"جريمة الإيموبيليا".. سايكودراما بعيدة عن التأريخ لعمارة وسط البلد

جريمة الإيموبيليا
جريمة الإيموبيليا
كتب باسم فؤاد

تشغل "العوالم السفلية" وما يتعلق بالجن والأرواح التى تحيطنا دون أن نراها، حيزًا كبيرًا من ثقافة الإنسان العربى، ويدور جدل من وقت لآخر بين مؤمن بوجودها ومنكر لكل ما هو غير مرأى، ربما استغل المخرج خالد الحجر ذلك للترويج لفيلمه "جريمة الإيموبيليا" معلنا - وهو أحد سكان العمارة الواقعة فى منطقة وسط البلد - أنه رأى ذات مرة  شخصا يجلس على حافة سريره، ودائما يشعر بيد تتحرك فوق جسده، متخذا من "اللامنطق" وسيلة ليمنح أحداث فيلمه شيئًا من الإثارة تجذب أكبر عدد من جمهور السينما.  

 

اتخذ "الحجر" من "عمارة الإيموبيليا" مسرحًا لأحداث فيلمه الذى يدور داخل أشهر عمارات وسط البلد وعاش فيها فنانو الزمن الجميل أمثال محمد فوزى، وأسمهان، وليلى مراد، وهنرى بركات، ونجيب الريحانى، وسعى لتصوير عمل سينمائى - فى ظنه - يخلد اسم العمارة العريقة، واستوحى الأحداث من قصة واقعية فى تسعينيات القرن الماضى – بحسب المخرج خالد الحجر -  إذ أتى سمسار بساكن جديد لإحدى الشقق، وبعدها طلب منه الساكن خادمة لتنظيف الشقة، فوقع فى علاقة معها، واختلفا على الأموال فقتلها الساكن هى والسمسار.

 

بعد الانتهاء من مشاهدة الفيلم ضمن عروض مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، يمكننى أن أقول فى ثقة: "لا تأريخ ولا استيحاءً"، فلا هو يؤرخ لتاريخ عمارة الإيموبيليا التى بنيت عام 1938، لمالكها أحمد باشا عبود وكلفته 1.2 مليون جنيه لتصبح الأعلى والأضخم فى القاهرة آنذاك، ولا هو يستوحى الأحداث من الجريمة المذكورة أعلاه، وما احتوى عليه الفيلم من حبكة درامية ما هى إلا جريمة يمكن أن تحدث فى أى بناية أخرى من بنايات القاهرة أو أى مكان فى العالم، ولا نجد مبررا لإصرار مخرج العمل للربط بين أحداث فيلمه و"عمارة الإيموبيليا".

 

الفيلم يقتحم منطقة الـ"سايكودراما" التى اشتهر بها المخرج العالمى آلفريد هتشكوك وكان رائدها فى مصر المخرج الراحل كمال الشيخ، إذ يدور حول كاتب روائى شهير "كمال حلمى" ويجسده الفنان هانى عادل، يعيش منعزلًا فى شقته بعمارة الإيموبيليا، ومنذ وفاة زوجته ورحيل أبنائه عنه، يعانى من الشيزوفرينيا، ويسمع صوتا داخليا ينتقده دائما، ويدفعه انعزاله إلى الدخول فى علاقة مع فتاة تعرف عليها عبر "فيس بوك" تكون سببا فى تورطه فى العديد من الجرائم، فى حبكة موفقة من كاتب الفيلم ومخرجه خالد الحجر.

 

"حكاية الكاتب كمال حلمى مش معروفة ولا هتتعرف" هكذا خاطب الحجر جمهوره على لسان الراوى وفرض حالة من الغموض معلنًا بداية أحداث فيلمه ولم يترك الجمهور يعايش شخوصه وعالمه السينمائى تلقائيًا.

 

"النمطية" تهمة لاحقت هانى عادل منذ اقتحامه عالم التمثيل وصُنف على أنه أحد رواد مدرسة الـ"No Reaction" اتباعا لمقولة "التمثيل هو اللا تمثيل" لكن فى "عمارة الإيموبيليا" يفاجئنا "عادل" بتجسيد شخصية مركبة تعانى مرضا نفسيًا، وإن كان هناك التباس حول تشخيص المرض استنادا للغة جسده، فأحيانا نرى شخصا مصابا بـ" الشيزوفرينيا" يعانى من الهلوسة متمثلة فى صوت يحدثه ويقوده ويوجه أفعاله بالإضافة إلى اضطرابات فكرية وحركية، وفى أحيان أخرى نرى شخصًا مصابًا بـ"اضطراب الشخصية التجنبية" يعانى من القلق والكبح الاجتماعى، والشعور بالعجز والدونية، والحساسية الشديدة تجاه التقييم السلبى، وتجنب التفاعل الاجتماعى، وهذا جانب يمكن أن يفصل فيه خبراء الطب النفسى، لكن فى النهاية لا يمكن تجاهل أن شخصية كمال حلمى شهادة ميلاد حقيقية لهانى عادل وأبلغ رد على المشككين فى موهبته كممثل.

 

موافقة ناهد السباعى على لعب دور لا يتجاوز 15 دقيقة من عمر الفيلم ينم على نضجها الفنى، صحيح أن عمرها على الشاشة قصير ينتهى بموت تلك الفتاة المثيرة التى لم تخجل من أن تصارح كمال حلمى برغبتها فى مضاجعته، وبعد موتها يطارده ذلك الصوت الذى يكرهه: "قولتلك ماتدخلش ست البيت ماسمعتش كلامى.. تستاهل"، إلا أنك تشعر أنها لم تغب وموجودة طوال الأحداث.  

 

أضفى طارق عبد العزيز نوعا من البهجة من خلال أدائه الجاد الذى لا يخلو من الكوميديا دون تلطف أو كما يسمونه "استظراف"، وإن كانت مساعدته لكمال للتخلص من جثة "ناهد" ليس مسوغا إلى حد كبير، فقط لكونه صديقه ويخشى أن تتلوث سمعته لأنه يكتب روايات يتكسب منها "كمال" صاحب دار النشر المعروفة، ويمكن اعتبار طارق عبد العزيز "العصب" الذى لجأ إليه المخرج ليوازن بين أداء الممثلين، مستغلا خبرته الطويلة فى التمثيل.

 

تعمد "الحجر" من خلال السيناريو إلى مباغتة المشاهدين طوال الفيلم، فلا يكاد المتفرج يضع يديه على خيط لتتكشف أسباب الجريمة ودوافعها ليفاجئه بأن الحكاية لم تنهِ بعد، واللغز ما زال لغزا  حتى يصل به لمشهد النهاية، فجاء السيناريو حرفيًا إلى حد كبير لكنه ليس محكمًا، فعابه بعض التتابعات لم يحالفه فيها التوفيق، كمشهد مصارحة سماح بمعاناتها مع زوجها، ووجد الكاتب نفسه فى ورطة إذ أراد أن يعبر بالمشاهدين إلى النهاية ولا يجد مبررا دراميا فاستعان بمشهد اقتحام أحمد عبد الله محمود لشقة "كمال" واعترافه بأنه المسئول عن كل ما يجرى حوله، قبل أن تأتى لحظة التنوير التى يتبين فيها أن المرض النفسى هو ما دفع بكمال لارتكاب كل تلك الجرائم.

 

"جريمة الإيموبيليا" لا يمكن اعتباره فيلم مهرجانات – كما يروج له البعض - إذ يحتوى على جرعة من الإثارة والتشويق اللازمة لنجاحه تجاريا رغم خلوه من "نجم الشباك".

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مرسى مطروح مصيف السعادة.. متعة السباحة والمناظر الخلابة تُحسن المزاج وتجدد النشاط.. ملايين المصريين والسياح أسرى طبيعة مطروح البكر.. والشواطئ على موعد مع ذروة المصيف والصخب الجميل بعد نهاية امتحانات الثانوية

اعترافات المتهم بقتل زميله داخل مطعم فى كرداسة

محمد صلاح ضمن نجوم تستحق المتابعة في أوروبا قبل إنطلاق الدوري الإنجليزي

أحمد حداد يتعاون مع لطيفة فى "هوينا هوينا" ضمن ألبومها الجديد

غدًا.. انتهاء ماراثون امتحانات الثانوية العامة 2025


تفاصيل اتفاق الزمالك مع شيكو بانزا لاعب امادورا البرتغالى

ارتفاع درجات الحرارة ينشر الفوضى فى أوروبا.. عواصف وفيضانات فى إيطاليا وتأجيل 13 رحلة جوية بعد موجة حر شديدة.. والأسماك النافقة تتسبب فى انسداد نهر فى التشيك.. واندلاع الحرائق فى عدد من الدول

الجبهة الوطنية: القائمة الوطنية تضم كوادر وكفاءات تثرى مجلس الشيوخ القادم

عودة ناشئى اليد للتدريبات عقب انتهاء دورة السويد استعدادا للمونديال

تعرف على موعد انطلاق استعدادات الأهلي للموسم الجديد ومعسكر تونس


هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025

رادار المرور يلتقط 1109 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

الحرارة تصل 42 درجة.. حالة الطقس المتوقعة اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025

أيمن الرمادى: الاهتمام بالتفاصيل سر نجاحى مع الزمالك

صورة قديمة للراحلة رجاء الجداوى فى شبابها تستمع بالمصيف

كيف أنقذت مصر نفسها من كارثة بيولوجية بعد إحباط تهريب 300 كائن حى نادر فى مطار القاهرة؟.. الأنواع المضبوطة شديدة الخطورة وتنشر أمراض وفيروسات وبكتيريا غريبة لا نملك أمصال لها.. وتسبب خسائر فى الثروة الحيوانية

‌مصر تطلق أول برنامج لمكافحة نواقل الأوبئة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

قائمة الأجانب تهدد مفاوضات الأهلى لتدعيم الدفاع والهجوم

الانتقال الجماعى شعار الميركاتو الصيفى فى الدورى المصرى.. ثنائى فاركو الأحدث

سقوط 5 شهداء في قصف إسرائيلي على حي الزيتون بقطاع غزة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى