وهم الجنة الموعودة!

 د. عباس شومان
د. عباس شومان
بقلم - د. عباس شومان
لست أدرى من أين يأتى شخص فى عنفوان شبابه بهذا الثبات الذى تظهره خطواته الواثقة نحو بوابات التفتيش ورجال الأمن قبل أن يضغط زر التفجير، ليتحول هو ومن حوله إلى أشلاء، مخلِّفًا ما لا يمكن تضميده أو نسيانه من الآلام والأحزان! ولست أميل إلى التفسير القائل بأن هؤلاء المخدوعين يكونون تحت تأثير مخدر خُدروا به ليذهب خوفهم وترددهم، لأنهم لو كانوا كذلك لتمايلت أجسامهم وتعثرت خطواتهم، وربما ضلوا طريقهم ولم يتذكروا هدفهم، ونظرة فاحصة للجرائم التى نفذها هؤلاء المجرمون تلغى هذه الفرضية، فالمجرم الذى فجَّر كنيسة طنطا تمكن من التسلل والجلوس فى الصفوف الأولى قبل أن يفجِّر نفسه، وزميله الذى فجَّر كنيسة الإسكندرية بعده بسويعات رأينا يقظته بأعيننا من خلال ما رصدته كاميرات المراقبة، حيث ظهر مستجيبًا لتعليمات الأمن بعد أن حاول تفادى بوابة الكشف عن المتفجرات، ثم دخوله عبر البوابة ورجوعه بعد صدور صوتها التحذيرى قبل أن يحول المكان إلى كتلة من اللهب!
 
ومثلهما من تسلل إلى مقاعد المصلين فى الكنيسة البطرسية بالقاهرة قبل أشهر، ومن سبقهم إلى كنيسة القديسين فى الإسكندرية قبل عدة سنوات، وغير هؤلاء كثير ممن تسلل للمساجد وأكمنة الجيش والشرطة وساحات الميادين والمدارس والمسارح وغيرها فى بقاع شتى من العالم، ولا شك أن هذه التصرفات تصرفات مخطط لها بعناية، وأن منفذيها يقظون، مدركين لما يفعلون تمام اليقظة والإدراك وليسوا مخدرين بعقاقير أو ما شابه.
 
وغالب الظن أن هذا الثبات والإقدام على ارتكاب هذه الجرائم النكراء ناشئ عن وَهْمِ استعجال الجنة الموعودة وما فيها من حور عين ونعيم مقيم أُعد لمن يحسبون أنفسهم بهذه الأفعال الخسيسة شهداء، تصديقًا لما غرسه أدعياء مجرمون كاذبون فى نفوس هؤلاء الشباب المخدوعين المغرر بهم وما حشوه فى أدمغتهم الفارغة إلا من عوامل الإحباط وانسداد الأفق، فضلًا عن تفشى الثالوث المدمر: الفقر والجهل والمرض!
 
فيا أيها الشباب المخدوعون المغرر بكم، إن ما تبتغونه ليس شهادة فى سبيل الله كما يزعم المنظِّرون لكم، والدرب الذى يسروه لكم يؤدى بكم لا محالة إلى جهنم وبئس المصير وليس إلى جنات النعيم وأحضان الحور العين! إنكم بما ترتكبونه من جرائم قد خسرتم دنياكم وأخراكم معًا، فأنتم تقتلون أنفسكم مخالفين أمر ربنا: «وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، بل إنكم بما جنته أيديكم تختارون وسيلة عذابكم فى نار جهنم خالدين مخلدين فيها أبدًا لقول رسولنا الكريم، صلى الله عليه وسلم: «من قتل نفسه بحديدة فحديدته فى يده يتوجَّأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالدًا فيها أبدًا...»، وهذا نص صريح يبين أن الانتحارى الذى يفجِّر نفسه مخلد فى نار جهنم.
 
وهذه اللحظة التى يفقد حياته فيها كما بدا لنا ليست بالضرورة لحظة عذابه الدنيوى حتى لا يستهين بعض الناس بها، فهى من بدايات الآخرة بالنسبة له، وحسابات الآخرة تختلف عن حساباتنا، يقول الله تعالى: «وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ»، أى إن لحظة التفجير التى مرت أمام أعيننا كالبرق الخاطف التى أوهم المجرمون فاعلها بأنه لن يشعر بألم فيها، لأنه فى زعمهم شهيد، والشهيد يفقد الإحساس بالألم عند أول قطرة من دمه، هذه اللحظة لا يعلم إلا الله تعالى مقدار ألمها ومدته بالنسبة للانتحارى، فقد تمر عليه هذه اللحظة سنين عددًا، وهذا هين بالنسبة لعذابه الدائم فى الآخرة بمجرد انتهاء عذابه الدنيوى بالتفجير مباشرة، فمن مات فقد قامت قيامته، والقبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار، ولا تنتظر يا من تريد القفز إلى النعيم الدائم الموهوم أن قبرك سيكون روضة من رياض الجنة، فأنت أيها الانتحارى قاتل للبشر جميعًا من غير نظر إلى عدد من قتلت بتفجيرك قلَّ أو كثر، يقول الله تعالى: «مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»، فإذا كان قتل النفس كافيًا لأن يُعذَّب قاتلها عذابًا لا قِبل له به، فكيف به حين يضاف إلى عذابه بأداة انتحاره عذاب قتل الناس أجمعين بالكيفية التى قتلهم بها تفتيتًا للبدن أو ذبحًا أو حرقًا أو خنقًا أو غير ذلك، مع تكرار العذاب وديمومته، فكلما مات عاد كما كان ليذوق العذاب عن قتله نفسه والناس أجمعين، يقول الله تعالى: «كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ»؟!
 
وإذا كان ما سبق يتعلق بمن فجَّر نفسه ليقتل غيره فى أى زمان ومكان، فما بالنا بمن فعل هذا فى شهر من الأشهر الحرم التى حرم الله فيها قتال مَن يحل قتالهم من الأعداء ما لم يبدؤونا بقتال، وفى مكان للعبادة يتعبَّد فيه أناس لخالقهم عز وجل؟! وأى وسيلة هذه التى استخدمها هؤلاء المجرمون فاستطاعوا بها تغيير كل تلك الحقائق وخداع من فجَّر نفسه وإقناعه بارتكاب هذه الجرائم التى جمع فيها بين قتل النفس انتحارًا وقتل أناس أبرياء وانتهاك حرمة شهر حرام وقدسية مكان للعبادة؟! كيف حولوا تلك الكبائر إلى طاعات تنتهى بفاعلها إلى جنات النعيم ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟!
 
فيا من تسيرون على درب الهالكين، فكروا مليًّا فيما أنتم قادمون عليه تحقيقًا لمزاعم وأباطيل مَن لا يغنون عنكم من الله شيئًا، هؤلاء الذين باعوا أنفسهم للشيطان وكذبوا على الرحمن وأوهموكم بما لو اعتقدوه هم يقينًا ما آثروكم بالمتفجرات والأحزمة الناسفة وركنوا هم إلى الدنيا الفانية، بل إنهم لو علموا أن ما يخدعونكم به حقٌّ لسارعوا إلى تفجير أنفسهم وانطلقوا إلى ما ساقوكم إليه سوق السيد لعبده والراعى لغنمه، أم ترونهم زهدوا فى النعيم الذى بشروكم به واختاروا الدنيا الفانية على الآخرة الباقية؟!
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

عرض مسلسل "أزمة ثقة" على قناة ON بدءا من الأحد المقبل

الداخلية تكشف تفاصيل تعدى شخص على زوجة شقيقه فى الزقازيق بالشرقية

أخبار مصر.. الطقس غدا حار نهارا ونشاط رياح والعظمى بالقاهرة 35 درجة

"اليوم السابع" يحذر من تداول منشور مزيف لنشر أخبار وشائعات كاذبة وغير حقيقية

خيارات صعبة أمام ترامب بعد انتصار بوتين فى قمة ألاسكا.. CNN: لقاؤه بالرئيس الروسى أضر بصورة "صانع السلام" بقوة شخصيته.. دونالد قد يعود إلى الضغط على أوكرانيا وربما يلتزم برؤية موسكو لاتفاق السلام النهائى


جايين فى سباق نشد سوا.. اعترافات المتهم الثالث بواقعة مطاردة فتيات طريق الواحات

معرفش حد من المتهمين.. اعترافات المتهم الثانى بواقعة مطاردة فتيات طريق الواحات

الرئيس السيسى يؤكد أهمية إطلاق مبادرات وإنشاء مراكز متخصصة لإعداد كوادر مؤهلة

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يحاضر في مقرّ "التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب"

موعد مباراة مان يونايتد ضد آرسنال فى الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة


المواطن يصور والداخلية تتحرك.. الفيديوهات أداة لضبط الأمن.. الهاتف تحول لسلاح ردع: "اللي هيغلط هيتصور".. خبراء أمنيون: الفيديوهات فرضت انضباطا جديدا في الشارع وإشادة بصفحة وزارة الداخلية على مواقع التواصل

حاصرونا بـ3 عربيات وطلبوا منا نركن علشان نقعد معاهم..نص التحقيق بواقعة فتيات طريق الواحات

موعد المولد النبوى الشريف 2025.. ذكرى ميلاد خير البشرية

حكاية "حنان" من عضو بالجماعة الإرهابية إلى داعية إسلامية.. عاشت بين الولاء لتنظيم الإخوان ونداء الضمير حتى خرجت من الجماعة ليس رفضا للدين بل بحثا عن الدين الصحيح.. كاشفة عن أسرار من قلب اعتصام رابعة

محمد صلاح: علاقتي بـ فان دايك استثنائية.. ولحظة التتويج بالدوري لا تُنسى

اليوم السابع يعيد نشر أخر لقاء صحفى مع مدير التصوير الراحل تيمور تيمور وحديثه عن تحضيرات جودر.. والفرق بين الأعمال الـ 15 و30 حلقة.. وكيفية اختيار فريق التصوير والتعاون بين النجم ياسر جلال والمخرج إسلام خيرى

طلاب الثانوية العامة يبدأون امتحان مادة اللغة الثانية دور ثان

ريبيرو يضع شرطاً لعودة عمر كمال عبد الواحد لتشكيل الأهلي

مانشستر يونايتد يتحدى أرسنال فى أول قمة نارية بالدوري الإنجليزي 2025

تعملها وأنت فى البيت.. تعرف على أبرز 7 خدمات مرورية إلكترونية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى