«كاهن» يحذر من الفساد والبلطجة وصعود الصعاليك للمناصب العليا

دندراوى الهوارى
دندراوى الهوارى
بقلم - دندراوى الهوارى
«القيادة والفطنة والصدق معك.. ولكنك لا تنتفع بها.. فالفوضى ضاربة أطنابها فى طول البلاد وعرضها.. ولكنك مع ذلك تتغذى بالأكاذيب التى تتلى عليك.. فالبلاد قش ملتهب والإنسانية منحلة، والخوف يملأ النفوس، وانتشرت أعمال البلطجة والسلب والنهب، وعم الانحلال الأخلاقى، عدم المبالاة بالتقاليد والمعتقدات. وشحبت الوجوه وكثر عدد المجرمين ولم يعد هناك رجال محترمون.. وفقد الناس الثقة فى الأمن، وتفككت الإدارة، وتولى الصعاليك إدارة الأمور، ليتك تذوق بعض هذا البؤس بنفسك».
 
للوهلة الأولى وأنت تقرأ هذا المقطع الأدبى تتصور أنه يصف ما تمر به مصر حاليًا وتحديدًا بعد ثورة 25 يناير. لكن الحقيقة أنه الحكيم «إى بور» يصف حالة أول انقلاب اجتماعى معروف فى التاريخ، على حاكم مصرى وهو الملك بيبى الثانى منذ أكثر من 4215 عاما.
 
ولننظر ما سرده لنا الحكيم «إى بور»، الذى قرر أن يخبر الملك بكل الحقائق، التى تمر بها البلاد بعد أن خدعه رجال بلاطه ومستشاروه، وأسدوا له نصائح جرت على البلاد الوبال، وذلك نقلاً عن كتاب «تحذيرات نبى».. وهو من الكتب النادرة، التى تؤرخ لتلك المرحلة المظلمة من تاريخ مصر.
 
يبدأ الحكيم وصفه «للملك» بما تمر به البلاد من البؤس العام الذى حل.. وتفكك الإدارة والقضاء على التجارة الخارجية.. وغزو الأجانب وتولية الغوغاء المراكز العليا.. يذكر الحكيم أن أهل الصحراء حلوا مكان المصريين وأصبحت البلاد ممتلئة بالعصابات.. وأحجم الفلاحون عن الذهاب لفلاحة أرضهم خشية اللصوص وقطاع الطرق. وأصبح الصعاليك يمتلكون أشياء جميلة..وأصحاب الأصل الرفيع مفعمون بالحزن.
 
واندثر الضحك من على الشفاه.. ونشر الحزن ستائره بطول البلاد وعرضها ممزوجا بالأسى.. وكره الناس الحياة حتى أصبح كل واحد منهم يقول: ياليتنى مت قبل هذا.. والأطفال يقولون: كان يجب عليه ألا يجعلنا على قيد الحياة.. والأطفال حديثو الولادة يلقون على قارعة الطريق..وتحول النهر إلى دماء.. وأصبحت خزائن أموال البلاد خاوية.
 
يستطرد الحكيم روايته للملك «بيبى الثانى» عن مأساة البلاد التى أخفاها مستشاروه ورجال بلاطه عنه قائلا: «سيدات الطبقة الراقية تم بيعهن فى سوق الجوارى.. وتحولت أغانى العازفين إلى أناشيد حزن.. وندبت الماشية والقطعان حالة البلاد.. وأتلفت المحاصيل وأصبح القوم يأكلون الحشائش والقاذورات من أفواه الخنازير من شدة الجوع.. واختفت الغلال وصارت المخازن خاوية.. وسلبت كتابات قاعة المحاكمة الفاخرة.. ونهبت الإدارات العامة.. ومزقت قوائمها.. وصار اللصوص يدوسون بأقدامهم قوانين قاعة المحاكمة دون خوف.
 
هذه المقتطفات من حكاية الحكيم «إى بور»، التى رواها للملك بيبى الثانى، تحاكى ما مرت به مصر عقب ثورة 25 يناير، وتحديدا يوم جمعة الغضب 28 يناير 2011، وما استتبعه من أحداث طوال 3 سنوات كاملة، وحتى اندلاع ثورة 30 يونيه 2013.
 
التاريخ فى كثير من الأحيان ما يتحدث عن وقائع متسلسلة تحمل دلالات مهمة، ويروى فى منطوقه ما حدث فى الماضى، ويتضمن فى مفهومه ما يمكن أن يحدث فى الحاضر والمستقبل، وهو زمن الامتداد المتقدم، وليس زمن دائرى يعيد إنتاج ما تم إنتاجه بالتفصيل، ولكن بكثير من التشابه، والتاريخ له فلسفة قائمة على مبدأ السببية، ويجيب على السؤال الجوهرى «لماذا».
 
والتاريخ يفسر الثورات والاحتجاجات بأنها «ضد الواقع وخروج عن النص»، ويشبهها بالرواية، أخطر ما فيها هو فصلها الأخير، فمن توقف عن الكتابة وترك روايته مهملا بلا نهاية، لم يحقق المقصود، وأضاع فى زحمة الأحداث هدفه الموعود.
 
وفصول الثورة الشعبية، التى اندلعت ضد الملك بيبى الثانى، تتشابه إلى حد التطابق مع أحداث ثورة 25 يناير، مع اختلاف كبير وجوهرى فى النهايات، فقد انتهت ثورة الشعب ضد آخر ملوك الدولة القديمة، نهاية مأساوية، حيث دخلت البلاد فى مستنقع الفوضى والانهيار استمر ما يقرب من 150 عاما، وأطلق المؤرخون على تلك الفترة عصر الاضمحلال الأول، وأيضا «عصر الظلمات الأول».
 
بينما كان الشعب المصرى يقظا، عقب ثورة 25 يناير 2011، وتحرك لمنع تكرار ما حدث عقب ثورة الملك بيبى الثانى، وسارع فى اتجاه إنقاذ البلاد من براثن «الغوغاء والصعاليك»، الذين سيطروا على المشهد، وزيادة المطامع فى مصر من دول لا وزن لها ولا قيمة مثل قطر وتركيا، وسخروا جماعات ظلامية لتنفيذ مخططاتهم.
 
لذلك خرج الشعب عن بكرة أبيه فى 30 يونيه 2013، لينقذ وطنه من الانزلاق الذى سقط فيه عقب انهيار الدولة القديمة استمر سقوطها 150 عاما كاملة، ونجح فعليا فى ذلك بعد مرور 3 سنوات فقط من الانهيار. 
 
وبالفعل بدأت مصر تؤرخ لمرحلة جديدة فى تاريخها، مرحلة مختلفة يمكن أن نطلق عليها مرحلة الانطلاقة وإيجاد مكانة مهمة بين الكبار فى العالم، من خلال مشروعات قومية كبرى، والقضاء على كل التشوهات الاقتصادية، وإعداد تأهيل وتسليح الجيش ليصبح واحدا من أكبر الجيوش فى العالم، والمتفوق على إسرائيل وإيران، إقليميا، وهما العدوان الرئيسيان اللذان يهددان الأمن القومى العربى للخطر.

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

قدم الآن.. وظائف عامل مزرعة دواجن فى الأردن برواتب تصل لـ20 ألف جنيه شهريا

اليوم.. نظر محاكمة المتهمين بـ"خلية داعش العمرانية الثانية”

زى النهارده.. الأهلى يسحق إنبى بخمسة أهداف فى الدوري المصري

نابولي يتوج رسميا بلقب الدورى الإيطالى للمرة الرابعة تاريخيا.. فيديو

وزير الإعلام اليمنى يدعو اليمنيين للتحرك ضد عسكرة الحوثيين للأحياء السكنية


حلمى طولان يكشف سبب التراجع عن تعيين حسام البدرى مدربا للمنتخب فى كأس العرب

ترامب: الطاقة النووية آمنة وسنبنى عددا من المنشآت الجديدة

مؤمن زكريا يشارك في احتفالات لاعبو الاهلى لكرة اليد عقب الفوز بكأس الكؤوس الافريقية .. فيديو

رأى طبى وراء انضمام عبد الله السعيد لقائمة الزمالك فى مواجهة بتروجت

شاهد اعتقال المشتبه به فى هجوم بسكين بمحطة هامبورج للقطارات فى ألمانيا.. صور


قرار ترامب بشأن جامعة "هارفارد" يهدد مستقبل أميرة أوروبية

الأهلي يهزم الزمالك 31-28 ويتوج بلقب الكؤوس الأفريقية لليد.. صور

أوسكار رويز يفاضل بين بسيونى ومحمد معروف لإدارة نهائى كأس مصر

جنون الصهيونية ضد صمود أهل غزة.. عضو بالكونجرس يدعو لقصف القطاع بالنووى

مصرع شخص إثر سقوط شجرة عليه فى الشرقية

مسلسل الثعلب فى ملعب أندرلخت.. زرع أجهزة تنصت لتسجيل لقاءات نواب أوروبيين

فضيحة.. رويترز تكشف عن صورة مغلوطة واجه ترامب بها رئيس جنوب أفريقيا

الفلسطيني محمد بلح: فقدت كل ما أملكه في غزة وزوجتي وابني محتجزين بالقطاع.. فيديو

اتحاد الكرة يرسل للمحكمة الرياضية حيثيات قرار لجنة التظلمات فى أزمة مباراة القمة

استياء أيمن الرمادى من الحديث عن المدرب الأجنبى ويطلب جلسة لحسم أمره

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى