خالد عزب يكتب: "الغذاء فى مصر عصر سلاطين المماليك" دراسة فى التاريخ الاجتماعى

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدرت عن دار عين للدراسات والبحوث دراسة جديدة تبشر بمولد مؤرخ للعصر المملوكى ذى مستوى رفيع، هو الدكتور مصطفى وجيه الذى تناول الغذاء فى مصر فى عصر سلاطين المماليك، أكثر ما لفت انتباهى بها، هو تناوله العلاقة بين الثورات وعدم توافر الخبز للمصريين، هذا ما يستدعى من المخيلة على الفور ما حدث فى هتافات المصريين حين ثاروا "عيش/ حرية/ كرامة إنسانية"، والعيش هنا هو الخبز فى العامية المصرية، حيث اعتبره المصريون عبر العصور سبب بقائهم فى الحياة، لذا كان مرادفا لديهم للعيش فى الحياة.

 

لاحظ مصطفى وجيه من استقراء الروايات المعاصرة أن السلطة كانت تقوم بعزل ابن العجمى المحستب عن الحسبة فور استقرار الوضع الاقتصادى وانتهاء الأزمة، وربما كان ذلك بتحريض من بعض الأمراء والتجار الذين يرون أن وجوده فى وظيفة الحسبة عقبة تحول بينهم وبين ما يشتهون من ممارسة الوسائل غير المشروعة التى تحقق لهم أرباحا مادية كبيرة عن طريق الاحتكارات والحمايات.. وغير ذلك، والدليل على ذلك أن ابن العجمى تولى الحسبة أربع مرات (780هـ/1378م، 782هـ/1380م، 783هـ/1381م) وهذا يدل على صواب رؤية العامة الثاقبة تجاه من يختارونه لحل مشكلاتهم الغذائية من ناحية، كما يدل على إدراك أهل السلطة سلطاناً وأمراءً لتلك الحقيقة إلا أن ما كان يهمهم هو إثلاج صدورهم بالأموال نظير احتكار الأقوات وهذا هو شأن  الأنظمة العسكرية الاستبدادية دائما، وإن كان على حساب الشعب الذى يحكموه ويتقاسموا أرزاقه فيما بينهم، لأن المماليك عاشوا فى عزلة عن المجتمع من ناحية ثانية، وذلك يوضح أسباب تكرار ارتفاع الأسعار فى الأوقات العادية وعدم اتخاذ الدولة موقفاً واضحاً أو طريقة لإدارة الأزمة إذا ما حلت من ناحية ثالثة، ويجب أن نشير إلى أن تلك السياسة لم تكن مقصورة على ابن العجمى المحتسب وحده، بل كانت سياسة اتبعتها الدولة فى شطرها الثانى تجاه كل شخصية تولت الحسبة واتصفت بالنزاهة والعدل، لأن وجود محتسب يتصف بالعدل والنزاهة، كان بالنسبة للأمراء والتجار  كالرياح التى تأتى بما لا تشتهى السفن، وليس أكثر دلالة على ذلك من كثرة ثورات العامة بسبب المحتسب والمطالبة بعزله والأمثلة على ذلك عديدة فى مصادر العصر.

غلاف كتاب الغذاء  فى مصر
غلاف كتاب الغذاء فى مصر

 

ومن جهة ثانية، لم تكن الشكوى كإحدى وسائل العامة للفت انتباه السلطة لتفادى وقوع مجاعة نوعية أو شاملة أو الهروب منها إذا حدثت، هى السبيل الوحيد الذى اتبعته جماهير المجتمع المصرى فى هذا الشأن، فقد كانت هناك وسيلة أخرى أكثر شيوعا لدى الرعية فى مثل هذه الأمور ألا وهى "خلق الاضطرابات" وهذه الوسيلة كانت تأخذ أكثر من شكل هى الأخرى وأولها: خطف السلع الغذائية ونهبها أو مهاجمة أراضى الحاصلات الغذائية  وسفن نقل الغلال وغير ذلك من الوسائل التى اتبعت تفاديا للموت جوعا أو هلاك الأبدان بالتدريج حتى تصل لمرحلة الموت من ضعف الأبدان، بسبب عدم القدرة على شراء الأقوات فى ظل تصاعد الأسعار ارتفاعا.

 

كان شائعا لدى الحركات الجماهيرية إثر اختفاء الحبوب من الأسواق وارتفاع أسعارها وقلة معروضها بالسوق الغذائى، حث السلطة على اتخاذ إجراء إيجابى وحيث كانت الأداة المملوكة تتلكأ، فى بعض الأحيان، فى إبداء أى نوع من الاستجابة السريعة لمطالبهم،كان العامة، على الفور، يقومون بنهب مخازن وحوانيت الخبز والحبوب بالبلاد، ففى أثناء الأزمة الغذائية التى عانت منها الرعية سنة 736هـ فى عصر الناصر محمد كان كثير من المماليك يدخرون الغلال ويبيعونها بالسعر العالى سرا، وهم  يرغبون بذلك تحقيق مزيد من الأرباح، إلا أن العامة كان لهم تصرف آخر حيال هؤلاء المدَّخرين ".. فكان منهم من يهجم عليه السوقة والحرافيش وينهبه.."، وكثر خطف الفقراء للخبز من الأسواق وغلقت المدينتين مصر والقاهرة من شدة خطف الناس للحبوب وسائر سلع الغذاء وأمام ذلك الهرج والمرج عزل الناصر محمد المحتسب وقرر آخر بدلا منه وأعانه وأعطاه صلاحيات على كبار الأمراء أنفسهم، فانفرجت الأزمة ووجد الخبز.

 

ونتيجة غياب أى وجود ذى مغزى لسياسة إدارية عامة فى ظل الغيبة شبه التامة لإدارات متخصصة تنهض بأعباء الشئون العامة والتى تركزت مهمة القيام بها للأعمال الخيرية، فى الوقت الذى لم يكن لأى تنظيم شعبى فى حال تمكنه من القيام بها، تعددت حالات الغلاء وتكررت معها اضطرابات فئات المجتمع المصرى.

 

فمثلا كثر خطف الفقراء للخبز من الأسواق والحوانيت خلال أزمة أو مجاعة  سنة 776هـ مما تسبب فى شلل الحياة الاقتصادية، ففرق السلطان الفقراء على الأمراء ثم أتبع ذلك بخطوة أخرى هى فتح عدد من شون القمح السلطانية وفرق الغلال على الفقراء والمساكين بالويبة خوفا من تمادى العامة وفى سنة 783هـ ارتفعت الأسعار فعاود العامة الكرة من نهبهم الخبز والغلال وخلق اضطرابات عدة، مما دفع السلطان إلى فتح شونه الخاصة والبيع منها وعزل المحتسب وولى بدلا منه وفى سنة 798هـ بسبب ارتفاع أسعار المأكولات توعدت العامة المحتسب فاختفى خوفا منهم وازداد الناس فى طلب الخبز وخطفه من الأفران ومن على رؤوس الحمالين "... ووقف الناس إلى السلطان وضجوا من عدم ما يأكلونه..." وكالعادة قام السلطان بالإجراءات المعتادة لمثل تلك الحوادث والتى تتمثل فى فتح الشون السلطانية وعزل المحتسب.

 

وحينما حدث غلاء فى أسعار الغذاء سنة 818هـ اشتد زحام الرعية فى أخذ الخبز واجتمع عشرات الآلاف من الناس بساحل بولاق لطلب القمح، فاستشعر الناس بنهب البلد كله وخشوا من تعطيل الأسواق وترك البيع والشراء لكثرة الاشتغال بطلب الخبز والقمح، فإن العامة صارت تخرج لطبله من نصف الليل وتزدحم بالأفران وتمضى طوائف من الرجال والنساء فى طلب القمح إلى الساحل ويبيتون هناك فغلت أصناف المأكل كلها وازدادت الأمور سوءا بسبب النهب"... بحيث عجز كل أحد عن شراء القمح ما لم يعط أحدا من أعوان الوالى مالا ويبيت معه على الساحل.. فإذا اشترى أردبا فما دونه يحتاج إلى عون أخر يحرسه ويحميه من النهاية.."، ونظرا لتفاقم الأزمة بسبب نهب الهامة خرج والى مصر إلى النواحى وجلب القمح وفرقه على الطواحين وألزم كل جماعة من العسكر بالجلوس أمام الطواحين لمنع النهب، وفعل حاجب الحجاب مثل ذلك وسارعت الإدارة بمزيد من الإجراءات التى أسهمت فى إنهاء الأزمة بسبب السبل التى اتبعتها الطبقات الشعبية.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

هل المستأجرون الممتد إليهم العقد ملزمون بالقيمة الإيجارية الجديدة؟

مواعيد مباريات اليوم الخميس 18-12-2025 والقنوات الناقلة

محمد إمام لأولاد عمته الراحلة: انتوا رجالة وقد المسئولية وكلنا فى ضهر بعض

الحسابات الفلكية تكشف موعد بداية شوال وأول أيام عيد الفطر 2026

نقابة المهن التمثيلية تتخذ الإجراءات القانونية ضد ملكة جمال مصر إيرينا يسرى


أخبار × 24 ساعة.. الحكومة تناقش تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

تحذير هام من الشبورة المائية.. حالة الطقس اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025

بعثة منتخب مصر تصل المغرب استعدادا للمشاركة فى بطولة أمم أفريقيا

ركلات الترجيح تحسم قمة باريس سان جيرمان ضد فلامنجو فى نهائى كأس القارات

القضية السابعة.. فيفا يقرر إيقاف قيد نادى الزمالك لـ 3 فترات جديدة


التصريح بدفن جثمان الفنانة نيفين مندور بعد الانتهاء من الصفة التشريحية

قرار عاجل من النيابة فى واقعة وفاة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا

غياب الزعيم عادل إمام عن عزاء شقيقته

هل يتم تجديد مسلسل It: Welcome To Derry لموسم ثانٍ؟

ابنة نيكول سابا تظهر لأول مرة فى كليب تلج تلج احتفالاً بالكريسماس

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

مجدى فكرى يقلب السوشيال ميديا بصور لرجل مختل عقليا.. والفنان يكشف الحقيقة

قرار حكومى بالعفو عن باقى مدة العقوبة لبعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد الشرطة

تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى