"جهاد" من أجل النسيان

محمد عبد الرحمن
محمد عبد الرحمن
محمد عبد الرحمن

السادسة صباحًا رن هاتفى فى إلحاح مرير، فأجبت بين النوم واليقظة: من بعيد جاء الصوت مترددًا.. أنت نايم؟! مستطردًا: فى خبر مش حلو.. جهاد ماتت.

 

كان هذا ما سمعته.. بالأحرى ما حاولت تجاهل سماعه، كنوع من النكران.. لم أنطق بعدها بكلمه واحدة، حاولت عبثًا البكاء، أمام تلك الصفعة من صفعات الفراق، وأنا أضيف اسما جديدا فى لوحة الغائبين التى تتسع..!

 

رحلت جهاد.. صديقتى تغادر ناحية المجهول، هى فقط من تدركه الآن، رحلت صاحبة الضحكة الصافية، ضحكة تجمع فيها بين الرقة والحياء، كأنها ترسم لنفسها ابتسامة خاصة تميزها بين الجميع، تركتنا وحدنا ساقطين فى الحزن (طفلتها، زوجها، والديها، أخواتها، ونحن أصدقائها)، نجاهد فى أجل النسيان، ليس نسيانها هى، فذلك لن يحدث حتى لو حاولنا، بل من أجل نسيان الفراق، والغياب.

فى ذلك اليوم اللعين، كنت لا أزال غير مصدق ما حدث، لم أتصور أن هناك فراقا تم، وأن علىَّ أن أودعها، ظللت طوال اليوم منشغلا فى دوامات الحياة، وفى المساء، حين جاء وقت العزاء، كان الأمر مربكا، تغلبت على الألم بالحديث والثرثرة، وحين خرجت إلى الشارع سرت وحدى، عيناى ممتلئة بالدمع الحائر بين السقوط والتحجر، أما قلبى فمضطرب، وعقلى ساكن لدرجة البلادة، عاجز عن فهم ذلك الشىء الغريب المسمى "الموت".

أنا الآن أكثر تألما من أى وقت مضى، كنت مقصرا، فقد كان آخر اتصال بيننا قبل شهرين من رحيلها، كنت أستعد لإجراء عملية جراحية بسيطة "المرارة"، تحدثت معها وكأننى أردت أن أبحث عن الطمأنينة فى كلام إنسان "جرب" الألم، وهى المسكونة بالألم طمأنتنى، ربما ضحكت فى "سرها" لخوفى من هذه الجراحة "التافهة" هى التى لم يمر يوم إلا وكان للألم معها شأن جديد.. فى النهاية دعت لى كثيرا، ولم أكن أعلم أن ذلك سيكون الحديث الأخير، وللأسف لم أكلف نفسى بعدها حتى عناء زيارتها فى مرضها وفى رحلتها الأخيرة، تركت الدنيا وتركتنا، ومن حينها ألعن نفسى لأننى لم أودعها، ومن يومها وأنا ألوم نفسى وأسألها فى حسرة، هل هى غاضبة منى الآن؟ أتمنى ألا تكون ذلك.

جهاد صديقتى الجميلة، وبعد مرور عام على رحيلها أتذكر الآن كيف كنت أسميها "سندريلا اليوم السابع" لبراءتها فى التعامل وبساطتها فى التعبير، ولتنوع ذوقها فى الفن، والأكل أيضا، كانت ملاكا لم تكن تضايق أحدا أو تؤذى شخصا، أتذكرها كانت تشاركنى وغيرى همومنا، وطالما حاولت التخفيف عنى وعن الآخرين، وواجهت وحدها متاعب الحياة، وجاهدت ضد المرض اللعين، وظروف الحياة القاسية ببراءة الأطفال، وحب الحياة، وسلام النفس والروح، وغادرت وهى عزيزة النفس، كريمة السيرة، خفيفة الذكر على القلب، كبيرة الذكرى.

رحلت جهاد لكنها تركت "حنين" طفلتها التى لم تبلغ العامين يوم الغياب، جاءت "حنين" بعد "شوقة" كما عبرت هى، وكان المرض قد عرف الطريق إلى جهاد، ثم وجدها الموت طيبة وجميلة فأخذها معه، تركتنا وتركت طفلتها الجميلة، أسمتها "حنين" وكأنه دليل على ما سوف تتركه حين ترحل، فتركت لنا الجهاد من أجل النسيان، والحنين على الأيام التى قضيناها فى صحبتها.

الآن أشعر بأن جهاد لم ترحل، بل هى حاضرة، وستظل حاضرة، فى قلوبنا وعقولنا، بسيرتها الجميلة، وستظل ابتسامتها البريئة وشخصية "بنت البلد الجدعة" أفضل ما يميزها فى خلودها، ولها لنا الذكرى الطيبة، إلى أن نلحق بها، وربما نلتقى، لأعتذر لها عن تقصيرى وقلة سؤالى وضعف حيلتى.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تحول مفاجئ فى مستقبل إندريك مع ريال مدريد

ريال مدريد يرصد أعلى مكافأة فى تاريخه للتتويج بلقب كأس العالم للأندية

بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم

بدأت حياتها مفتشة جمارك وجسدت أدوار الشر ببراعة.. ميلاد علية الجباس

حول الشوارع إلى جنة.. شاب قنائي يتطوع ويزرع 1000 شجرة على نفقته الخاصة بمدينته.. أحمد عبد العزيز: البداية كانت منذ عام وأحلم بزراعة المدينة كلها بالأشجار المثمرة.. وأسعى لتحقيق الفائدة العامة لأبناء بلدي.. صور


أحمد الكاس مدرب منتخب الناشئين يحتفل بعيد ميلاده الـ60..اليوم

سيدة تطالب زوجها بنفقة 50 ألف جنيه بعد شهر زواج بمصر الجديدة.. التفاصيل

بعد عطل الاتصالات والإنترنت.. إقلاع 36 رحلة طيران وجار العمل على 33 أخرى

رئيس إشبيلية يُغري ياسين بونو بالعودة إلى الليجا

مقتل 5 جنود إسرائيليين وإصابة 10 آخرين في "كمين كبير" بغزة


طلعت يوسف يعلن اعتزاله التدريب بعد قيادة 476 مباراة

وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ القاهرة عمليات إخماد حريق سنترال رمسيس

جنايات سوهاج تقضى بإعدام بائع قتل صياد بسبب الخلاف على أولوية البيع بسوهاج

مانشستر سيتي يواجه باليرمو وديا احتفالا بذكرى تأسيس النادي الإيطالي

بعد عام على استشهاده فى غزة.. العثور على رفات اللاعب رامز الكفارنة

البيت الأبيض يشيد بالجهود المصرية المبذولة لإنهاء الحرب في غزة

البيت الأبيض: أولوية ترامب إنهاء حرب غزة

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

تعرّف على سبب تأخّر وصول آدم كايد بعد التوقيع الإلكترونى للزمالك

وزير الاتصالات يتابع حريق سنترال رمسيس.. واستعادة الخدمة خلال ساعات

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى