داليا مجدى عبد الغنى تكتب: عبيد الشفقة

داليا مجدى عبد الغنى
داليا مجدى عبد الغنى

قرأت مُؤخرًا الرواية الشهيرة لعملاق الأدب النمساوى "ستيفان زفايج" "حذارِ من الشفقة"، والتى لطالما سمعت عنها، ولكن لم يسعنِ الحظ لقراءتها، وبالرغم من أسلوب الكاتب الشيق، والذى ساعده على رواية أحداثها أنها أحداث واقعية، وقد رُويت له بأكملها من بطلها الكابتن "هومفيلر"، إلا أن ما أثارنى فى أحداثها واسترعى انتباهى بشدة، هو فلسفة الشفقة التى طرحها الكاتب فى روايته تلك، عام 1929م، فكلنا ننظر إلى الشفقة من جانب الشخص محل الشفقة، وكم نتعاطف معه ومع ظروفه، ومع ألمه من نظرات الشفقة التى تُحيط به من الآخرين، فكم هو مُزعج هذا الشعور بالنسبة لأى إنسان، لاسيما لو كان عزيز النفس، يأبى عليه كبرياؤه أن يكون مثار عطف من حوله، ولكن فى هذه الرواية كان الكاتب يُحذر الشخص المُشْفِق وليس المُشْفَق عليه، فهو يقولها صراحة أن الشفقة إذا زادت عن حدها تتحول إلى قيد يلتف حول عُنق الإنسان، ويكبله طيلة عمره، لدرجة أنه سيبغض شفقته على الآخرين؛ والسبب ببساطة أنها استحالت إلى التزام نفسى وأدبى تجاه من يُشفق عليه.

 

وإذا طبقنا هذه الفلسفة على حياتنا، سنجد أننا نفعل ذلك يوميًا دون إدراك منا، وأننا نُعانى من هذا الشعور، وهو الشفقة الحمقاء، لدرجة أننا قد نندم على أننا تعايشنا هذا الإحساس، وتمادينا فيه حتى نهايته، فكم من شخص أسند مهام وظيفته لأحد الأشخاص؛ لرغبته الملحة فى مُساعدته ماديًا، أو لكى يُخرجه من حالة الاكتئاب والوحدة التى يعانى منها، ثم تكشَّف له أنه غير صالح لهذا العمل، ويجد نفسه مُتحرجًا من فكرة إنهاء عمله، وكم من شخص كَبَّل نفسه بزيجة فاشلة؛ بسبب تعاطفه مع الطرف الآخر، إما لظروفه المرضية، أو الاجتماعية، ويجد نفسه يعيش حياة بائسة، لا روح فيها ولا معنى، ويبيع عُمْره، وهو نادم على هذه الشفقة، التى أودت بحياته بأكملها، وقد تتسبب الشفقة المُفرطة فى تدمير حياة أعزِّ الأشخاص لدينا، وذلك كالأب أو الأم الذين يُفْرِطُون فى تدليل أحد أبنائهم، والاستجابة لكل طلباته؛ بسبب مروره بظروف خاصة، أيًا كانت صحية أو نفسية أو بدنية، فتكون نهايته قاتلة، بسبب شفقتهما عليه، وتتحول طلباته غير المنطقية إلى قيد نفسى عليهما، لا يستطيعان التنصل منه.

 

فهل تذكر تلك القصة الخيالية، التى تحكى عن الشيخ الأعرج، الذى كان راقدًا فى عرض الطريقة، حين مر به شاب، فناشده أن يحمله على كتفه، فأخذت الشفقة ذلك الشاب، ولبَّى النداء، وسُرعان ما تبين له أن ذلك القعيد المسكين ليس سوى جِنِّى شرير، لا يكاد يستقر فوق كتف حامله، حتى يعقد فخذيه العاريتين حول رقبته، فيسلبه إرادته، ويجعل منه عبدًا خاضعًا له، يحمله إلى كل مكان يقصده، ولا يكون له حق فى الراحة، مهما وهنت قواه أو جفَّ حلقه من الظمأ. وهكذا غدا الأحمق ضحية تعسه لشفقته إلى الأبد، فحقًا الشفقة ليست دائمًا شعورًا إيجابيًا، بل يمكن أن تكون سبب فى نكبة صاحبها أبد الدهر، فلو أردت أن تتعاطف مع غيرك، فلا بأس فى ذلك، ولكن ليس بالشكل الذى يقضى عليك إنسانيًا، ويُحَمِّلُك فوق طاقتك، ويُجبرك على بُغض إنسانيتك، فهنا ستتحول إلى عبد من عبيد الشفقة، والعبد لا يمكن أن يتحرر من عُبوديته، إلا بفرمان من سيده، وهذا الفرمان لا يصدر أبدًا.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

نظر محاكمة 116 متهما بخلية داعش التجمع اليوم

تعليمات دخول حفل تامر حسنى فى قصر عابدين

مواجهة مونديالية بين السعودية والأردن في نصف نهائي كأس العرب 2025

المستندات المطلوبة لإحلال التوكتوك فى الجيزة.. كل ما تحتاج معرفته

مواعيد مباريات اليوم الإثنين 15-12-2025 والقنوات الناقلة


اليوم.. انتظام أفشة وشريف ومرعى فى تدريبات الأهلى استعدادا لمباراة سيراميكا

العوضى يحتفل بعيد ميلاده بتوزيع 300 ألف جنيه ويعلق: السنة الجاية مع المدام

حالة الطقس اليوم الإثنين 15 ديسمبر.. انخفاض بالحرارة وأمطار غزيرة بهذه المناطق

علاء نبيل: هانى أبو ريدة صاحب قرار اختيار حلمى طولان ولم يتم إبلاغى برحيلى

الإدارية العليا تنظر 31 طعنًا على نتائج 19 دائرة ملغاة فى انتخابات النواب.. غدا


وزارة التعليم تحدد ممنوعات داخل المدارس بعد وقائع التعدى على الأطفال

عمر متولى ينعى والدته ويطالب الجمهور بالدعاء لها

تعرف على مصير أحمد الأحمد البطل الأسترالي مُنقذ ضحايا هجوم سيدني

وكالة الفضاء المصرية تُعلن نجاح إطلاق وتشغيل القمر الصناعي المصرى SPNEX

7 معلومات عن شقيقة عادل إمام أرملة مصطفى متولى

ترامب يشيد بالبطل الأسترالي أحمد الأحمد: أنقذ أرواحا كثيرة في هجوم سيدني

تحذير عاجل.. نوة الفيضة الصغرى تضرب الإسكندرية غدا والأمواج ترتفع 3 أمتار

نجما نيجيريا يغيبان عن ودية منتخب مصر

أحمد الأحمد المسلم بطل اليوم في أستراليا بعد تصديه للهجوم الإرهابى.. فيديو

كل ما تريد معرفته عن قتل وإصابة 42 شخصا بهجوم استهدف عيد حانوكا بأستراليا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى