وائل السمرى يكتب: صورة الإنسان فى معرض أحمد مرسى بالشارقة

الكاتب الصحفى وائل السمرى فى معرض أحمد مرسى بالشارقة

الإثنين، 13 مارس 2017 03:16 م

أقامت مؤسسة الشارق للفنون التى ترأسها الشيخة حور القاسمى، معرضا احتفاليا للفنان التشكيلى المصرى الكبير "أحمد مرسى" حيث خصصت كل قاعات الدور الأرضى من متحف الشارقة للفنون لعرض أعمال مرسى التى تمتد على مدار ما يزيد على الستين عاما، وقد جمع قيم المعرض البروفسير صلاح حسن أستاذ الفنون بجامعة كورنيل بأمريكا أعمالا فنية وإبداعية للفنان المصرى المعاصر وضمها ضمن المعرض الذى يشمل عشرات اللوحات الزيتية وباقة من أهم من كتب عن الفنان وباقة من أهم كتاباته الشعرية والنثرية بالإضافة إلى ترجماته للشعر والأدب الغربى، كما أنتج المعرض فيلما توثيقيا لرحلة الفنان المصرى السكندرى تحدث فيه الفنان عن مشواره الفنى والإبداعى وأهم صداقاته وأهم المؤثرات التى توغلت فى وجدانه وأسهمت فى بناء شخصيته، وبدأ المعرض من يوم 1 مارس الجارى ويستمر حتى 3 يونيو المقبل.

يضم المعرض عشرات اللوحات الفنية التى تجسد مسيرة الفنان المصرى "أحمد مرسى 87 عاما" صاحب الإسهام الكبير فى الحركة التشكيلية العربية، بداية من الخمسينيات وحتى وقتنا الراهن، ويستطيع مشاهد المعرض أن يرى بصورة واضحة تطور أسلوب الفنان من بدايته نشأته التشكيلية وحتى وصوله إلى مرحلة النضج الفنى واختراع بصمته الأسلوبية المميزة، حيث يعد مرسى من أهم فنانى الحركة الفنية العربية التى تقلبت بين المدارس الفنية المتعددة وإن كانت المدرسة السريالية هى أهم ما يرتكز عليه الفنان حيث كان الفنان من طليعة فنانى السريالية المصرية ومن أهم مطوريها مع جيل العمالقة الكبار أمثال عبد الهادى الجزار وحامد ندا وجورج حنين وفؤاد كامل وكامل التلمسانى وغيرهم.

لا مكان للمبالغة هنا إن قلنا إن هذا المعرض ليس معرضا عاديا، وبراعته تكمن فى مدى صدقه فى عرض تجربة الفنان المصرى المثيرة للتأمل فيما وصل إليه حال الإنسان المصرى عبر العصور، حيث ترتكز القيم المضمونية لأعمال الفنان على تجسيد القلق الوجودى لإنسان العصر الحديث، عبر تجسيد الصراع بينه والزمن والحداثة والمتغيرات السياسية التى تلقى بظلالها على لوحات الفنان مستلهمة الرموز القبطية والمآسى العربية والمكونات البيئية السكندرية والعراقية والأفغانية، لتعزف لوحاته ما يشبه سيمفونية لونية صارخة ضد العنف والتشرذم والضياع وخيانة الإنسان لإنسانيته.

هنا يقف البحر كحد فاصل بين كل شىء وأى شىء، وكأنه يريد أن يقول إن فى البحر الخلاص، أو إن فى البحر البداية، أو إن فى البحر التطهير، وقد غلب لون البحر واتساعه على أعمال الفنان كافة، فإن لم يأخذ من البحر أحد مفرداته الواضحة كالمياه أو المراكب أو أشكال الأسماك، أخذ منه فى بقية اللوحات خلفيته اللونية الصافية، ليصبح البحر المبتدأ والخبر، ويصبح البحر البداية والنهاية، ويصبح البحر هو المرجعية الوحيدة، واليقين الوحيد.

ويبرع مرسى فى تجسيد حالة الانكسار القومى فى أشد حالاته قسوة، وليس أدل على هذا من ميله الكبير إلى عمل الكثير من البورتريهات الشخصية وكأنها مشطورة إلى نصفين، كما أنه كثيرا ما يبرز صورة لإنسان مجرد وكأنه يلهو بأعضاء جسده أو يستعرضها فى يده، وكأنه يريد أن يقول إننا نعيش فى عصر نهاية القداسة، فلا وجود للمقدس فى حياة الإنسان الآن، حتى جسده صار منتهكا، وصار هذا الانتهاك لا يسبب إزعاجا يذكر، وتتجلى براعة هذه الرؤية فى تلك الوحة البليغة التى يجسد فيها وحشا يلثم رجلا مستسلما مستكينا، لا تدل ملامحه على أية مقاومة تذكر، وكأنه مستمتع بانتهاكه متسجيب لقاتله، منسحب من رحابة السماء إلى عتمة الأرض.