الروائى بهاء عبد المجيد يكتب: الجنون على الحافة..قراءة فى رواية حافة الكوثر

حافة الكوثر
حافة الكوثر
لعل رواية على عطا حافة الكوثر الصادرة من الدار المصرية اللبنانية هذا العام  من الروايات المركبة التى تنتمى لروايات تيار الوعى الذى يعتمد على أسلوب السرد غير المتقطع والذى يتوغل بعمق فى قرار النفس البشرية من أجل الوصول الى المعرفة اليقنية بالروح وبالعقل البشرى للشخص موضع الرواية.
 
الرواية تدور أحداثها فى مصحة نفسية تدعى الكوثر وهى مصحة تبدو فى وصفها مخصصة للطبقة العليا من المرضى ذو طبقة اجتماعية معينة ولكن مرضاها ليسوا بالخطريين على أنفسهم أو المحيطين بهم يمكن القول إنها مصحة للاضطراب النفسى المصاحب لتغيرات العصر  وخاصة الاكتئاب.
 
 ذهب الرواى إلى الكوثر بناء على توصية من مديره فى وكالة الأنباء التى يعمل بها والتى يصفها بأنها غير فعالة فى نقل الأخبار الدولية ولا العالم وأنها فى طريقها للانهيار، لم يحدد الراوى موقفه من ما يعانيه ولكن هناك شغف بتاريخ الاكتئاب وأثره فى الحياة بالنسبة للمريض ويستعرض معلومات موثقة عن تاريخ الجنون  وربما عمله كصحفى ساعده فى عملية التوثيق تلك وكذلك تعريف الاكتئاب من قبل الجمعية الأمريكية للصحة النفسية هنا يمكن القول إن رواية الكوثر هى رواية بحث ومعرفة وليس رواية اعتراف واستدعاء سهل لمعاناة بطلها ورحلته القصيرة مع الاكتئاب فقد بقى فى الكوثر أسبوعا ومن قبل مدة لم تتعدى الشهر ولكن تأثير هذه التجربة كان مذهلا من حيث نوعية البشر اللذين قابلهم أو من حيث الوحدة والمعاناة التى مر بهما أو حتى من ناحية تجربة السرد التى رصدها حسين جاد بطل الرواية هناك علاقة دائمة بين الشخصى والعام وبين الخاص والسياسى لدرجة أن رحلة البطل تعد تصورا أدبيا لتطور الأحداث التاريخية وشكل العلاقات الاجتماعية فى الاربعة عقود الاخيرة ونمطها وما طرأ عليها من تغيرات وتطورات أدت الى تغيير المزاج الشخصى كما أدت إلى الإحباط والسأم العام. 
الدكتور بهاء عبد المجيد
تجربة الكوثر كانت المعادل الموضوعى لرحلة البحث عن هوية بطل الرواية حسين جاد الذى يتواصل عن طريق الرسائل مع صديقه طاهر يعقوب المقيم فى المانيا ويشجعه على  الكتابة عن تجربة المصحة فى رواية يستعرض فيها تاريخه وتاريخ عائلته، هو شخص ليس سعيدا بالمرة فى زواجه وله تجربة معقدة مع امرأة أخرى تدعى دعاء والتى ادخلته فى تجربة لم يكن سعيد بها بل جلبت له تعاسات وعقدت أكثر علاقته بزوجته. 
 
الرواية تتقاطع فى فصولها بين تجربة الكوثر والتطور الحياتى لبطل الرواية ما بين طفولته فى المنصورة وذكرياته هناك وعلاقته بوالدته ووالده الذى كان يعمل بائعا متجولا وصانع للكرتون وبين أمه وكفاحها من أجل تربيته وتعليمه وتتعرض الأحداث الروائية  أيضا لتطوره كصبى وشاب ثم زوجا وأبا ومن ثم الانهيار، بسبب معاناة طويلة حاول أن يكون خلالها إنسانا مكتملا دون تدخل من الآخرين أو ضغوط من أقرب الأشخاص إليه. ربما كان  تأثير الأزمة النفسية التى مر بها البطل فرصة ليستدعى فيها تاريخ حياته وأعطائنا الفرصة لنتابع السرد الشخصى لحياة الرواى والبطل نفسه. من خلال هذه الرواية التى تبدو من شكلها الخارجى إنها رواية نمو أو رواية سيرة ذاتية غير مكتملة حيث خبرتنا بالرواى مختلفة من حياة الكاتب نفسه ولم يعترف إلا مرة واحدة فى بداية الرواية إنها قصته وهو ما ظهر فى الإهداء.
الكاتب على عطا
الرواية تتعامل بحساسية وبلاغة شديدة الرهافة مع نمو البطل وذكرياته من الطفولة للنضج وتتعامل مع الأزمة بطريقة سلسلة خالية من الميلودرامية أو الابتذال العاطفى الذى يلجأ إليه بعض كتاب الرواية فى استعطاف القارىء من حيث قوة الحدث أو كسب القارئ فى جانب الكاتب على حساب التجربة الأدبية.
 
هناك تتبع لنمو البطل وتاريخه الشخصى والعائلى ودقة فى وصف مدينته المنصورة والأماكن التى عمل بها من محل النظرات فى طفولته الى أن عمل صحفيا ورحلة كفاحه ونموه وعلاقته بزوجته وأيضا  علاقتهما المتوترة من غيرة وإهمال أحيانا، ثم وصف لحالة المستشفى وأعطاء الفرصة للقارئ للتعرف على النماذج البشرية التى تقيم معه فى المصحة فهناك الضابط والشاب الذى  ترفض والدته الخروج من المستشفى لأسباب لا نعرفها وهناك الطبيب الذى يتابع حالته دون أدنى حالات التعاطف. الانشغال بوصف المصحة وموقعها وتاريخ بنائها والشك حول من يمتلكها هل حسين صدقى الممثل الذى تأسلم فى نهاية حياته واعتنق الفكر المتشدد ووظف فنه للوعظ الاخلاقى والدينى أم هى لورثة أخرون؟. 
 
هناك خوف على هدم المصحة وتحويلها لبرج سكنى يتناقض مع رغبة البطل فى الخروج من تلك المتاهة والتى تسمى بئر الثعابين  وهو اسم فيلم شهير أخرجه انتول لتفيك وعرض عام  1948تصور أحداثه فى مصحة عقلية وتفضح ما يتعرض له مرضى الاكتئاب والفصام من معاملة سيئة وعنف وسوء تصرفات علاجية ويعتقد من هذا الفيلم هو الذى لفت النظر لمشاكل الفصام والمرضى النفسيين، هل يؤدى الجنون والاكتئاب الى الانتحار؟  هذا ما تيجيب عليه هذه الرواية فى بحثها الدقيق حول هذه العلاقة . ففرجينيا ووالف ماتت منتحرة وكذلك سليفيا بلاث وعذرا بوند قضى فترة طويلة فى مصحة نفسية وارنست هيمنجواى قتل نفسه.. الاكتئاب هو غرق المريض فى الماء وينتظرمن يدفعه للوصول للسطح وربما يدفعه نفسه نحو النجاة.
 
الرواية تلقى بمعلومات طبية عن ماهية الاكتئاب وتوثق له ولعل هذه الرواية جديدة فى الأدب العربى التى تهتم بقضية الاكتئاب وجعلها تيمة أساسية لبلاغة رفيعة المستوى ومن خلال السردى الشخصى تعكس بعمق معاناة واضطراب البطل فى رحلة التعافى، هل تغير المزاج الشخصى من السعادة للتعاسة أو ما يسمى الهوس الاكتئابى او البيابولر أو ثتائى القطب المزاجى والمرتبط بالعجز عن الإنتاج أو انخفاضه كان سببا فى هذه المعاناة أم هناك أسباب أخرى دفينة سيكشف عنها قراءات أخرى لحافة الكوثر من نقاد آخرين.
 
هل سيعود حسين إلى المصحة مرة ثانية وهل سيعانى من الاكتئاب ويصبح الكوثر هو الجحيم وليس النهر المقدس الذى يجرى فى الجنة ....لا نعلم؟
 
ربما استغل الروائى تيمة الاكتئاب فى محاولة أن يقدم السيرة الذاتية للبطل من خلال مراحل عمره المختلفة ومراحل تطوره وما لاقاه من أحداث جسام علاقته مع دعاء هى القشة التى قسمت ظهر الرواى وجعلته فريسة للاكتئاب، فهل الخيانة هى السبب هى المعاناة أو عدم الفهم أم هى حساسيته ككاتب وشاعر؟  هناك علاقة مؤكدة بين الإبداع والجنون وهناك دراسات نفسية كثيرة ونماذج لا يمكن حصرها من مبدعين قضوا بعض الوقت فى المصحات النفسية  فإليوت الشاعر الانجليزى كتب أرض  الخراب أثناء وجوده فى مصحة عقلية اثناء الحرب العالمية الاولى وصلاح جاهين ونجيب سرور كان الاكتئاب من نصيبهما أيضا.
 
كان الاكتئاب والخوف من السقوط فى براثن الجنون فرصة أخيرة للراوى ليمسك بتاريخه حتى لا تنتهى ذاكرته إلى العدم تماما كمن يتناول حبوب مضادات الاكتئاب من  البروزاك والزنكس لينسى فتدور فى رأسه طحونة الذكرى والمواقف التى لا تنسى من حياته للامساك بها .
 
رواية حافة الكوثر هى الرواية الاولى لعلى عطا والمؤكد أن خبرته كشاعر قد أفادته فى خلق شاعرية خاصة به تجعل القارىء مشدود للعمل الروائى لدقة اللفظ وانتظام الايقاع السردى من خلال تقاسيم الرواية فى فصولها ولم ينس الشعر فقدم قصائد نثرية مستفيدا من معرفته بالشعر، وأخيرا يمكننا أن نقول إن "حافة الكوثر" هى رواية غاية فى الأهمية بالنسبة إلى عالم على عطا الإبداعى وأيضا فى الرواية المعاصرة بشكل عام.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ترامب و بوتين فى قمة ألاسكا.. بى بى سى: الكرملين يسعى لاعتراف بفشل محاولات الغرب لعزل روسيا وانتصاراً بالاحتفاظ بالأراضى.. والرئيس الأمريكى يسعى لأى فرصة تقدم نحو السلام رغم خفض سقف التوقعات

القوات المسلحة تواصل جهود إدخال المساعدات لقطاع غزة.. فيديو

الصحف العالمية اليوم.. ترامب يريد رؤية صحفيين يحصلون على حق الوصول الى غزة.. بوتين يسعى لتجنب مناقشة أوكرانيا وزيلينسكى يواجه أكبر تحد له فى الحكم مع قمة الاسكا..وميلانيا ترامب تقاضي نجل بايدن بسبب جيفري ابستين

اتحاد الكرة : لا نية لتعديل تعليمات القيد للاعبين الفلسطينين بالدورى المصري

قرار جديد من النيابة بشأن المتهم بإصابة 4أشخاص وإتلاف 3سيارات بكوبرى أكتوبر


مقتل عنصرين جنائيين شديدى الخطورة فى تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة

قلبى على ولدى انفطر.. القبض على شاب لاتهامه بقتل والده فى قنا

موقع معزول ومحصن أمنيا.. تعرف على القاعدة المستضيفة للقاء ترامب وبوتين

رفع سعر دواء لإنقاص الوزن ببريطانيا 3 أضعاف بعد شكوى ترامب

مصير المطلقة المتمكنة من شقة "إيجار قديم" بعد إقرار القانون الجديد


البريد أبرزها.. 3 طرق لتلقى طلبات حجز وحدات بديلة لمستأجرى الإيجار القديم

أخيرا.. موعد انكسار الموجة شديدة الحرارة وانخفاض الدرجات

قضية الطفل ياسين.. الاثنين المقبل استئناف محاكمة المتهم على حكم المؤبد

العش وعمر كمال على رأس 11 لاعبا يغيبون عن الأهلى أمام فاركو الليلة

ترامب: أريد رؤية الصحفيين يحصلون على حق الوصول إلى غزة

أصاب 4 أشخاص وأتلف 3 سيارات.. تفاصيل محاولة هروب قائد سيارة حادث أكتوبر

مواعيد مباريات اليوم.. ليفربول ضد بورنموث في افتتاح الدوري الإنجليزي والأهلى ضد فاركو

ليفربول يبدأ رحلة الدفاع عن لقب الدوري الإنجليزي ضد بورنموث الليلة

الأهلى يبحث عن تصحيح المسار الليلة أمام فاركو بالدوري المصري

ابنا فضل شاكر وعاصى الحلانى يحييان حفلًا غنائيًا فى لبنان

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى