يا وجع القصبجى

 وائل السمرى
وائل السمرى
بقلم - وائل السمرى
دائمًا ما تهزمنى ملامح الشقاء هذه، وجه حاد وطيب، أليف وعفوف، رأس صغير، وعين مكسورة على لمعانها، لم أرَ له صورة واحدة يكسوها الابتسام، ولم أسمع له ضحكة، لكن أعرف جيدًا تلك اليد التى تمسك بزند العود وكأنها روح تعانق روح، تسجنه عيون الناس وتحرره الأوتار، يجحده الجفاء والنكران، وتكرمه المقامات الموسيقية، يتنكر له الجميع وتقدسه الموسيقى العربية، لم يعلن عن نفسه قط، ولم يسوق لنفسه قط، لكن أعلنت عنه القلوب، وساقت ألحانه الوجدان، هو أستاذ الأساتذة، لكن عاش عيشة عابرة ومات دون جلبة، فلم تكن له عائلة كبيرة لتعتنى به، ولم يكن من السائرين فى ركاب الحكام ليؤسسوا له المنشآت ويكتبوا اسمه بماء الذهب، هو عمل فحسب، وأخلص فحسب، وتفانى فحسب، فجهله الجاهلون، وقدسه العارفون، ولقد حاولت مرارًا أن أشعر بما شعر، أن أتخيل إحساسه بغدر الزمان، أن أقترب من ملامسة آلامه اليومية، ولما عجزت عن تخيل هذا الوجع، صار وجعه بالنسبة لى من المشاعر المطلقة التى لا يقدر على تقديرها أحد، فصرت كلما رأيت غدرا، أو كلما رأيت جحودًا من المجتمع على أحد أخلص أبنائه أقول «يا وجع القصبجى».
 
هو محمد على القصبجى، الذى تحل ذكرى ميلاده الـ 125 فى 15 إبريل المقبل، وهو رائد التجديد الموسيقى فى مصر والعالم العربى ويكفى أن تعرف أنه هو الذى علم أكبر الموسيقيين فى تاريخنا، فمن تلامذته محمد عبد الوهاب، ومن تلامذته فريد الأطرش، ومن تلامذته رياض السنباطى، فكل واحد من هؤلاء أمة موسيقية مستقلة بذاتها، وكل واحد من هؤلاء أسهم فى صناعة وجدان العالم العربى، وهو أول من أدخل علم الهارمونى فى الموسيقى الشرقية، وهو أيضًا من أحدث طفرة فى العزف على آلة العود كما أسهم فى تطوير صناعتها بشكل غير مسبوق، لكنه مع هذا ختم حياته عازفًا فحسب، يجلس وراء أم كلثوم ليؤدى ألحان تلامذته سعيًا وراء «أكل العيش».
 
لو كان القصبجى يمتلك ذكاء عبد الوهاب، أو كاريزما رياض السنباطى أو حيلة فريد الأطرش لصار حاله غير الذى صار إليه، لكنه كان مكتفيًا بآلامه محتضنًا أنغامه، أفكر كثيرًا: من الذى خسر بعد أن تملك الإحباط منه هو أم المجتمع؟ وأجيب على الفور، المجتمع بالطبع، فلو تنبهت الدولة إلى تلك القيمة التى يبددها الإحباط لأنقذته منه وجعلت منه أيقونة موسيقية تخرج أجيالًا بعد أجيال من العلماء الموسيقيين مثله، لكنها للأسف لم تنتبه، ولهذا انقطع العلم وغفلت مصر عن دورها الرائد فى التطوير الموسيقى بعد وفاة الجيل الذى تعلم على يده، فيا خسارة مصر، ويا وجع القصبجى.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

فريق استشاريى طرق: تصميم الدائري الإقليمي ليست به نقاط ضعف تسبب وقوع حوادث

أحمد السقا ضيف برنامج كلام كبير مع مها الصغير على قناة ON E.. فيديو

تفاصيل مفاوضات الأهلي مع مصطفى محمد.. زيزو وعاشور يُعرقلان الصفقة

رابط الاستعلام عن نتيجة وظائف مسابقة إمام وخطيب ومدرس بالأوقاف

ميركاتو الأهلى..7 راحلين و8 صفقات جديدة والقوس لا يزال مفتوحا


الأهلي يدفع 8 آلاف دولار لمكتب محاسبة أمريكي ومفاجآة سارة بشأن الضرائب

بعد زوبيميندي.. أرسنال فى طريقه لحسم صفقة جيوكيريس

الطقس غدا شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 37 درجة والإسكندرية 32

عادل إمام وعبلة كامل وشريهان ظهور نادر يؤكد مكانة الثلاثى فى قلب الجمهور رغم الغياب.. مليونية فى حب الزعيم بعد ظهوره بكتب كتاب حفيده.. شريهان فى عرض مسرحى بكامل أناقتها.. وعبلة كامل محتفظة بجمالها بعد ظهورها

مجلس النواب يطمئن المواطنين: لا مساس بنظام الثانوية العامة فى تعديلات قانون التعليم الجديد.. و"البكالوريا" نظام بديل اختيارى مجانى مدته 3 سنوات.. والمستشار محمود فوزى: القانون يمثل إصلاحًا تعليميًا حقيقيًا


9 آلاف دولار للفرد بإجمالى 5 مليارات.. شركة أمريكية تضع تكلفة تهجير الفلسطينيين

وزيرة التضامن تعلن زيادة الدعم النقدى تكافل وكرامة إلى 900 جنيه الشهر الجارى

بمناسبة عاشوراء.. أول ظهور علنى لخامنئى منذ بدء حرب إيران وإسرائيل

بعد أحمد وأحمد.. فيلما الشاطر والجواهرجي ينافسان في موسم صيف 2025

مواعيد مباريات اليوم.. نهائي مثير فى كأس الكونكاكاف الذهبية

التحريات تكشف ملابسات مصرع طفل داخل عقار فى الجيزة

وزارة التعليم تحقق فى تداول أسئلة امتحان الرياضيات البحتة للثانوية العامة

تنسيق التمريض.. فتح باب التقديم للمدارس الثانوية الفنية للتمريض 2025-2026

بعد التصالح.. مصير المتهمة فى دهس 4 أسر فى التجمع

بدء تلقى أوراق الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ لليوم الثانى على التوالى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى