الداعية الإنسانى أحمد المالكى يكتب: القدس ويقظة الانتماء .. ما صدر عن ترامب يُحتّم علينا أن نغضب ولكن بانضباط..يجب حَشدُ الإمكانات وتوجيهُهُا لتكون القُدسِ من أولويّات قضايا الأمة

الداعية أحمد المالكى
الداعية أحمد المالكى

القدس مهوى أفئدة أصحاب الرسالات السّماوية عامّة، والمسلمين خاصّة.. القُدس مدينةٌ عربيةٌ، إسلاميّة التاريخ، إنسانيّة الحضارة..القُدس التى كانت تُعبِّرُ عن الإشعاع الرُّوحى، ومعانى السلام والتعايش والعيش المشترك بين الرسالات السّماوية فى ظل سماحة الإسلام وتسامُحِه.

فى القرن التاسع الميلادى، الثالث الهجرى، زارَ «برنارد الحكيم» القُدسَ، ووصفَها قائلًا: «إنَّ المسلمين والمسيحيين فى القدس ومِصر هم على تفاهم تام، حتَّى إننى إذا سافرتُ ونفقَ فى الطريق جملى أو حمارى وتركتُ أمتعتى مكانها، وذهبت لاكتراء دابّةٍ من البلدة المُجَاوِرَة، عُدتُ فوجَدتُ كُلَّ شىءٍ على حاله لم تَمسّه يدٌ، فقانون الأمن العام فى تلك الديار يقضى على كُلِّ مسافرٍ بالليل أن يكون بيده وثيقةٌ تُبَيِّنُ هُويّتَهُ، فإذا عدَمهَا زُجَّ فى السِّجنِ حتى يُحَقَّقَ فى أمره ويتَّضِحَ قَصدُهُ». نقولا زيادة، الأعمال الكاملة صـ151.

 

قبة الصخره
 

 

 

ونُلاحظُ من خلال ما ذكره السائح «برنارد الحكيم»، أّنهُ لم يذكر اليهود فى القدس، وإنّما ذكرَ التَّفاهمَ التَّام والتسامحَ بين المسلمين والمسيحيين فقط، ولو كان لليهود وجودٌ فى القدس آنذاك لذكرهم.

فالقدسُ رمزٌ يُعبِّرُ عن معانى السَّلام والتعايش والعيش المشترك، وقد مرّت بالقدس سنواتٌ وسنواتٌ من الصِّرَاعِ واشتدادِ الأزمات، والتَّعَرُّضِ للغزو والاحتلال، لكنها جازت كُلَّ المِحَن الَّتى مَرَّت عليها، وبعد كُلِّ أزمّةٍ تَستَعيدُ طَابعهَا العربىّ مرَّة أخرى.

إنّ قضيّةَ القدس هى القضيّة التى تجمع الصّفوفَ وتوحّدُهَا، وتُلهِبُ رُوحَ التَّضامنِ والعزيمة، حتى تستَردَّ الأمّة العربية والإسلامية حقّهَا المَسلوب والذى انغرس فى وُجدَانِ كلِّ حُرٍّ وأبىٍّ، فأصبح تَحريرُها عُنوانًا لتحرير فلسطينَ كلِّها من هذا الاحتلال الغَاشِمِ والجَاثِمِ عليها منذ سبعين عامًا.

وأعلمُ أنَّ العَامِلَ النَّفسىّ يَلعبُ دورًا مهمًّا تُجَاهَ هذه القضيَّةَ، لذلك يجب علينا أن نبقى نُعبّر عن حُبِّنا للقدسِ وتَمَسُّكِنا بها، وأن نغضبَ ونقِفَ وبكل قوّة أمام كلّ مُغتصِبٍ يريد أن يَسْلُبَ منّا حقنا، إيمانًا منَّا بعرُوبة القدس الشريف وإسلاميّتِها، وباعتبارها قضيَّة أساسية للأمة العربية وجوهر الصِّراع العربى- الصهيونى.

ولا شكَّ أنّنا جميعًا ضدّ القرار الجائر الظالم الذى يُخالف المواثيق الدُّوليَّة والذى صدر من الرئيس الأمريكى «ترامب»، بنقلِ السِّفَارة الأمريكيّة إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقد صدق فضيلة الإمام الأكبر أ.د.أحمد الطيب، شيح الأزهر، حيثُ علّل رفضه لمقابلة «مايك بينس» نائب الرئيس الأمريكى: «كيف لى أن أجلِسَ مع من منحوا ما لا يَملكونَ لمن لا يستحقون».

المسجد الاقصى
 

فإنّ ما صدر عن «ترامب»، يُحتّم علينا أن نغضب، لكن ينبغى أن يكون الغضبُ مُنضبِطًا، ويَتْبَعُهُ حَشدُ الإمكانات المُتَاحَةِ وتوجيهُهُا لتكون قضيةُ القُدسِ من أولويّات قضايا الأمَّة، حتى تظلَّ فى وُجدَانِ العَالَمينِ العربى والإسلامى، وخطَطِهِ لمواجهة هذا القرار والاحتلال الغاشم والصّراع الفكرى والثقافى والحضارى.

إنَّ مشهدَ الشعوبِ وهى تهبُّ متظاهرةً ضد قرار «ترامب»، ونُصرةً للقدس ودفاعًا عن المقدسات، يُبرهنُ على أنّ الخيرَ ما زال فينا، ولكنّ هذا المشهد امتزج بشىءٍ من الآلام، وهى لماذا دائمًا نكون تحت وطأة الأحداث التى يَفتعلها الغرب، وتكون هذه الأحداث هى المُتحكِّم الرئيس فى حركة الشعوبِ؟

هل يعتقد إنسانٌ عاقلٌ أن القرار الأخير الذى اتخذه «ترامب» حصل فجأة؟! أم أنّه تمَّ عَبْرَ مراكز بحوث وصُنع القرار منذ سنوات؟

إنّ الكونجرس الأمريكى أقرَّ قانونًا منذ أكثر من عشرين عامًا، وتحديدًا عام 1995م، يّنصّ على وجوب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ويُطالبُ بنقل السِّفارة من تلّ أبيب إلى القُدسِ، ورغم أنّ قرار الكونجرس الأمريكى مُلزِمٌ، لكنّه يتضمّن بَنْدًا يسمحُ للرؤساء بتأجيل نقل السفارة ستة أشهرٍ لحماية مصالح الأمن القومى، وهذا ما فعله «ترامب».

وهذا يُؤكِّدُ على أنّ القومَ لديهم مراكز بحوثٍ وَضَعَت وتضعُ الخُطَطَ المدروسة والمُحْكَمة التى تُحوَّل إلى المؤسسات المعنيّة لتنفيذها، بِغَضِّ النَّظر عن تغيّر الأحداث وتَبَدُّلِ السِّيَاسات.

إنّ القدس لن تعودَ إلا برسمِ السِّياسات واتخاذ خطواتٍ جادّةٍ، كى نكون قوةً لا يُستهانُ بها، سياسيًا- اقتصاديًّا- عسكريًّا- اجتماعيًّا- أخلاقيًّا.

إنّنا إذ نُعوِّل ونؤَمِّل، فإنّنا نُعوِّل ونُؤَمِّلُ على شُعُوبٍ فاعلةٍ ومُنتجةٍ، أمّا المتخاذلونَ والذين يرفعونَ أصواتهم ليل نهارٍ دون أفعالٍ وخطواتٍ تُتَّخذ على الأرض لنهضة ورفعة الأمة العربية والإسلاميّة، فلا نُؤَمِّلُ مِنهم، ولا نُعوِّل عليهم.

إن سِماتِ المجتمع الّذى يقع عليه هذا الشَّرف، لا ولن تَظهر فجأة، وإنَّما تُربّى الأجيالُ عليها فى جميع المؤسسات، وهى سماتٌ لا تخرجُ إلاَّ من نفوسٍ وطّنَت نَفسَهَاعلى العمل والإنتاج والمحافظة على البلاد والعباد.

الكل مسؤول، فإيَّاكُم والتَّثَاقُل ولو بِشِقِّ تمرة، ولو بشطر كلمة، بل انبعثوا بالتحفيز المنضبط والاستنفار الذى يعمل على تقويتنا فى كل جانب من جوانب الحياة، لحفظ مقدسات الأمة وحماية ثوابتها، فليس بعدها إلا الهوان التام فى الدارين.

وإياكم أن يأخذكم الحماسُ بعدم فقهِ وإدراك الواقع، فتفسدون أكثر مما تصلحون.

حافظوا على أوطانكم حتى تُحَرَّر مُقدَّسَاتكم.

يتبع..

 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الفنانة زينة تطلب 100 ألف جنيه تعويضا بعد هجوم كلب شرس على أولادها

مصرع عبد الرحمن فيصل لاعب نادى الشمس فى حادث سير

فيديو يرصد اللحظات الأولى فى حادث وفاة جوتا نجم ليفربول

قراءة مبسطة بـ قانون الإيجار القديم بعد التعديلات الجديدة.. إجابات واضحة لأسئلة المستأجرين والملاك.. معرفة القيمة ومصير العقود القديمة والموقف الكامل للمؤجر بعد 1996.. وحالات الإخلاء والبدائل المتاحة

الفنانة زينة تتقدم ببلاغ جديد للنائب العام


استشهاد مهند الليلى لاعب منتخب فلسطين فى غارة إسرائيلية

عمرو دياب يلحن أغنيتين فى ألبومه الجديد "ابتدينا"

وفاة جوتا.. كريستيانو رونالدو فى رسالة مؤثرة: أمر لا يصدق

"احترقت بالكامل".. شاهد سيارة جوتا لاعب ليفربول بعد حادث وفاته

أول تعليق من نادى ليفربول بعد وفاة ديوجو جوتا


شاهد آخر هدف لـ جوتا مع ليفربول قبل رحيله فى حادث مروع

دهست 4 أسر داخل حديقة.. مأساة حى النرجس تبدأ بكارثة وتنتهى بتصالح مفاجئ

وزارة العمل تعلن عن وظائف جديدة بشركة كهرباء بمرتبات تصل إلى 13 ألف جنيه

وصية المطرب الراحل أحمد عامر تثير جدلا كبيرا وأصدقاؤه يبدأون التنفيذ

قانون الإيجار القديم لا يقترب من عقود 1996.. العقد شريعة المتعاقدين

هشام جمال يحتفل بتخرج زوجته ليلى.. وأحمد زاهر: ربنا يبعد عنكم العين

قانون الإيجار القديم.. احسب إيجار شقتك حسب المنطقة والتصنيف

وزارة التعليم تحقق فى تداول أسئلة الكيمياء والجغرافيا على صفحات الغش

عميد معهد القلب الأسبق يفسر أسباب وفاة المطرب أحمد عامر

نانت يعاقب مصطفى محمد بالبيع بعد رفض دعم المثلية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى