الفقه والفهم

محمد مختار جمعة
محمد مختار جمعة
محمد مختار جمعة
يقال: فقه الرجل بفتح القاف إذا فهم، وفقِه بكسر القاف إذا سبق غيره فى الفهم، وفقُه بالضم إذا صار الفقه له لازمة وملكة وسجية.
 
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَيُعْطِى اللَّهُ، وَلَنْ يَزَالَ أَمْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ مُسْتَقِيمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ» (صحيح البخارى) أى ويعطى الله (عز وجل) العلم والفقه والفهم، وقد قالوا: من عمل بما علم ورثه الله (عز وجل) علم مالم يكن يعلم، حيث يقول الحق سبحانه فى شأن الخضر (عليه السلام) :» وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا « (الكهف :65)، ويقول سبحانه: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ» (الأنبياء : 80)، حيث عبر الحق سبحانه وتعالى بلفظ «ففهمناها» ولم يقل علمناها، لأن العلم شىء والفهم شىء آخر.
 
ويقول سبحانه: «كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِى دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِى عِلْمٍ عَلِيمٌ « (يوسف : 76)  ، وقال تعالى على لسان يوسف (عليه السلام): «لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِى رَبِّى إِنِّى تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ»، (يوسف :37)، وقال رجل للقاضى شريح: علمنى القضاء، فقال له شريح: القضاء فقه، القضاء لا يُعَّلم. 
 
ولا يظن من حفظ بعض المسائل من بعض الكتب أنه قد صار حجة أو فقيهًا أو مرجعًا يرجع إليه وينزل على قوله أو رأيه، فالأمر أبعد وأعمق، إذ لو كان الأمر واقفًا عند حدود معرفة بعض الأحكام الجزئية بمعزل عن أصولها وسياقها وزمانها ومكانها وقواعدها الكلية والأصولية لكان الخطب هينًا والأمر جد يسير، غير أن الأمر أبعد من ذلك وأدق، فعندما دخل الإمام على بن أبى طالب (رضى الله عنه) المسجد ووجد رجلًا يتصدر مجلس العلم سأله عن الناسخ والمنسوخ فلم يدر جوابًا، فقال عليّ (رضى الله عنه): هذا ليس بعالم، هذا رجل يقول: أنا فلان بن فلان فاعرفونى.
 
فثمة إلى جانب معرفة القواعد الأصولية، وقواعد الفقه الكلية، وعلم الحديث رواية ودراية، وعلوم القرآن وما يتفرع عنها ويدور حولها من دراسات قرآنية وأسرار بيانية وبلاغية، هناك فقه الواقع، وفقه الأولويات، وفقه المقاصد، وفقه النوازل، وفقه المتاح، وفقه الموازنات، مما لا غنى عنه للمفتى فضلا عن المجتهد، غير أننا ابتلينا فى زماننا هذا برويبضات لا هم فى العير ولا فى النفير يريدون أن يتصدروا مجالس العلم عنوة، وأن يعتلوا المنابر اقتتالاً، وأن يكونوا فى الصدارة زورًا وبهتانًا، يبحث بعضهم عن كل شاذ أو غريب، لا يعنيه أول ما يعنيه إلا أن يجارى السفهاء، أو يجادل العلماء، أو يمارى الأمراء، أو يصرف إليه قلوب العامة والدهماء، أو يسوق نفسه لدى الباحثين عن طالبى الشهرة وحب الظهور لإحداث لون من الإثارة أو الجدل، لعله يحظى لديهم بمغنم أى مغنم، ولو كان على حساب دينه أو وطنه أو كرامته أو مروءته لا يلوى على شىء، على عكس ما نراه فى أخلاقيات العلماء الفاهمين لدينهم المعتزين بعلمهم وفقههم، على نحو ما يصوره العالم الأديب الأريب القاضى على بن عبدالعزيز الجرجانى الأديب حيث يقول:      
إذا قِيلَ: هذا مَشْربٌ قُلْتُ : قَدْ أَرَى
ولَكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّـــــــــمـَا
ولَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّـــــمَا
بَدَا طَمَــــــــعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُـلَّــــــمَا
أَأَشْقَى بِهِ غَرْسـًا وأَجْنِيهِ ذِلَّـــــــةً
إِذَنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحزمَـــــا
ولَوْ أنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُــــــــم
ولَوْ عَظَّمُوهُ فِيْ النُّفُوسِ لعُظِّمــــــــَا
مع التأكيد أن ليس للإنسان إلا ما كتب، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِى قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ « (سنن ابن ماجة)، ويقول الحق سبحانه: « فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا « (الكهف : 110).
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

سر لقاء أحمد السقا وزيزو بالإمارات بالتزامن مع فيلم أحمد وأحمد فى دبى

شاهد تريللر فيلم تشارلى تشابلن The Gold Rush بعد ترميمه

تفاصيل شكوى "زيزو" ضد الزمالك بسبب 82 مليون جنيه.. (مستند)

رئيس الوزراء: حريصون على وضع تصور واضح لمستأجرى "القانون القديم"

بالأسماء.. القائمة الوطنية تتقدم بأوراقها لانتخابات الشيوخ عن قطاع شرق الدلتا


مواجهة الملوك.. صحف العالم تتحدث عن قمة بي إس جي ضد الريال بمونديال الأندية

صوت من وسط الدخان داخل حريق سنترال رمسيس.. وائل مرزوق لم يخرج من مكتبه لكن بقيت قصته.. تفاصيل آخر مكالمة لموظف الموارد البشرية مع زميلته تكشف لحظات الوجع: "مش عارف أخرج.. إحنا كده خلاص".. صور

مجلس الوزراء يقف دقيقة حدادا على شهداء "الدائرى الإقليمى" و"سنترال رمسيس"

رئيس الوزراء يشدد على التأكد من السلامة الإنشائية لمبنى سنترال رمسيس

مصدر بالاتحاد المنستيرى: الزمالك فاوضنا لضم محمود غربال.. وهذا موقفنا


"تسجيلات مسربة" ترامب يهدد بقصف روسيا والصين و قمع الجامعات.. التفاصيل

محمد صلاح يشترى فيلا فاخرة فى تركيا.. السعر مفاجأة

النيابة العامة تعاين اليوم موقع حادث حريق سنترال رمسيس لكشف أسبابه

التموين تتيح خدمة تحديث رقم التسجيل الضريبي على السجل التجاري إلكترونيا

نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025.. مراجعة الدرجات وتجميعها

سفير الصين بالقاهرة: زيارة لى تشيانج لمصر تجسيد للتوافق الاستراتيجى

الجدول الزمنى لإجراء لانتخابات الشيوخ مع بداية خامس أيام تلقى أوراق الترشح

تجهيز نتيجة الدبلومات الفنية 2025 وإتاحتها إلكترونيا للطلاب

بي اس جي ضد الريال.. مشوار عملاقي أوروبا إلى نصف نهائي كأس العالم للأندية

قبل ما تشغل التكييف.. 9 نصائح تحميك من كارثة حريق مفاجئة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى