ماذا قالت الراهبةُ للشيخ

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت
بقلم: فاطمة ناعوت
قلوبُ المصريين موجوعة تنزفُ لم تزل، دمًا ودموعًا على شهداء من مصر فى كل صوب. فى كل بيتٍ مصرى ثمة شريطٌ أسود يكلّلُ صورةً على جدار. هذا بيتٌ فقد طفلة فى العاشرة من عمرها كانت تُصلّى فى كنيستها وهى بعد لا تعرف معنى الغدر ولا الكراهية. وذاك بيتٌ خرجت منه فتاتان حلوتان فى العشرين من عمريهما القصير، سارتا نحو بيت الله، قبل عيدهما بأسبوع، لكنهما لم تعودا أبدًا. وفى الجوار بيت فقد الأمَّ والابنة معًا، ليتركا خلفهما زوجًا حزينًا وصبيًّا فى الجامعة لن يعرف أبدًا لماذا تيتّم وبأى ذنب قُتلت شقيقته. هذا وقت عصيبٌ يمرّ على مصر. شارات الحداد تسكن البيوت وتسكن القلوب. هذا وقتٌ اجتمع فيه الفرقاءُ على هدفٍ أوحد: مكافحة الإرهاب الذى يضرب خنجرُه فى خصر مصر الطيبة. 
 
فى هذا الوقت الاستثنائى العسر الذى يسعى فيه كلُّ مصرى مسلم أن «يطبطب» على قلب جاره المسيحى، ويواسيه ويداوى جراحه، خرج أحد المشايخ ليُسكبَ الزيت فوق وهج نار القلوب، فتستعر! ليست طائفية بقدر ما هى «مراهقة» وانعدام نضوج. ليس ناضجًا من يكره أخاه لأنه مختلفٌ عقديًا. مراهقٌ صغير الروح من يستقوى بكثرة العدد، لأن الميكروب أكثر من البشرية عددًا. لكن مَن فعل هذا ليس «شويخًا» صغيرًا من متأسلمى الزوايا المرتزقة. بل هو، بكل أسف، ذو منصب فى وزارة الأوقاف، وله برامج وله مشاهدون!!
 
قال إن السيدة «مريم» البتول التى اصطفاها اللهُ وكرّمها وفضّلها على نساء العالمين سوف تفقدُ عذريتَها فى الجنة!!! يالسخف القول، ويالسخف القائل! لماذا يشغلُ الجنسُ رؤوسَ أولئك الذكور، ولا شىء آخر؟ لماذا تُشعلُ الشهواتُ أدمغتهم فيعمون حتى عن روية الرموز الربوبية الطهور؟! حتى رمزُ البتولية الأعظم والأقدس والأعلى والأكرم فى التاريخ، العذراءُ مريم عليها وعلى ابنها السلام، لا يُطيقُ ذاك الرجلُ أن يتركها أيقونةً فريدةً طاهرةً بعذريتها! كلا، فلابد أن تفقد طهارتها، وأين! فى الجنة! فى حضرة الله تعالى، حاشاه! ياللمراهقة! لابد أن تُطأ العذراءُ، كما يطئون نساءهم وإماءهم وجواريهم وملكاتِ أيمانهم! أعوذ بالله من الفحول ذوى الشهوات!
 
ولم يكتفِ. قال إن المسيحيين كفّارٌ فى النار، وإن المسيحية عقيدة فاسدة  وكأن الإسلامَ لم يعترف بالديانتين السماويتين السابقتين عليه! وكأن الشيخ ينكر ما أقرّه الله تعالى! ولن أرد عليه أنا. بل سأنقل لكم ما كتبته راهبةٌ جميلةٌ اسمها «رِفقَة» على صفحتها ردًّا على الشيخ. فهى أولى منى بالذود عن معتقدها.
 
«أيوه أنا أهو... الراهبة «رِفقة».. أنا الكافرة اللى عقيدتى فاسدة. يا شيخ سالم عبد الجليل، بندهلك.. سامعنى؟ عقيدتى الفاسدة علمتنى أحبّ اللى يهينى أو يقتلنى. عقيدتى الفاسدة بتقوينى عشان أسامحه. عقيدتى الفاسدة علمتنى إنك أخويا ودمّك غالى عليا ومقبلش إهانتك مهما أنت أهنتنى. عقيدتى الفاسدة علمتنى أن إلهى هو اللى بيحمينى مش أنا اللى باحميه. عقيدتى الفاسدة علمتنى إننا مختلفين فى الدين لكن مش مختلفين فى الإنسانية والكرامة والحقوق. عقيدتى الفاسدة أمرتنى أقدّم الحب والخير للى بيعادينى وبيكرهنى قبل اللى بيحبنى. عشان عقيدتى الفاسدة مفيهاش كراهية ولا بغضاء. عقيدتى الفاسدة علمتنى إن كل البشر أولاد الله..
بيحبهم كلهم.. عشان كده بيشرق شمسه عليك وعليا.  أيوه يا شيخ سالم أنا كافرة. كافرة بالشر والكُره اللى فى العالم. كافرة بكل دعوة تفرق متجمعش. كافرة بروح الانتقام والأذية. أخويا يا غالى على قلب ربنا.. مهما قلت أو حرضت عليا مش هعاملك غير بمحبة المسيح  اللى مالية قلبى. يا شيخ سالم عبد الجليل، كنت أتمنى تعرف أن الله طاقة حب وسلام. ربنا يملأ قلبك بالحب وقبول الآخر، زى ما سيدى وسيدك بيحب ويقبل كل خليقته. «توقيع: الراهبة رِفقة».
انتهى ردُّ الراهبة. والآن أختم برسالتى التى كتبتها للرئيس عبد الفتاح السيسى نهار الأربعاء 10 مايو.
 
سيادة الرئيس، أحب أن أُعلمك أن جهد مائة عام، بل مئات الأعوام، من التنوير ونزع فتيل الطائفية وإشاعة قيم المحبة والسلام فى بلادنا حتى نكفّ عن المراهقات الطائفية ونلتفت للعمل والبناء، ينسفه مثل هذا الرجل وأشبابهه فى نصف دقيقة. 
 
جهودنا التنويرية التى خاضها أجدادُنا وآباؤنا وصولًا لنا، وما تحاوله أنت فى مطالبتك بتجديد الخطاب الدينى، نسفَه فى نصف دقيقة هذا الرجل على شاشات فضائيات مصر الرسمية والخاصة. 
 
لن أكرر هنا ما قاله هذا «الشيخ» عن أشقائنا أصلاء مصر الأقباط المسيحيين من ركاكات ومراهقات فكرية، ليس فقط لأن أقواله أتفه وأسفّ من أن تُخلَد، ولا فقط لأننى أعفّ عن الجمع بين اسمى وبين غثاءات ركيكة لا يليق أن أسمح لنفسى بتردادها، إنما أيضًا لكيلا أجرح بكلماته الركيكة شرفاءَ طيبين لم يجرحونا لا بقول ولا بسيف ولا بحزام ناسف أو قنبلة. إنما يتحملون سخافاتنا ومراهقاتنا وقنابلنا عقودًا إثر عقود فيلاقون غلاظتنا وسخافاتنا وبلطجتنا وإرهابنا وويلنا بالغفران والمحبة والتسامح الذى بات يُخجلنا من أنفسنا. وبدلًا من أن نكفّ ونرعوى ونحترم أنفسنا، نواصل السخف والانهيار الفكرى والتدنى الأخلاقى والسفه اللفظى الذى يتلوه «دائمًا» سفهٌ إرهابى يدمر مصر وشعبها. 
 
سيادة الرئيس، الويل يسكن المؤسسات الرسمية فى مصر. حقيقةٌ دامغة. وما يقوله هذا الرجل وأشباهه على الفضائيات من تحريض صارخ وواضح وجلى على الإرهاب، يجعل جهود قواتنا المسلحة الباسلة فى مكافحة الإرهابيين لن تفيد. 
 
لم نسمع هذا الرجل يقول كلمة عن الفساد أو التحرش أو عدم الأمانة فى العمل أو الكسل أو إهانة المرأة أو القمامة أو الكسل أو القسوة على الأطفال أو البلطجة. وبدلًا من أن يوجه جهوده فى مواجهة الإرهاب، عدو مصر، كما نفعل جميعًا قيادةً وشعبًا، نراه يُشعله ويزكيه ويؤججه! من العار يا سيادة الرئيس وجود مثل أولئك فى مؤسسات دولة تكافح الإرهاب.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

بعثة منتخب مصر تصل المغرب استعدادا للمشاركة فى بطولة أمم أفريقيا

من 10 سنوات سجن إلى سنة مع الإيقاف.. مفاجأة فى قضية تزوير توكيل عصام صاصا

لماذا تعجل فيفا فى إيقاف قيد الزمالك؟ السر فى صفقة شيكو بانزا

ركلات الترجيح تحسم قمة باريس سان جيرمان ضد فلامنجو فى نهائى كأس القارات

التصريح بدفن جثمان الفنانة نيفين مندور بعد الانتهاء من الصفة التشريحية


قرار عاجل من النيابة فى واقعة وفاة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

مواعيد مباريات منتخب مصر فى بطولة أمم أفريقيا

ما هى الأنفلونزا؟ وكيف تنتشر؟ وزارة الصحة تجيب

فيفا يمنح منتخبات كأس العالم 2026 جوائز مالية تاريخية

اتحاد الكرة: 9 مكاسب فى إسقاط منتخب مصر لنيجيريا قبل أمم أفريقيا


غياب الزعيم عادل إمام عن عزاء شقيقته

رئيس الوزراء: سنناقش إنهاء إجراءات تحويل الدعم العينى إلى نقدى الأسبوع المقبل

رئيس الوزراء: نركز من الآن على خفض معدلات الفقر وإحداث نقلة فى حياة المواطن

مجدى فكرى يقلب السوشيال ميديا بصور لرجل مختل عقليا.. والفنان يكشف الحقيقة

فرصة أخيرة للفنان محمد رمضان بعد تأييد حبسه عامين بسبب أغنية رقم 1 يا انصاص

إصدار عملة تذكارية ذهبية وفضية بمناسبة 150 عاما على إنشاء هيئة قضايا الدولة

تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص

طليقة مصطفى أبو سريع تحتفظ بصورهما بعد انفصالهما رسميًا

BBC: محمد صلاح يحظى بدعم جماهيرى ورسمى غير مسبوق بعد أزمة ليفربول

شرط محمد صلاح للبقاء مع ليفربول بعد أزمة سلوت

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى