خالد صلاح يكتب: البناء اللغوى للقرآن الكريم.. كيف نشأت الشريعة الإسلامية.. وكيف يجب أن نحيا بها اليوم؟.. نحن فى حاجة إلى دراسات جديدة فى علوم اللغة تربط بين تطور العربية وأثر هذا التطور على فهم القرآن والسنة

الكاتب الصحفى خالد صلاح
الكاتب الصحفى خالد صلاح
 
المصحف الشريف
 
لا يمكن تجاهل السياق الزمنى والحدود الجغرافية للهجات العربية فى زمن الوحى ونزول القرآن الكريم، القرآن نزل ليخاطب العالم أجمع، لكن اللغة كانت أقرب لما كانت عليه قريش، الزمن له أثره على اللغة، وجغرافيا الجزيرة العربية شهدت لهجات وقراءات مختلفة كان لها أثرها كذلك على النطق وعلى الفهم للآيات والأحكام، فلغة اليمن جنوبا، لم تكن كلغة الطائف، ولم يكن كلاهما كاللغة العربية فى شمال الجزيرة وفى الشام والكوفة، ثم إن كل المفردات فى هذا الزمن تبدلت حتما خلال القرون الثلاثة التالية لبعثة النبى محمد، صلوات الله وسلامه عليه، وهذ القرون شهدت نشأة العلوم الدينية كالفقه وأصول الدين وعلوم القرآن وغيرها، والمعنى هنا أن دلالات مفردات اللغة العربية لم تكن لها نفس المعانى فى العصور التى شهدت عمليات الاجتهاد والاستنباط وعلوم الفقه ونشأة ما نعرفه الآن تحت عنوان كبير اسمه «الشريعة الإسلامية». 
 
السلف الصالح كانوا يبحثون عن دلالات ومعانى الكلمات القرآنية فى زمن الوحى، وبعض الكلمات القرآنية احتار فيها المفسرون، وحاولوا دائما البحث عن تفسيرات لها، سواء فى أحاديث النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، أو عبر ما تواتر عن تفسيرات الصحابة الكرام، اللغة تطورت ما بين زمن نزول القرآن، وزمن التفسيرات القرآنية، وكتابة النصوص التى تحولت إلى «شريعة» إسلامية متكاملة، وربما لاختلاف اللغة واختلاف جغرافيا انتشار الإسلام ظهر أكثر من فقه وأكثر من تشريع إسلامى، وخذ مثلا صغيرا فى قواعد الوضوء، والوضوء أحد أهم شروط صحة الصلاة، ستجد أن شكل الوضوء فى المدينة المنورة يختلف تماما عن شكله فى الكوفة، وعن طريقته فى اليمن، فالآية التى تحدد الرسغين والكعبين فى وصف الوضوء اختلفت تفسيراتها بشكل واسع وفق جغرافيا الإسلامية، ووفق أزمان تطور الفقه الإسلامى، فقد ظل أهل المدينة يواظبون على شكل للوضوء مختلف كثيرا عن شكل الوضوء فى الشام والعراق، لأن دلالات الرسغ والكعب اختلفت، حسب فهم اللغة، وحسب عادات أهل المدن آنذاك، وتتحدث بعض كتب التاريخ والفقه الإسلامى عن دهشة بعض علماء الكوفة من شكل الوضوء فى المدينة المنورة، ودهشة أهل المدينة مما كان عليه شكل الوضوء فى الشام. 
 
حتى فى شكل وضع اليد على الصدر فى الصلاة، ورغم أن النبى محمد، صلوات الله عليه، قال بوضوح: «صلوا كما رأيتمونى أصلى»، إلا أن هذا الشكل تعرض للكثير من الاختلافات فى وضع اليد على يسار الصدر، أم فى وسط الصدر، أم على البطن، أم ترك اليدين منفرجتين، كما فى الفهم المالكى لشكل الصلاة. 
 
أقدم لك هنا نموذجين من الفرائض، والوضوء، وشكل الصلاة، أثرت عليهما لغة كل مدينة، والبعد الجغرافى بين المدن، وإذا كان هذا الفهم للغة القرآن والحديث وآثار الصحابة قد انسحب على فرائض دينية فقد كان من المنطقى والطبيعى أن ينسحب كذلك على عمليات التشريع والأحكام التى تبدلت من بلد إلى آخر، وهو ما يعنى يقينا أننا حين نتحدث عن «الشريعة الإسلامية»، فإننا لا نكون أمام تصور واحد لعمليات التشريع، وشكل واحد للفهم والتطبيق لهذا التشريع. 
 
نحن أمام شرائع إسلامية متعددة خضعت لكل عوامل التعرية الزمنية من ناحية اللغة، وكل عناصر الاختلاف الجغرافى فى الحدود مترامية الأطراف للأمة الإسلامية، بل ودخول لغات أخرى على الإسلام الفرس شرقا والروم غربا، ثم اختلاط الإسلام مع الفلسلفات الغربية، ثم مع الاجتهادات الدينية الخاصة «والسياسية الطارئة أحيانا»، لكل خليفة من خلفاء المسلمين أو قيادة من قيادات الأمصار. 
 
المنطق واللغة والزمن والجغرافيا تؤكد أنه لا يوجد سياق واحد اسمه شريعة إسلامية واحدة، بل توجد حالات متعددة من الفهم والاجتهاد والفقه والتشريع، وإن آمنا بذلك فإن المعركة مع تجارة الشريعة الإسلامية اليوم تصبح سهلة إن كان الانحياز هو لهذا الفهم التاريخى، ولعلوم اللغة وتطوراتها، ودراسة الأحكام المختلفة، حسب المكان والزمان، ومن ثم أتصور أننا فى حاجة إلى دراسات جديدة فى علوم اللغة تربط بين تطور العربية، وأثر هذا التطور على فهم القرآن والسنة، ثم أثر كل ذلك على التشريع الإسلامى. 
 
ثم نحن فى حاجة مرة أخرى إلى دراسة الاجتهادات «الدينية والسياسية»،  لكثير من الزعماء السياسيين فى التاريخ الإسلامى بدءا من الخلفاء الراشدين، رضوان الله عليه، وحتى نهاية الدولة العثمانية، وقد تشكل دراسة على هذا النحو، متكاملة وبسيطة، أساسا فى كل ما نجاهد من أجله نحو خطاب دينى جديد، وقد تمثل أيضا أساسا يمنع تجار الدين من التأثير على عوام الناس بخدعة اسمها «تطبيق الشريعة الإسلامية»، فكل عدل هو الشريعة، وكل نظام يحقق مصالح الناس هو الشريعة الإسلامية، قد يسهل علينا قول ذلك، لكن يشق على البسطاء من الناس فهم هذه الغايات، ومن ثم يجب تأصيلها من الناحية الدينية واللغوية والسياسية والتاريخية. 
 
والله أعلى وأعلم. 
 مصر من وراء القصد.
 
الأزهر
 

 

الصلاة فى الكعبة
 

 

خالد صلاح
 
 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

الأكثر قراءة

خروج جثمان والد محمد الشناوى من مستشفى زايد متوجها لكفر الشيخ

3 مباريات فى الجولة الثالثة لمسابقة الدوري المصري اليوم

وزارة التعليم العالى: تسهيل إجراءات قبول الوافدين بالجامعات المصرية

استمر في السعي مهما كان حلمك.. محمد صلاح يوجه رسائل مُلهمة للشباب

محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوى العام


صانع التاريخ.. الصحف العالمية تحتفى بثلاثية محمد صلاح الذهبية

إسرائيل تعلن تصفية قائد سرية النخبة فى حركة حماس

من وادى النطرون إلى كاليفورنيا.. الأديرة القبطية تنسج خريطة الإيمان عبر الزمان والمكان.. أثرية تروى تاريخ الرهبنة وتحتضن قرونا من الصلوات بقلب الصحراء المصرية.. والمهجر جسور تربط الأقباط بجذورهم رغم المسافات

السكة الحديد تطلق خدمة Premium Lounge لركاب القاهرة الإسكندرية

نتيجة تقليل الاغتراب.. اليوم إتاحة النتيجة عبر موقع التنسيق الإلكترونى


القادسية يصطدم بطموح الأهلي فى نصف نهائي السوبر السعودي

الزمالك ضد مودرن سبورت.. موعد المباراة والقناة الناقلة

مواعيد قطارات خط القاهرة أسوان والإسكندرية والعكس اليوم الأربعاء 20-8-2025

محمد صلاح يزين قائمة تاريخية جديدة في الدوري الإنجليزي

مواعيد قطارات خط القاهرة الإسكندرية والعكس اليوم الأربعاء 20-8-2025

بالزغاريد والدموع.. والدة شيماء جمال تعلن موعد العزاء.. وتؤكد: ربنا رجعلها حقها

دفاع قاتل الإعلامية شيماء جمال يكشف تفاصيل تنفيذ حكم الإعدام للمتهمين

تنفيذ حكم الإعدام فى قتلة الإعلامية شيماء جمال.. والأسرة تعلن موعد العزاء

مباشر الميركاتو.. تعرف على آخر تطورات سوق الانتقالات الصيفية

المصرى يتعادل مع بيراميدز فى مباراة مثيرة بالدورى.. فيديو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى