حينما تشوهنا الثقافة

 سامح جويدة
سامح جويدة
بقلم - سامح جويدة
من منا يستطيع أن يختار ثقافة أولاده الآن؟ من منا يستطيع أن يفصل نفسه وأسرته عن الشارع والإعلام والفنون والناس؟ من منا يستطيع أن ينتقى من الثقافة ما يريد وأن يتجنب ما لا يريد؟
 
الحقيقة المرة أنك لا تختار ثقافتك بل تجبر عليها.. فلو وضعت جاهلا فى مجتمع مثقف ملىء بالقيم والفنون والعلوم والأخلاق والجمال، لتبدل فى فترة قصيرة وفهم وتعلم والتقط مما حوله حتى يصير مثلهم ويتلاءم معهم، والعكس صحيح فحينما تطغى على مجتمع ثقافة الغوغاء وفنونهم وأخلاقهم وينصهر الناس فى زحام الفقر والجهل والقبح لا تنتظر أن يخرج من بينهم مثقفين حقيقين أو مبدعين أو حتى مسؤولين متميزين، لذلك فالثقافة حظوظ قد ترفعك إلى قمة الترف أو تلقى بك فى قاع القرف، فقد يرغمك المجتمع على أن تسمع فنون القبح والجهل والعفن فتضج المقاهى والمحال والشوارع بأغانى المهرجانات بألحانها المستفزة وضجيجها المزعج وكلماتها المبتذلة ومعانيها المعوجة وأصواتها المقيتة، وتضطر أن تسمع هذا الهراء وأن تعتاد عليه ثقافة أبنائك.
 
أنا شخصيا كان لى تجربة فى مقاومة هذا الغناء المسموم، فكنت أعترض على تشغيل هذه الأغانى فى أى مكان أحضر فيه مع أولادى مطعم أو مصيف أو نادٍ وصلت المقاومة إلى حد الشجار مع أصحاب تلك الأماكن، ولكنها انهارت حينما اكتشفت أن ابنى الصغير يحفظ هذه المهرجانات ويغنيها باستمتاع!
 
وقفت مذهولا بين أن أعنفه فيتمسك بها أكثر أو أن أترك ذوقه الفنى لبوادر هذا الانحدار، واكتشفت أننى عاجز تماما عن تشكيل معظم ثقافة أطفالى، اكتشفت أن كل النصائح الملهمة التى نرددها بالساعات ليتعلم أبناؤنا الذوق والجمال والأخلاق تصبح هشة أمام دراما مسلسل ناجح يبهر الأطفال بسفاح أو بمجرم أو حشاش ويجعلهم معجبين بشجاعته فى الجريمة أو دمويته فى الانتقام أو تلذذه بالحياة والنساء، اكتشفت أن أصوات الشتائم والسباب والعراك والمعاكسات فى الشوارع أعلى بكثير من أصواتنا فى المنازل، وأن ثقافة الزحام والعنف تسيطر على ثقافتنا قبل أن تنهب فى عقول أطفالنا، اكتشفت أننا اعتدنا فجأة على شكل الزبالة فلم نعد نتأفف أو نتوقف عن التنفس حينما نمر بتلال القمامة أو جبال القاذورات، لم نعد نستغرب من «بجاحة التكاتك» أو غباء المكروباصات أو قذارة العربجية أو أشكال البلطجية، لم نعد نتعجب من كوارث المرور أو غش الدواء أو فساد الغذاء والمئات الذين يموتون كل يوم فى جرائم سوداء، لا نهتز الآن كثيرا أمام حوادث الاغتصاب أو انتشار التحرش أو أخبار الشذوذ وزنا المحارم أو تجارة الأعضاء البشرية.
 
كل هذه الكوارث أصبحت تشكل ثقافة هذا الوطن تحرك سلوكنا وترسخ فى أذهان أبنائنا وترسم ملامح لمستقبل بلادنا، لا أعرف متى بدأت ظواهر هذا الانزلاق المميت، هل بدأت مع الطعنات التى وجهتها ثورة 23 يوليو للمفكرين والمبدعين والحرية أم مع الانفتاح بكل مبادئه المغلوطة ونتائجه الكارثية أم هو عصر الفساد و«الرقصمالية» الذى نحاول أن نتخلص منه الآن، إلا أن المؤكد أننا وعلى مر أجيال كثيرة تهاونا فى مواجهة هذا المسخ حتى توحش وشوه كل جميل فى حياتنا، وجعلنا نعيش فى سجن من الخوف والقلق، وبكل أسف لا أملك أى حلول لمواجهة هذا الخطر ولا عندى أدنى أمل فى الانتصار عليه الآن، ولكن إذا كان ولابد أن نحترق فلا بديل عن الصراخ.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ارتفاع درجات الحرارة ينشر الفوضى فى أوروبا.. عواصف وفيضانات فى إيطاليا وتأجيل 13 رحلة جوية بعد موجة حر شديدة.. والأسماك النافقة تتسبب فى انسداد نهر فى التشيك.. واندلاع الحرائق فى عدد من الدول

الجبهة الوطنية: القائمة الوطنية تضم كوادر وكفاءات تثرى مجلس الشيوخ القادم

هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

رئيس مركز بشتيل يعتذر عن عدم الترشح لفترة رئاسة جديدة

أخبار الرياضة المصرية اليوم الثلاثاء 8 - 7 - 2025


كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

السجن 10 سنوات لـ7 متهمين بدفن شاب حيا داخل ماسورة مياه فى المحلة

الاهلى يستقر على تمديد وتعديل عقد أليو ديانج في معسكر تونس

"فتش فى دفاترك القديمة" شعار صفقات الأهلى فى الميركاتو الصيفى

حياة كريمة تغير حياة المواطنين فى سوهاج.. تشغيل مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي.. 3 محطات مياه و7 صرف صحي بتكلفة 400 مليون جنيه.. تجهيز المحطات بأنظمة متطورة.. ومواطنون : نشكر الرئيس على المبادرة.. صور


قائمة الأجانب تهدد مفاوضات الأهلى لتدعيم الدفاع والهجوم

خزينة الأهلى تنتعش بـ9 ملايين جنيه.. اعرف السبب

قاتل والدته بالشرقية بعد إحالة أوراقه للمفتى: أنا راضى بالحكم.. فيديو

فات الميعاد الحلقة 19.. هل يكتشف أحمد صفوت كذبة أسماء أبو اليزيد؟

المشدد 15 عاما لشقيقين لإتجارهما فى المخدرات بجنوب سيناء

الاتحاد السكندرى ينفي التقدم بطلب الحصول على قرض مالي في بيان رسمي

إيلون ماسك يخسر 15.3 مليار دولار من ثروته بعد إعلان تأسيس حزب أمريكا

الزمالك يستعد للموسم الجديد بـ8 تدعيمات قوية.. وحسم موقف الراحلين قريبا

رئيس الوزراء يرأس غدا اجتماع الحكومة الأسبوعي ويعقبه مؤتمر صحفى

شاهد محمد سيحا حارس الأهلي "يستجم" على الشاطئ رفقة أسرته

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى