فى رحاب النجاشى

ناجح أبراهيم
ناجح أبراهيم
ناجح أبراهيم

النجاشى وعدله ورفقه كان السبب للقاء الأول بين المسيحية والإسلام

 
 
«منذ أن وطأت أقدامى أديس أبابا ظللت أفكر فى النجاشى» ملك الحبشة المعروف، كنت ومازلت متيماً وعاشقاً لهذا الملك العادل، قلت لنفسى: كيف يكون هناك حاكم فى هذه القرون السحيقة والبلاد البعيدة يملك هذا العدل والحكمة والإنصاف والتجرد والزهد، أى مدرسة تخرج منها هذا الملك، أى تجربة حياتية مؤلمة أو صعبة أو سعيدة هانئة صقلت قلبه وعقله بمعانى العدل، لقد كان النجاشى سبباً فى دخول الإسلام إلى أفريقيا، وكانت بلاد الحبشة «إثيوبيا وإريتريا» هى أولى البلاد الأفريقية التى دخلها الإسلام، وذلك بفضل عدل النجاشى ورحمته، النجاشى يعد أيقونة للعدل والحكمة والرحمة، هو يفوق مانديلا، لأن الأخير جاء فى عهد الديمقراطية والحريات والتعددية، النجاشى وعدله ورفقه كانوا السبب للقاء الأول بين المسيحية والإسلام، التقى الدينان فى هذه البلاد قبل أن يلتقيا مرة أخرى فى مصر.
 
كان والده ملكاً على الحبشة، وكان شقيق الملك له عشرة من الأولاد، النجاشى لقب للحاكم هناك مثل فرعون فى مصر، صاحبنا كان اسمه «اصخمة بن أبحر»، تأمرت النخبة على الملك الأب، اتفقوا مع شقيقه على قتله ثم توريث الملك لأولاده العشرة بحجة استقرار المملكة بدلاً من توريث الملك للطفل الصغير، كان النجاشى وقتها طفلاً صغيراً حينما قتل أبوه الملك، باعوه كـ«عبد» بثمن بخس فى بلاد بعيدة، قصته تشبه إلى حد كبير قصة سيدنا «يوسف» عليه السلام، بعدها بسنوات مات الملك العم فجأة، بحثت النخبة السياسية والعسكرية عن ملك جديد بين أولاد الملك العم، وجدوهم ما بين أحمق أو فاشل إدارياً أو شارب للخمر أو ضعيف لا يقوى على إدارة المملكة، لم يجدوا حلاً سوى إعادة صاحبنا النجاشى الشاب الصغير الذى عركته وصقلته التجربة المؤلمة فصار حكيماً رغم صغر سنه، جرب النجاشى الظلم فعرف قيمة العدل، رأى القسوة فأحب الرحمة والعفو، عاد ملكاً، نيلسون مانديلا يشابه تجربة النجاشى السجن أسهل من العبودية والنفى، سجن مانديلا جعله إماماً فى الرحمة والعفو، والزهد فى الحكم، رفض النجاشى أن ينتقم لمقتل أبيه الملك من أولاد عمه، القاتل مات ولا ذنب لهم، كأنه كان يعرف مغبة الانتقام والدماء.
 
جاء الاختبار الثانى حينما رفضت النخبة أن ترد على التاجر المال الذى اشترى به «النجاشى الصغير العبد»، هددهم بالذهاب له بعد أن صار ملكاً، لم يكترثوا بالأمر ظنوا أن الملك لن ينصفه، خاب ظنهم بعدما أمرهم النجاشى أن يعيدوا إليه أمواله، توالت اختبارات العدل الصعبة، فكان ينجح دائماً، ذاع صيته فى العدل حتى وصل إلى الجزيرة العربية، سمع عنه الرسول، صلى الله عليه وسلم، العدل أيقونة ونور وضياء سواءً صدرت من مسيحى أو مسلم أو علمانى أو اشتراكى أو ليبرالى أو بوذى أو هندوسى أو يهودى، العدل ضياء ونور يضىء الكون كله، أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بعض أصحابه أن يهاجروا إلى الحبشة والعلة ليست دين أو مذهب أو عرق الملك، ولكن لأنه «ملك عادل لا يظلم عنده أحد»، كان هذا أول لقاء أفريقى بين الإسلام والمسيحية.. وأول دخول للإسلام لإفريقيا، لولا عدل النجاشى وحلمه ما حدث ذلك.
 
جاء عمرو بن العاص، قبل إسلامه، برشاوى كثيرة للنجاشى وحاشيته ليغريهم بتسليم الصحابة المهاجرين إلى قريش، وقد سأل عن كل ما يحبه النجاشى وأحضره له، ولكنه رد هذه الهدايا، وقال بحسم كلمات رائعة: «إن الله لم يأخذ منى رشوة حين رد علىَّ ملكى»، وقال للصحابة: «أنتم شيوم عندى، أى آمنون عندى». وقد حاول عمرو بن العاص بشتى الطرق إيغار صدر النجاشى ضد الصحابة، ولكنهم كانوا من الحصافة والذكاء فى الرد على أسئلة النجاشى ما جعله يسلم سراً ويتعاطف معهم، وعندما ثار قومه عليه، لأن خبر إسلامه شاع بين الناس جهز النجاشى سفينة عند شاطئ البحر الأحمر وقال للصحابة: إن حدث لى مكروه فارجعوا بلادكم، وإن لم يحدث فعودوا مرة أخرى، ثم ذهب إلى قومه الذين احتشدوا ضده فامتص غضبهم بذكاء نادر، وهذا يدل على أن الحاكم لا يستطيع كل شىء وأنه له وسع وللمجتمع وسع «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»، ولا مجتمعاً إلا وسعه، وقد سألت عن قبر النجاشى فوجدته فى مدينة «مقلى» التى تبعد قرابة ألف كيلو متر عن العاصمة، وقبور بعض الصحابة حوله، ويعقد كل عام احتفال بالنجاشى يحضره عشرات الآلاف من المسلمين الذين يذهبون لزيارة قبره، تمنيت أن أزوره ولكن المسافة بعيدة جداً، والمشاغل كثيرة.
 
قلت لنفسى: هل عدل حاكم واحد يبقى أثره كل هذه القرون، هل أثره يتعدى الأزمان والأقطار، هل محبة أهل العدل تسرى هكذا بسرعة البرق، سلام على «النجاشى» الملك العادل الرحيم فى عليين. 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

رئيس مركز بشتيل يعتذر عن عدم الترشح لفترة رئاسة جديدة

أخبار الرياضة المصرية اليوم الثلاثاء 8 - 7 - 2025

رئيس الوزراء يصل القاهرة عائدا من البرازيل عقب المشاركة في قمة مجموعة "بريكس"

اليد يعلن موعد إعادة قرعة دورى المحترفين 13 يوليو

رجال الحماية المدنية بالجيزة يشاركون فى إخماد نيران سنترال رمسيس.. صور وفيديو


الزمالك يكرم الجهاز المعاون لأيمن الرمادى وطبيب الفريق

بتروجت: علاقتنا قوية مع الزمالك ولكننا متمسكون باستمرار حامد حمدان

رئيس المخابرات الفرنسية: تقييم أولي يفيد بتضرر كل مكونات البرنامج النووي الإيراني

السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة

الحماية المدنية تواصل عمليات تبريد حريق سنترال رمسيس


وزارة الصحة بغزة: ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بالحمى الشوكية

مصر تفوز على تونس وتتوج بالبطولة العربية للسيدات لكرة السلة

بعد حبس المتهمين بحادث انفجار خط غاز طريق الواحات 10سنوات.. سيناريوهات جلسة الاستئناف غدا

بطل من الحماية المدنية.. قطع إجازته ليخمد حريق سنترال رمسيس ..صور وفيديو

ليبيا تطرد وزراء داخلية إيطاليا واليونان ومالطا ومسؤول أوروبى

السجن 15 عاما للسائق المتسبب فى وفاة 19 ضحية على الطريق الإقليمى بالمنوفية

خطوات اختيار الرموز الانتخابية للمرشحين فى انتخابات مجلس الشيوخ .. صور

بطل من ضهر بطل.. ابن الشهيد امتياز كامل يكتب فصلا جديدا من الفداء بحريق رمسيس

موجة حر شديدة فى اليونان وتحذيرات من خطر اندلاع حرائق فى أجزاء من المنطقة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى