا الزواج وصممنا كارت الفرح بلغة الإشارة وانتبه البابا شنودة للخدمة وشجعنا عليها حيث كان يلتقينا بانتظام منذ عام 90 حتى قرر رسامتى قسًا ودخلت إليه مع عشرات الصم والبكم فقال "أنتوا جايين ترسموا قسيس ولا جايين مظاهرة انتخابية؟". صرت قسًا رسميًا وواصلت الخدمة معهم بالإشارات الدينية، يروى القس شنودة، ويضيف: ثم أصدرنا قاموس لغة الإشارة الأول فى العالم العربى، واتجهنا للمسرحيات الدينية بنفس اللغة أيضًا، وكنا نحظى بحضور كبير.

يبتسم القس وهو يقول:أجلس معهم واستمع لاعترافاتهم وأدرس لهم المحاضرات الكنسية، واخترنا إشارة لكل نبى فإبراهيم مثلًا أبو الآباء، وأصدرنا عدة قواميس، أحدهم للعهد القديم وآخر للعهد الجديد وثالث بأسماء الأسفار، وصورنا جزءان للأطفال أظهر فيهما أثناء الصلاة بلغة الإشارة.

يؤكد القس شنودة أن خدمته اتسعت فأنتج مع الكنيسة سلسلة لقاموس لغة الإشارة تضم الأجبية والخولاجى المقدس والصلوات المسيحية، إلا أن ندرة الكهنة المكلفين بخدمة الصم والبكم يدفعه للانتقال بين كنيسة وأخرى، فمن شبرا إلى مصر الجديدة إلى الجيزة، يقضى القس شنودة أوقاته فيعقد اجتماعات يومية، ويستمع لشكاوى المتآلمين من رعيته.

أما سيسيل زوجته، فكانت قد انهمكت فى الاجتماع بالصم والبكم فى الكنيسة، تشرح لهم رمزية عيد العذراء مريم، فسألتها إحدى المصليات عن عيد الصليب الذى انتهى منذ أيام، فرفعت سيسيل يدها وأشارت إلى أن العيد تحتفل به الكنيسة ثلاث مرات وأهمهم هو ذكرى عثور الملكة هيلانة على الصليب المقدس الذى صلب عليه السيد المسيح وفقًا للعقيدة المسيحية.

الخدمة الناجحة التى يؤديها القس شنودة، دفعت البابا تواضروس ورؤساء الطوائف المسيحية إلى تكريمه ومن معه من الخدام فى العيد الرابع لمجلس كنائس مصر، حيث رفع البابا تواضروس علامة الحب جنبًا إلى جنب الصم والبكم وهو يحتفل بترجمة الإنجيل المقدس إلى لغة الإشارة، فأودعت نسخة منه فى جامعة الدول العربية، لتعبر الخدمة من مصر إلى خارجها.

كتاب الأجبية، أو صلوات السواعى والذى يضم صلوات باكر والساعة الثالثة، أحد الإصدارات التى تمكن القس شنودة وزوجته المهندسة سيسيل صموئيل من إصدارها، يضم إلى جانب الكتابة باللغة العربية، الإشارات مترجمة عبر رسوم توضيحية تخدم الذين يعانوا من ضعف السمع حتى وإن كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة. إلى جانب الخدمة الروحية، التى يقدمها القس شنودة، فإنه لا يتوانى عن مساعدة المحاجين من أبناء كنيسته فيجمع لهم التبرعات، ويرشدهم إلى الأطباء الذين تطوعوا للعمل معه بالمجان أن مرض أحد رعاياها من الصم، حيث كان يجمع مبلغًا من المال لزواج أحد المحتاجات بعدما انتهى من صلاة القداس. بينما تحول مكتبه، الذى يقع فى أحد فصول التربية الكنسية، بكنيسة مارجرجس الكبيرة بمصر الجديدة، إلى غرفة استماع، يتلقى فيها القس اعترافات شعب الكنيسة ويرشدهم وهو يربت على أرواحهم بما يحفظه من صلوات.