رشيدة الركيك تكتب : عطر الحياة

حب
حب
عطر الحياة أم عشق الوجود، نغمة الحب لكل شيء جميل كان أم قبيح، يبدو الجمال فى الوجود وتتحرك أحاسيسنا الجياشة اتجاهه، هو إذن سر الإقبال على الحياة ومعانقتها معانقة العشاق التى لا تخلو من ألم الفراق ومخاوفه .
 
الإقبال على الحياة تسيطر عليه الرغبة فيها وتقبلها بالرغم من غدرها، ومع توالى الصفعات نردد "هكذا الحياة".
 
نستنشق عطر الحياة فى مشاكلها وفى تقلباتها وفى غدرها ومرضها وصحتها، هى حياة مقبلة على الموت لا محالة، نتمسك بها أكثر مع كل جرس إنذار بمغادرتها، نتلهف لها من جديد لتحمل سرا آخر من أسرار وجودنا .
 
الحياة لا معنى لها دون عطرها المُبهج و الملذ والمغري، نتحسس أثره دون كلل أو ملل. إنها فلسفة الوجود التى يعيشها كل واحد منا والتى لا غنى لنا عنها . 
تعصف بنا الظروف وتتقلب أمواج الحياة العاتية ويصطدم كل منا عندما يجد نفسه مرميا على شط البحر فاقدا لكل وعى، لكن بعد شيء من الذهول، بمجرد ما يستيقظ يعود من جديد إلى ماء البحر المالح ليلامس جلده بنعومة ويدخل فى ثنايا جسده الموشوم بالتعب والقهر.
 
مع أن الحياة صعبة والصعاب كثيرة ومتنوعة، فإن عطر الحياة له لذة خاصة تجلب كل كائن إليه ولاسيما الكائن العاقل المدرك لمعانيه. إنه العقل من يجعلنا نضحك من أنفسنا و من تصرفاتنا اتجاه القدر والظروف، إنه العقل من يستهزئ منا لحظة اليأس حتى أن بدينا حمقى مع أننا أعقل العقلاء.
 
عطر الحياة يدعونا لها ويصرخ فى وجهنا وإن تجاهلناه رغما عنا. وقد نتبع أثره ونبحث عنه فى الكثير من محطات حياتنا، رغم الخبرة والنضج، سيظل ذلك العقل فينا يوقظ تلك الأحاسيس لنتعامل معها بكثير من الحذر.
 
الرغبة فى الحياة ورفض الهم والغم، ورفض الوجود المكتئب الصامت الممل، إنها رغبة فى ضجيج الحياة الصاخب المتعب أحيانا لكنه مطلوب أحيانا كثيرة.
عطر الحياة يوقظ فينا الرغبة المحركة لكل إرادة فى الفعل دفينة فى أعماقنا ويحركها ويدفعها فى اتجاه الواقع، فتزركش حياتنا ألوانا حتى لا يغطى الظلام ويلغى السواد وجود الألوان الجميلة فى حياتنا.
 
يكفى أن الموت يهدد وجودنا لننسى حياة أكيد ستصبح فى خبر كان، هى زائلة متغيرة ستتحول الأحداث نفسها لا محالة إلى لغة سرد عقيمة، لن تستطيع تغيير الأحداث، ويكفى أن موت أحباءنا يذكرنا بالأجل الموعود لنقف ونتأمل حياة فى طى الزوال.
 
يبدو أن الحياة مسرحية، كل منا يلعب دوره لتنتهى فى الأخير إلى حياة أخرى واقعية سرمدية، يكفى يكفى و يكفي... لنعكف عن عطر الحياة ولكن كلما باغتتنا الإبتسامة علمنا أن الحياة تستحق أن تعاش بكل أحاسيسها المتناقضة، وأن كل واحد يبت فينا نغمة من نغمات أنشودة الحياة. إنه الإحساس المرهف بالوجود والعشق له بكل دبدبات الجسد التى تجعل الملامح براقة وصاخبة ومعبرة عن الرغبة فى الوجود بكل تقلباته.
 
عشق الوجود ما يميز هذا الوجود الإنسانى المتميز المستنبط للمعانى والقارئ لأحداث الوجود بصورته الخاصة، فيها من الحب ما يكفى وإرادة الحياة وصناعة الواقع و الإنصات لصوت الحياة وتذوق جمالها والكلام عنه فى قصيدة شعرية ربيعية والنظر إلى عجائبها بشيء من الفضول الغريب والمثمر لكل وجود إيجابى مُنسّم للحياة وعاشق للوجود وأضوائه التى تشع فى السماء كل صباح مع صياح الديكة بعد ليل طويل جميل .
 
فى الليل ظلام به خوف ويأس ورهبة من كل ما قد يقع ليعلن عن نهاية غير متوقعة لكل إنسان.
 
مع ضوء الصباح تعود الحياة من جديد والمواجهة لكل الصعاب مع الكثير من التحدى والقدرة على التحمل آملين لحظات من عطر الحياة ومن التمتع الجميل بدون إخفاقات وإصرار وصبر وثقة وعزيمة.
 
الأمل فى الوجود هو ما يضمن استمرار الحياة ويقطع أنفاس اليأس ويجعلنا ننتظر يوما جديدا لا يشبه باقى الأيام، ونحن نعيش من أجل هذا اليوم الربيعى مع أننا قد نتألم فى خفاء. إنه اليوم الذى ستنطلق فيه كل الكائنات معلنة غريزة حب الحياة والرغبة فيها.
 
لكن لولا حرارة الصيف وتساقط أوراق الخريف وموتها ما كنا ننتظر سماع زقزقة العصافير والألوان الربيعية الزاهية لنلامس الجمال ونستشعره مستسلمين له. فكيف تكون الأيام لولا هذه اللحظات التى تبعث فينا روعة الحياة وتجعلنا نرقص من الفرح ومن نشوة انتصارنا على تلك الفترات العصيبة؟
وكأننا كنا نقول لها ستفرج "إنّ بعد العسر يسرا" كعنوان من أجل الإستمرار.
 
يكفى وجود الحروب وتشتت أسر وأطفال جياع ومرضى لنتكلم عن يأس وجودى أو عن فلسفة تأليه الظلم... لكن لابد للحياة من عطر نبرر به وجودنا ورغبتنا فيها، فكيف نسعد غيرنا ما دمنا لا نستطيع استطعام الجمال الوجودي؟
 
وإن استعصى علينا قراءة الفنجان ومعرفة ما ينتظرنا ولعل فى ذلك خير لنا، فلماذا نتوقع الأسوأ على نحو أيسر من غيره؟
نريد أن تجتاحنا نفحات الأمل لنعيش عالم من الممكنات على الأقل كما نحبه ونترك خيالنا يخلق العالم الجميل بدون قيود.
 
لا نريد أن نسمع عن قتل أو انفجار أو عنف... ولكن دعونا نعيش فى سلام مع أنفسنا نرى ما نريد أن نراه على أن تأخذ العدالة مجراها بالتأكيد دون أن نلوث أكسجين الحياة ونقتل كل عطر مبهج فنجعل كل شيء ينزف ونستيقظ كل يوم على مخاوف تقلق مضاجعنا وتجعلنا نتوقع ما يسرق منا لحظات العمر، وكأننا نسير على قنطرة من دماء تنزف وعلينا أن نرى جمال اللون الأحمر.
 
مع ذلك علينا أن نحب طعم الحياة وندعو إلى الاستنشاق من عطرها كيفما هى الظروف كعنوان للاستمرار ودعوى له، وإلا سندعو لإجهاض كل حياة لم تعلن صرخة الوجود. سوف نبتسم وإن انكمشت ملامح الجمال فى وجوهنا سوف نعيش وإن كان يهددنا الموت سوف نغنّى مع زقزقة العصافير رفضا لكل ألم. 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اتحاد كرة السلة: نجهز منتخب السيدات لبطولة الأفروباسكت

قهوة الزباد.. رحلة أغلى فنجان فى العالم من بطن حيوان إلى مائدة الأثرياء

رئيس الوزراء يرأس غدا اجتماع الحكومة الأسبوعي ويعقبه مؤتمر صحفى

رابطة الأندية تحدد 20 يوليو موعدا مبدئيا لسحب قرعة الدورى الجديد

المواعيد المتبقية لإجراءات مجلس الشيوخ وفقًا للجدول الزمنى للانتخابات


تداول فيديو لحريق مصنع إسفنج دمياط ..استمرار محاولات السيطرة على النيران

بطل من ضهر بطل.. ابن الشهيد امتياز كامل يكتب فصلا جديدا من الفداء بحريق رمسيس

بطولات صامتة فى مواجهة نيران حريق سنترال رمسيس.. كيف أنقذ رجال الحماية المدنية أرواح العاملين بعد 13 ساعة من العمل المضنى؟.. الإطفائيون يكتبون فصلًا من الشجاعة بعد السيطرة على الحريق ومنع وقوع كارثة أكبر

الخميس.. غلق باب تلقى أوراق الترشح لانتخابات مجلس الشيوخ

تأجيل توقيع عقد جيسوس مع النصر السعودي


السجن 3 سنوات لعاطل بتهمة سرقة متعلقات مواطن بالإكراه

اتحاد الكرة: لا صحة لتحفظ النيابة العامة على عقود اللاعبين بسبب زيزو

اضطراب الملاحة على شواطئ البحر الأحمر وخليجى السويس والعقبة والأمواج 4 أمتار

كل ما تريد معرفته عن مباراة فلومينينسى وتشيلسى فى نصف نهائى المونديال

الزمالك يستعين بكهربا ومعتز إينو والشناوى فى شكوى زيزو لاتحاد الكرة

أجمل أهداف كأس العالم للأندية بكاميرا الحكم قبل نصف النهائى.. فيديو

وزير الاتصالات: عودة الخدمات بشكل تدريجى خلال 24 ساعة

"طلقنى" يجمع كريم محمود عبد العزيز ودينا الشربينى للمرة الثانية فى السينما

التعليم تكشف طريقة تغيير المسار الدراسى بالبكالوريا.. التفاصيل

الأكثر تحقيقا للأرباح في كأس العالم للأندية قبل نصف النهائي.. إنفو جراف

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى