سعيد الشحات يكتب: ذات يوم9 أكتوبر 1958 عبدالناصر يقنع ثروت عكاشة بمنصب وزير الثقافة قائلا: «بناء آلاف المصانع أمر يهون إلى جانب الإسهام فى بناء الإنسان»

عبد الناصر وثروت عكاشة
عبد الناصر وثروت عكاشة
عاد الدكتور ثروت عكاشة إلى القاهرة من روما، خلال 24 ساعة فور سماعه فى الراديو خبر تعيينه وزيرا للثقافة، وتوجه فى يوم 9 أكتوبر «مثل هذا اليوم 1958» إلى الرئيس جمال عبدالناصر، لتقديم اعتذاره عن المنصب.. «راجع- ذات يوم 8 أكتوبر 2018».
 
يكشف «عكاشة» فى الجزء الأول من مذكراته، عن حواره الثرى لأربع ساعات مع عبدالناصر، ويعطى مؤشرا للحالة الثقافية التى قادها عكاشة وزيرا، وتعد لدى كثيريين الأهم فى تاريخ مصر.. يعترف عكاشة: «كان عبدالناصر بالغ الصبر، وكنت فيه شديد العناد والتصلب، والحق إن جمال عبدالناصر أدرك منذ مصافحتى له كل ما أضمره، وكأنه كان يقرأ أعماقى، وأخذ يفيض فى السؤال عن أسرتى وصحتهم وأحوالهم، ليؤجل بضع لحظات بدء مناقشة يعرف أنها ستكون طويلة وشاقة».
 
انتقلا الاثنان إلى جوهر الحديث، وأبلغه عكاشة اعتذاره عن المنصب «لاتقاعسا عن عمل جاد، بل تحاشيا لوقوع صدام محتما بينى وبين الشلل والتجمعات المتسلطة»، ويؤكد عكاشة، أن عبدالناصر استمع مصغيا، ومقدرا، ثم أخذ فى إقناعه: «أنت الآن فى وضع يعلو وضع بعض من لاتطمئن نفسك إليهم، كما أنك ستشغل مكانا بعيدا عن المكان الذين يعملون فيه، فوزارتك تقع فى مبنى مستقل بقصر عابدين، وستكثر فيه لقاءاتنا معا، بل وبشكل منتظم، وهذا المنصب لن يغير شيئا من أنك تستطيع فى أى لحظة أن تجد بابى مفتوحا لك، أوأن تتصل بى برقم تليفونى المباشر».
 
أضاف عبدالناصر: «أصارحك بأنى لم أدعُك لشغل وظيفة شرفية، بل أعرف أنك ستحمل عبئا لا يجرؤ على التصدى لحمله إلا قلة من الذين حملوا فى قلوبهم وهج الثورة حتى أشعلوها، وأنت تعرف أن مصر الآن كالحقل البكر، وعلينا أن نعزق تربتها، ونقلبها ونسويها ونغرس فيها بذورا جديدة لتنبت لنا أجيالا تؤمن بحقها فى الحياة والحرية والمساواة، فهذا هو العناء.. وأدعوك أن تقبل هذا العناء، وتشمر عن ساعد الجد، وتشاركنى فى عزق الأرض القاحلة وإخصابها، إن مهمتك هى تمهيد المناخ اللازم لإعادة صياغة الوجدان المصرى، وأعترف أن هذه أشق المهام وأصعبها، وأن بناء آلاف المصانع أمر يهون إلى جانب الإسهام فى بناء الإنسان، وأحب أن أبوح لك بأن على بابى هذا نحوا من عشرين شخصا متطلعين إلى منصبك هذا».
 
رد عكاشة: «إذن فلتمنحه أحدهم فإنى غير راغب فيه»، وزاد بأن هذا «يؤمنه من السهام الطائشة».. فسأله عبدالناصر: «ومن منا الذى يعمل آمنا من السهام المعادية؟، إن عظم المسؤولية جدير بأن يثير فى نفسك ما عهدته فيك من إقدام، ثم ما الذى ستفعله فى وزارة الثقافة غير تحقيق أحلامك التى طالما كنت ترويها على مسامعى قبل الثورة وبعدها».. يؤكد عكاشة، أن الرئيس أخذ يذكره بما كان يقوله له بعد عودته من المهام السياسية الخارجية، وحديثه، أى حديث عكاشة، عن النهضة الفنية فى الخارج والعروض المسرحية والأوبرالية والموسيقية ومعارض الفن التشكيلى والمنشآت الثقافية، وأمنيته أن يتحق ذلك فى مصر، وصارحه الرئيس بقوله: «لا أخفى عليك أن كل حديث كان يدور حول تنمية الثقافة والفنون كان يجعل صورتك تتراءى فى خيالى، وأذكر حديثنا قبل الثورة عن انحصار المتعة الثقافية، بخاصة الفنون الراقية فى رقعة ضيقة لاتنفسح إلا للأثرياء، وكيف ينبغى أن تصبح الثقافة فى متناول الجماهير العريضة، وأن تخرج من أسوار القاهرة والإسكندرية لتبلغ القرى والنجوع، فمن بين أبناء هذه القرى الغائرة فى أعماق الريف بالدلتا والصعيد يمكن أن يبزغ فنانون يعكسون فى إبداعهم أصالتهم الحضارية، ويبدو لى أن الأوان آن لتحقيق هذا المطمح، وكنت أنتظر هذه اللحظة لأسند إليك مهمة وزير الثقافة».
 
أضاف عبدالناصر: «لا تتصور أننى كنت أوفدك فى مهام مؤقتة إلى عواصم أوربا، أوفى مهام طويلة كعملك الدبلوماسى فى باريس وروما، دون أن أضع فى اعتبارى ما تتيحه لك هذه الفرص من دراسة الأنشطة الثقافية والفنية فى أهم عواصم الفنون والثقافة فى العالم، ومازالت أمامك رحلات أخرى تضيف إلى حصيلتك، لكنك ستقوم بها بوصفك وزيرا للثقافة».. يؤكد عكاشة، أنه أحس أن عبدالناصر يضيق عليه الحصار ويمس أوتار قلبه، ويوقظ فى نفسه الأحلام، فطلب منحه فرصة لإعادة النظر، فرد الرئيس: «حسبتك تريد فرصة تجرب فيها حظك، وعلى كل فليكن لك ما تريد، أخلد إلى عزلتك ليلة أو ليلتين، على أن تتذكر أن قرار رئيس الجمهورية، لا يقبل التغيير سريعا الذى توده أو الذى كنت توده»، وصافحه الرئيس مودعا، وبعد ليلتين اتصل به يسأله، فرد عكاشة بأنه لا يحس بالراحة، فرد عبدالناصر ضاحكا: «هيا إلى مكتبك على بركة الله، ولا تهتم براحة النفس هذه فأنا كفيل بتحقيقها لك».
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

كندا تحذر من المجاعة في غزة وتحمّل إسرائيل مسؤولية تفاقم الأزمة الإنسانية

تغريم الزمالك 50 ألف جنيه بسبب حصول لاعبيه على 6 بطاقات فى مباراة مودرن سبورت

أهلى جدة بطلا لكأس السوبر السعودى على حساب النصر بركلات الترجيح

وزير خارجية بريطانيا يبلغ عن نفسه بعد صيده السمك دون ترخيص مع نائب ترامب

ريبيرو يستقر على قيادة كريم فؤاد للجبهة اليسري للأهلى أمام المحلة


الأهرامات وتسهيلات التصوير كلمة السر في ترشيح فيلم جاي ريتشي لجائزة LMGI

خست 16 كيلو.. طفلة فلسطينية تحول جسدها لهيكل عظمى ووالدتها تناشد بسرعة علاجها

مانشستر سيتي ضد توتنهام.. السبيرز يتفوق 2 - 0 فى الشوط الأول "فيديو "

وزير العمل يتواصل مع عامل مزلقان بنى سويف وصرف مكافأة مالية له

سيدة تطالب بتعويض 20 مليون جنيه من الزمالك لظهور رقمها في إعلان "الدباغ"


جينيفر لوبيز تستمتع بحياتها بعد الطلاق وتعلن انتهاء رحلتها مع الزواج

لجنة مصر للأفلام مرشحة بفيلم Fountain of Youth للفوز بجوائز النقابة الدولية

عودة ليفاندوفسكي لقائمة برشلونة أمام ليفانتي في الليجا.. وغياب دي يونج

إصابة 5 أشخاص فى حادث تصادم سيارتين بقنا

محمد أبو لولى.. طفل فلسطينى أصابته شظية إسرائيلية بشلل رباعى

طائرة خاصة لمنتخب مصر للسفر 7 سبتمبر لمواجهة بوركينا في تصفيات المونديال

ريبيرو يناقش مع جهاز الأهلى موقف محمد الشناوي من مباراة غزل المحلة

6 لقاءات قوية فى ختام الجولة الأولى لدورى المحترفين

مهلة المحكمة للتصالح أوشكت على الانتهاء.. موعد الفصل فى الحجر على نوال الدجوى؟

موعد مباراة بيراميدز ومودرن سبورت فى الجولة الرابعة للدورى المصرى

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى