فلنجتث جذور الفساد

عندما تغيب القيم، وتهتز الأخلاق، وتسقط المبادئ، عندما تسيطر الأنانية، وتنتشر الذاتية، وتتوارى الجماعية، عندما يتحول الدين إلى أمور شكلانية تروج لتجارة رابحة باسم الدين، هنا لابد أن يظهر ويتصاعد ويستشرى الفساد بكل صوره وأساليبه، وفى كل مكان وزمان. 
 
والفساد هنا ليس فسادًا أخلاقيًا فحسب، لكنه الفساد المطلق الذى لا يترك مجالًا من مجالات الحياة إلا وسيطر عليه، فى الأخلاق والاجتماع والسياسة والاقتصاد والإدارة. ومؤشر الفساد هنا يزداد ويتصاعد، ففى ستينيات القرن الماضى تحدث رئيس الجمهورية عن عسكرى المرور الذى يتعاطى رشوة خمسة قروش، وكان الرئيس يعتبر أن هذا سلوك يهدد سلامة الدولة، وكانت أكبر جريمة وأكبر عار يلتصق بالأسرة وبالعائلة إلى الأبد عندما يكون أحد أفرادها مرتشيًا.. كانت الفتيات والنساء لا يلبسن حجابًا ولا نقابًا، بل يلبسن «مينى جيب»، ولا نجد هناك نسبًا للتحرش تذكر ذلك الحين، بل لم يكن التحرش هذا قد تم تداوله، كان التدين تدينًا حقيقيًا، نابعًا من إيمان حقيقى واقر فى القلب ويصدقه العمل.. إيمان موجّه إلى الله وحده، بلا مزايدة ولا مظاهر ولا متاجرة، ولذا كان الصدق حاضرًا، فكانت الأقوال تتسق مع الأفعال.. وهنا قد ضربنا المثل بالستينيات، حيث كانت هناك نتائج عملية معيشة لعدالة اجتماعية طالت الجميع وتقارب، وإزالة للفوارق بين الطبقات أشعرت المواطن بقيمته وبكينونته كمصرى يشعر أنه قد أصبح شريكًا فى ملكية وطنه، ولذا كان من الطبيعى أن تكون هناك حالة انتماء حقيقى، لا مظهرى ولا شكلى ولا شعاراتى لمصر.. وطن كل المصريين، ولكن رويدًا رويدًا كانت قد تغيرت السياسات، وتناقدت التوجهات، وتبدلت المبادئ، وغابت المشروعات القومية، فعادت طبقات جديدة بأساليب جديدة وعصرية، كان هدفها ومحتواها تزاوج الثروة بالسلطة، فوجدنا أصحاب الملايين المتوارين وراء السلطة نفاقًا وتملقًا يسيطرون على كل شىء وأى شىءو بلا مشروعية ولا شرعية، مسقطين القانون، مستهينين بالأخلاق، ومتظاهرين بالدين، فتحولت ملايينهم إلى مليارات بين لحظة وضحاها، فأصبحت لهم الأراضى والمشروعات والاستثمارات، وهم قلة قليلة لا تناسب على الإطلاق بينهم وبين جموع الشعب، الذى زاد عدده وتضاعف نسله، فزيادة نسل وغياب المشروعات القومية، وإلغاء التوظيف، وعدم تناسب فرص العمل مع الواقفين على بابه.. هنا تحول الانتماء إلى شكل وشعارات وأغان لا علاقة لها بواجبات الانتماء لمصرنا.. وكان من الطبيعى أن يسعى الفرد لأى طريق يسد به رمقه، فسقطت الأخلاق واختفت القيم، ولغياب الرؤية السياسية والاقتصادية الصالحة لمواجهة الواقع، ولتسيير دفة الحكم، تراكمت المشاكل، وتجذرت القضايا، وأصبحت المشكلة الاقتصادية همًا وذلًا طوال الوقت، ففقد الداخل أى قيمة حقيقية فى مواجهة أعباء الحياة، والتهم التضخم كل سبل المعيشة، هنا توفرت ماديًا إضافة للخواء الروحى، ولتناقض الفكر الدينى، وظهور تجار ومستغلى الدين.. كل أسباب ومسببات بل مبررات الفساد «لو كان الفقر رجلًا لقتلته».
 
كما أن ذلك الواقع الفاسد الذى كان يتوارى خلف شعارات كاذبة قد ظهر جهارًا نهارًا بلا حياء بعد الفوضى فى يناير 2011، وأصبح الفساد طبيعيًا، بل أصبح حقًا مشروعًا، علنيًا لا مخفيًا، فهلوة وشطارة وحق للانحراف وفضيحة، وبالطبع توازى مع كل ذلك الاستهانة بالقانون، نتيجة الرشوة الرسمية والمعلنة، وأصبح من يملك هو صاحب القرار، وهو فوق القانون، الشىء الذى أوجد خللًا فى العلاقات الاجتماعية بين الطبقات، مما أثر على العلاقة مع الدولة، حتى أننا وجدنا الفساد هو فساد دولة لغياب القانون وتطبيقه على الفقير وغير القادر.. جاءت 30 يونيو لتعيد الأمن والأمان وهيبة الدولة، وهناك محاولات للسير فى كل الطرق التى تحدثنا عنها سابقًا، خاصة إعلان السيسى محاربة الفساد بلا هوادة وبلا استثناء، وجدنا هيئة الرقابة الإدارية تقوم بالمهمة بشكل يعيد الثقة فى الدولة وفى القانون، الشىء الذى يعيد الانتماء إلى مكانه الصحيح.
 
وجدنا الوزير فاسدًا ونائبة المحافظ ورؤساء مؤسسات ورجال أعمال ومحافظين.. إلخ، هذا يعنى أن الأمور لا يجب التهوين فيها، بل يجب أن نضع الأمور فى نصابها الصحيح، فالفساد بهذه الصورة لا يقل خطورة عن الإرهاب، فكلاهما خطرهما حقد على الدولة وليس النظام فقط، فالإرهاب يمثل خطورة على الأمن والأرواح، والفساد ينخر فى جسد كل مكونات الدولة، إضافة لإسقاط كل الجوانب الروحية من أخلاق وقيم ومبادئ، فكيف تستقيم الحياة وتستمر الدولة فى هذا الفساد المفسد والفاسد؟!، فلا موقف السيسى، ولا دور الرقابة الإدارية وحدهما يمكن أن يواجه الفساد، ولكن مثل الإرهاب لابد من إعمال القانون بلا هوادة فى المراقبة الواعية من جميع الأجهزة الرقابية، وليس الرقابة وحدها، لابد من تصحيح الفكر الدينى، والقضاء على المتاجرة بالدين حتى يعود للدين جلاله وللإيمان مكانه.. دور الإعلام فى كشف الفساد بلا انحياز ولصالح الوطن، وبالطبع دور التعليم فى العودة لإرساء القيم والأخلاق لا التعليم فقط، والأهم هو دور المواطن الذى يجب ألا يتستر على أى فاسد، ولا يجب منح الفاسد الفرصة بحجة تخليص المصلحة، فالتخليص حق إذا كان قانونيًا، وإذا لم يكن يصبح صاحب المصلحة فاسدًا ويحاسب.. لا تخضع لابتزاز الفاسد، ولا يغريك الفساد، ولا تجعل الحاجة تذلك وتهدر كرامتك.. الوطن ملك الجميع، والفساد خطر حقيقى على الوطن وعلى الجميع.. مزيد من الرقابة، وحق فى الاختيار، وتطبيق للقانون، وحفظ كرامة المواطن.
حفظ الله مصر

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزارة الرياضة: وصول الرياضيين من ليببا خلال ساعات إلى مطار القاهرة

علاقة رمضان صبحى بالطالب المقبوض عليه في امتحان المعاهد التعليمية

موعد مباراة منتخب الشباب والمغرب في نصف نهائي أمم أفريقيا تحت 20 سنة

حسام البدرى يشكر الرئيس السيسي بعد تدخله لعودته من ليبيا

تشييع جثمان الضحية منة أيمن إحدى ضحايا حادث انفجار خط غاز أكتوبر.. صور


حريق هائل فى مخزن خردة بالدقهلية وأنباء عن وقوع إصابات

جدل هدية قطر لترامب مستمر.. الطائرة قيمتها 100 ضعف هدايا رئاسة أمريكا منذ 2001

الريال ضد ريال مايوركا.. لوائح الاتحاد الإسباني تضع الملكي في ورطة

الحكومة توافق على طلب الأوقاف لتنظيم مسابقات لاكتشاف المواهب فى تلاوة القرآن

هيئة الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لـ العاصفة شيماء


وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا فى مصر بداية من يونيو 2025

اليونان تصدر تحذيرا من احتمال حدوث تسونامى عقب الزلزال

دفاع الفنان محمد غنيم: إنهاء إجراءات إعادة المحاكمة وحبس موكلى لحين تحديد جلسة

مجلس الوزراء: رسوم عبور السفن المارة بـ "قناة السويس" تُحصل بالعملات الأجنبية

حسام البدرى لـ"اليوم السابع": نتوجه إلى مصراته وفي طريقنا للعودة إلى مصر

الإدارية العليا تلغى حكم أول درجة بشأن تابلت طلاب الثانوية: عهده ويجب إعادته

مصر تدعو المواطنين المتواجدين فى ليبيا بتوخى أقصى درجات الحيطة

أزمة مباراة القمة.. لجنة التظلمات تحسم غدا قرارها بشأن لقاء الأهلى والزمالك

قائمة المنتخبات المتأهلة لكأس العالم للشباب في تشيلي..مصر الأبرز فى أفريقيا

موعد مباراة الزمالك القادمة أمام بتروجت فى الدورى والقناة الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى