العيب عيب العباءة

ماهر المهدى
ماهر المهدى

تحسس سلاحه الميرى وراح يجز على أسنانه بينما الشعور بالحسرة والهزيمة يتسرب إليه من قاع قلبه حيث ترقد القصة . قال : كنت منهمكا فى عملى فى أحد المواقع، حين توقفت تلك السيارة الفارهة ثم هبط منها رجل وقور قد وخط المشيب مفرقه وخط الزمان اسمه على ملامحه فترك وجها متعبا محير الملامح ثاقب النظرات .

 

تقدم الرجل إلى حيث تحدث إلي فى أمر معاملة رسمية له ، فخففت إلى عملى أنجزه فى سرعة وهمة ليقضى الرجل مصلحته . وما هى إلا دقائق حتى كانت أوراق الرجل ومعاملته قد انتهت وأصبحت جاهزة وعلى ما يرام . تقدم الرجل إلى فى ثبات وشكرنى بحرارة ، ثم قدم إلى كارتا شخصيا يحمل اسما ومنصبا ورقما هاتفيا ورجانى أن أتصل به على ذاك الرقم لأمر هام ، لأنه معجب بهمتى وإخلاصى . ولم يدم تفكيرى طويلا بشأن الكارت والرقم ، وأكدت لنفسى أن للرجل خدمة أخرى يريدها لنفسه أو لأحد من خاصته .

 

رد الرجل الوقور على الهاتف مرحبا ، ثم قال : لن أضيع وقتا وسأدخل فى الموضوع مباشرة يا بنى . لقد تقاعدت للتو من منصبى ، وقد قررت أن أفتتح مكتبا للمحاماة ليملء وقتى . وأنت تعلم ظروف من فى خبرتى ومكانتى . وقد توسمت فيك نباهة وسرعة وإخلاصا كبيرا ، وظننت أنك قد ترغب فى مساعدتى فى هذ المكتب وتدر على نفسك عمولة طيبة بجلب بعض الزبائن إلى مكتبى فى العنوان الواضح لديك . ولم أجد غضاضة فى ذلك العمل البسيط الذى قد يأتينى ببعض المال ، رغم ما قد يكون فى ذلك من مخالفة ، فالناس جميعها تسعى فى أكثر من وظيفة وعمل .

 

مرت أيام وأنا أفكر فى تلك الوظيفة التى هبطت على من السما وأبتسم لنفسى لعلى أفلح فى كسب بعض المال الإضافى بتلك العمولات التى تنتظرنى . واذ أعالج طلبا لرجل ريفى ، راح الرجل يثرثر ويحكى قصصا كثيرة لم أستبن منها – لانشغالى – سوى أن ابنه قد صدم شخصا بسيارة يعمل عليها سائقا ، وأن الريفى الطيب قد هبط القاهرة بحثا عن محام لابنه . فتوقفت عن العمل والتفت إلى محدثى مهنئا له بأنه قد عثر لابنه للتو على محام عظيم  . وتهلل الريفى وكاد يقبل قدمى من الفرحة راجيا أياى أن أصطحبه من فورى الى المحام العظيم .

 

ظهر الريفى الطيب فى موعده الذى ضربته له ومعه زوجته المحملة بأشياء كثيرة – كأنهما فى زيارة لحبيب - لنذهب إلى الاستاذ المحامى العظيم الذى صرت أعمل لحسابه . وما أن وصلنا إلى الفيلا الرابضة فى ذلك الحى الجديد ، حتى استقبلنا حارس ووجهنا إلى حجرة انتظار ريثما يهبط إلينا مضيفنا ، الذى دخل علينا بعد قليل مرتديا عباءة سوداء فخيمة ويحجل فى خيلاء وشموخ أبهرنا أنا ومرافقى البسيطين . اندفع الريفى وامرأته يقدمان كل ما كانا يحملان معهما من أشياء الى الأستاذ ويتوسلان اليه كى ينقذ ابنهما السجين من مستقبل مظلم بسبب الحادث الذى ارتكبه . وراح الأستاذ الكبير يطمئن مرافقى بكل الوسائل الى سهولة القضية بالنسبة إليه ، حتى اطمأنت ملامح الأبوين .

قال الأستاذ : المحاكمة فى محافظة أخرى ، ولكن لا بأس ، سأكون هناك فى الموعد - بنفسى – ان شاء الله . أما الأتعاب فثلاثون ألف جنيها فقط ، وأحتاج إلى نصفها حالا . ذهلت فى خاطرى من ذلك الرقم ورثيت للزوجين الريفيين ، ولكن الحياة صعبة . مد الريفى الطيب يده الى صديريته فأخرج منها لفافة ، ثم ناولها الى الأستاذ قائلا : هذه عشرون ألفا .

ظهر الأستاذ العظيم فى قاعة المحكمة فى تلك المدينة لصغيرة ، ثم طلب التأجيل للاطلاع ، وغادر القاعة فى دقائق معدودة وهو يطمئن موكله وزوجته بأن كل شىء تمام . وعندما حان الموعد التالى لجلسة المحاكمة ، لم يظهر الأستاذ الكبير أبدا ولم يرسل أحدا مكانه . ولم يظهر المحامى العظيم فى الموعد التالى الذى ضربه القاضى لجلسة تالية . ولم يظهر أبدا حضرة المحامى العظيم صاحب المنصب الكبير - سابقا – فى قاعة المحكمة مرة ثانية ، لتصدر المحكمة حكما بالسجن لسنوات طويلة على المتهم الذى لم يدافع عنه أحد .

 

لم يكن أحد أكثر منى غضبا ، حين اتصل بى الريفى الطيب وهو يبكى ويرفع صوته بالدعاء على وعلى الأستاذ العظيم الذى ابتلع المال وترك موكله لأمواج القانون تسحبه إلى قاع السجن ، فتركت عملى وقصدت بيت الأستاذ العظيم من فورى ، وأنا أستشيط غضبا وأتمنى لو سويت بهذا الاستاذ الارض ، لأنتقم لنفسى ولمن تسببت فى تعاستهم .

 

قال الأستاذ بثقة : لا شك أنك جئت تأخذ عمولتك . هذه هى عمولتك ، وما عليك سوى أن تأتينى بزبائن كثيرة متتالية لتحصل على عمولات كثيرة أيضا ، فلم أشعر الا ويدى تحرر سلاحى الميرى من مكمنه . فقد أهاننى الأستاذ المحامى صاحب المنصب الكبير السابق واستغفلنى واستغلنى ليأكل أموال أناس طيبين دون جهد أو حق ويترك ابنهم يلاقى مصيره المظلم ، بينما ينعم هو بمال الناس متظاهرا بالشرف والرفعة وهو يتشح بتلك العباءة الكاذبة . ولكن الأستاذ صرخ محذرا : أستطيع أن أضعك فى السجن الآن . لا تنس نفسك ! ولتأتنى بزبائن جديدة ، ولك العمولة .

لقد احتقرت نفسى لأننى لم أقتله . ولكن لى بيتا وأولادا ، وليس الذنب ذنبى . وليس العيب عيبى ، ولكن العيب عيب العباءة .  

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

طولان: الزمالك قادر على الفوز بكأس مصر.. والأبيض يبقى بتاريخه وجماهيره

وفد منتخب 20 سنة يشارك فى ورشة عمل قبل إجراء قرعة المونديال

زلزال بقوة 4.4 درجة على مقياس ريختر يضرب باكستان

بعد أسبوعين من الزواج.. سيدة تطالب بالخلع: "هددنى ورفض رد مصوغاتى"

اعرف نفسك واللى حواليك من علم الفلك.. 5 أبراج معروفة بإلاخلاص للأصدقاء خاصة وقت الشدة أبرزها الجدى.. و4 حالتهم المزاجية بتتغير طول فصل الصيف.. الجوزاء والحوت يحللون ويفكرون كثيرًا قبل اتخاذ أى قرار


بعد اطلاق اسم شقيق ووالدة حسن الرداد على أولاده.. لماذا خلد الرداد ذكراهم؟

أحمد سعد يزيل التاتو عن ذراعه.. تعرف على النجوم من مهاويس الوشم

بيراميدز يبحث عن الانتصار الأول على صن داونز في ليلة التتويج القاري

ياسر جلال يحتفل بتخرج ابنته قدرية من الثانوية العامة الألمانية.. صور

القبض على المتهمين بقتل شخص دافع عن سيدة بحلوان


عماد النحاس مستمر فى جهاز ريفيرو بالأهلي ورحيل شوقي ويانكون

موعد مباراة بيراميدز وصن داونز فى إياب نهائى دورى أبطال أفريقيا

4 دول أوروبية تدعو لقبول فلسطين كعضو كامل العضوية بالأمم المتحدة

جون إدوارد يطلب الصلاحيات الكاملة لإدارة الكرة بالزمالك

اتحاد الكرة يحصل على 5 ملايين جنيه بعد تنظيم ورشة تطوير الأندية بإشراف فيفا

كل عام وأنتم بخير.. إجازة عيد الأضحى من الخميس 5 يونيو إلى الاثنين 9 يونيو

جهاز منتخب مصر يرحب بمبادرة إمام عاشور ويقبل اعتذاره

منافس الأهلي.. ماسكيرانو: لا توجد كلمات لوصف ميسي وسواريز مقاتل

مجلس الأمن يعقد إحاطته الشهرية بشأن الوضع فى غزة

ترقب وفرحة.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى