المخرج الكبير عصام السيد يكتب: عصا المصريين

المخرج عصام السيد
المخرج عصام السيد

"قَالَ هِى عَصَاى أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا"

كما يحتاج الإنسان إلى عصا يتوكأ عليها، ربما لوهنه أو لعجزه أو ليهش بها على غنمه، أو لمآرب أخرى، فإن الشعوب والأمم أيضا تحتاج إلى شىء (تتكئ) عليه فى فترات محددة، ربما لوهنها أو لمآرب أخرى.

 

وتتعدد الأشياء بتعدد الفترات، كما تختلف (العصى) باختلاف الظروف والملابسات، قد تكون هذه العصا (فكرة) أو مبدأ يتجمع حوله أفراد الأمة ويتوحدوا خلفه ليجتازوا ملمة ألمت بهم، أو ظرفا تاريخيا عسيرا، وقد تكون "عصا أخرى" هى أسلوب الشعب فى تناوله لاحداثه الجسام، فعلى سبيل المثال كانت (نعرة) القومية الألمانية و تفوق الجنس الآرى على باقى الأجناس (عصا ألمانيا) فى اجتياز مأساة هزيمتها فى الحرب العالمية الأولى، صحيح أن تلك النعرة كانت لها أصولها الأولى قبل الحرب ولكن الاتكاء تحقق بعدها، و لا نعرف على وجه التحديد من منهما ساعد الآخر : هل ساعدت العصا هتلر على تبوأ صدارة المشهد، أما أن هتلر هو من استغل تلك العصا ليهش بها على الشعب الألمانى؟ ام أن كلا الأمرين صادف الآخر فى لحظة مناسبة فتواجدت العصا فى يد من ظنت أنه موسى فأخذ يهش بها و لكن إلى هلاك. وربما فى زمن أخر و مع ظروف اخرى صادفت العصا من هو أهل لها فأجاد استعمالها .

 

تتعدد العصى وتتنوع بتنوع المستخدم (بكسر الدال) وغرض الاستخدام وزمانه، فمنها المؤقت ومنها الدائم، ومنها المزيف ومنها الحقيقى، لكن القاعدة التى نسجلها من خلال الملاحظة الدقيقة أن كل عصا هى بنت ظروفها، و كما تحمل فى داخلها دلالات و تشير إلى معانِ كذا فان استخدامها يخطئ و يصيب . ولعل أشهر العصى التى يتكئ عليها شعب ما.. هى عصا (السخرية) التى داوم الشعب المصرى على الاتكاء عليها  فى كل الظروف، خاصة الظروف الطاحنة، حتى باتت جزءا لا يتجزأ منه، لا تراه بدونها و لا تراها بدونه، و كأنها صمام أمان لحياته أو ربما دليل على أنه يحيا، حتى صار اختفاؤها نذير سوء، وفى نفس الوقت هى تسجيل لحياته نفسها. ألم تكن سخريته من نفسه معينا له لتحمل آلام النكسة؟ ربما تحولت العصا فى تلك الفترة لكرباج يؤلم به نفسه ومبضع يزيد جروحه تمزقا ولكن ليكشف أسباب العلة ويتخلص من ديدان نخرت فى الجسد، لكنه كان قاسيا على نفسه حتى وقف الزعيم ذات مرة يطالبه بالكف عن السخرية من الهزيمة فقد طالت اعصاب الوطن الملتهب.

 

وقبيل ثورة 25 يناير كان كثيرا من الحديث يدور حول "فقدان روح السخرية، واختفاء الكوميديا من حياتنا" ولم يجرؤ وقتها أحد على تفسير ذلك النذير، أو التنبيه إلى خطورة تلك الظاهرة، إلا أنه بعد الثورة كشف لنا بعض علماء النفس أن الاكتئاب يسيطر على نسبة كبيرة من المصريين وأن الحالة تفاقمت بعد الثورة ( !! ) و تراوحت الارقام بين قائل أن مليون ونصف مصرى يعانون من الاكتئاب و أخر يصل بالرقم إلى 6%، وازاد  أحد أساتذة الطب النفسى -  فى حوار نشر فى مطلع العام - نسبة المرضى إلى 11% بزيادة سنوية مضطردة، و قيل فى مقال أخر أن نصف الشعب المصرى قد (جرب المخدرات) منهم 30% يتناولونها بشكل غير منتظم وأن مابين 5 و 15% يتناولونها بشكل يومى نتاجا للاكتئاب .

 

فماذا حدث لعصا المصريين؟

ماذا حدث للسخرية التى جعلت هذا الشعب يتحمل بل يقاوم "انكسار الروح" عبر قرون من الاحتلال وظلم الحكام وتردى الأوضاع؟ أين اختفى الضحك الذين كان دواء جروح المصريين والمعبر عن أوجاعهم، والمسجل أيضا لتاريخهم و مواقفهم؟

 

فى ظنى – و ليس كل الظن إثم – أن السخرية لم تختف من حياتنا كما يقولون، فكما زادت نسبة الأمراض النفسية زادت أيضا جرعة السخرية وتنوعت أشكالها، ولكن دعونا ننظر للخلف قليلا لنتبين مواضع أقدامنا حاليا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

باريس سان جيرمان بالقوة الضاربة أمام فلامنجو فى نهائى كأس القارات

طبيب الأهلى يكشف تطورات حالة أشرف بن شرقى

حالة الطقس.. سحب ممطرة على السواحل الشمالية الشرقية وأمطار متفاوتة الشدة

عصام ورامى أمام وعمر متولى يستقبلون عزاء أرملة الراحل مصطفى متولى

غياب الزعيم عادل إمام عن عزاء شقيقته


رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

رئيس الوزراء: نركز من الآن على خفض معدلات الفقر وإحداث نقلة فى حياة المواطن

BBC: محمد صلاح يحظى بدعم جماهيرى ورسمى غير مسبوق بعد أزمة ليفربول

أبرد الفصول.. الشتاء يبدأ رسمياً الأحد المقبل ويستمر 88 يوما و23 ساعة

شرط محمد صلاح للبقاء مع ليفربول بعد أزمة سلوت


على ماهر يعيد 5 لاعبين لتشكيل سيراميكا أمام الأهلى فى كأس عاصمة مصر

حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار خلال الساعات المقبلة

ننشر جداول امتحانات الفصل الدراسى الأول للنقل والشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية

نيفين مندور.. عاشت حياة مليئة بالأزمات ورحلت فى نهاية مأساوية

الأهلي مهتم بضم محمد توريه لتدعيم هجومه في يناير

مواعيد مباريات اليوم.. باريس سان جيرمان مع فلامنجو ومان سيتي ضد برينتفورد

مصرع الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم اللى بالى بالك فى حريق بمنزلها

نهائى كأس العرب 2025.. تفوق عرب أفريقيا على آسيا فى النهائيات

بدء الاقتراع بأول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب

خالد النبوى يبدأ تصوير مسلسله الجديد طاهر المصرى خلال أيام

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى