داليا مجدي عبد الغني تكتب: عايشين في الغيبوبة

داليا مجدي عبد الغني
داليا مجدي عبد الغني
"التغيير .. سُنّة الحياة"، أمر لا خلاف عليه، فقد عهدنا التغيير في كل أنماط حياتنا، خاصة مع تغيير مراحلها، والتغيير يطرأ على أفكارنا، وأحلامنا، وتوجهاتنا، وسلوكياتنا، وأيضًا أشكالنا، وقطعًا يتطرق كذلك إلى مشاعرنا، ولكن هل هذا التغيير مُطلق بلا حدود، أو بمعنى أدق بلا منطق؟!
 
فأذكر أننا قديمًا، ولا أقصد هنا بكلمة "قديمًا"، من عشرات أو مئات السنين، بل منذ بضع سنوات، كانت الجرائم رغم وجودها مُنذ بدء الخليقة، عندما قتل "قابيل" شقيقه "هابيل"، إلا أنها كانت لها دوافع، قد تبدو إلى حد ما منطقية من وجهة نظر الجاني على الأقل، لذا لم تكن الجرائم تأخذ حيزًا واسعًا من الإعلام، فكانت لا تلقى اهتمامًا سوى على صفحات الحوادث، وإذا حدث وارْتُكِبَت جريمة، تتسم بالبشاعة، كانت تتحول إلى قضية رأي عام، وتكون مثار جدل من كل الناس؛ لأنها كانت أمرًا استئثنائيًا، إما لبشاعتها، أو لعدم منطقيتها، أما الآن، فأصبحت الجرائم البشعة وغير المنطقية أمر طبيعي للغاية، لا يستثيرنا، ولا يستفز مشاعرنا، فمثلاً في الماضي، عندما كنا نسمع أو نقرأ أن هناك أخ قتل شقيقه، أو أب قتل ابنه، كنا نُحدق أعيننا، ونفتح أفواهنا من الاندهاش والاستنكار، في آن واحد، وبعد ما نستفيق من الصدمة، نسأل عن الأسباب، أو طبقًا للمُصطلح القانوني، نسأل عن الدوافع والباعث، وكان أول ما يتبادر إلى أذهاننا، بعد أن نستمع إلى تلك الدوافع، وحتى لو التمسنا بعض الأعذار لمرتكب الجريمة، هو كيف استطاع أن يقتل أقرب الناس إليه، وهل هان عليه، وكيف طاوعه قلبه؟! كل تلك الأسئلة كنا نُرددها لاإراديًا، مهما كان عُذْر الجاني أو دافعه، وحتى لو كان سلوكه رد فعل لسلوك المجني عليه؛ لأن الجريمة كانت بالنسبة لنا أمر مرفوض، لا يقبل النقاش أو الجدل.
 
أما الآن، فأصبحنا لا نندهش من الجريمة، مهما بلغت شناعتها، ولا نعبأ بدوافعها، وكأن هذا السلوك أصبح مألوفًا لدينا، من كثرة حدوثه، وكأن آذاننا اعتادت أن تسمع العبارات الخاصة بالسلوك الإجرامي اليومي، والغريب في الأمر، أننا لم نعد نتساءل الأسئلة التي كُنا نُرددها في السابق، فلم نعد نقول، كيف طاوعه قلبه، وكيف استطاع أن يقتل أعز الناس لديه، فردود أفعالنا أصبحت باردة، لا حياة فيها، وكأن هذه السلوكيات الشاذة باتت أمر عادي، مُستساغ للأذن، وأيضًا للمشاعر، والأغرب من ذلك، أن الجرائم طالت حتى الألعاب التي تُسلينا عبر الإنترنت، فكم من لعبة تسببت في جرائم قتل، وانتحار، وكأننا نستنشق الجريمة في جدنا وهزلنا، ولم نعد نُعطي للمشاعر أدنى اعتبار، فكلنا سمعنا وقرأنا عن جريمة الرحاب، ولكن يجب أن أُعَدِّل العبارة؛ لأن عبارة "جريمة الرحاب"، تُوحي بأنها جريمة واحدة في مدينة الرحاب، ولكن في الواقع، هناك أكثر من جريمة في كل مدينة، وكُلهم يتصارعون في قدر البشاعة، وأنا هنا أقصد جريمة الفتاة التي تآمرت على قتل خطيبها مع والدها، وبعيدًا عن الرحاب، كذلك جريمة الأب الذي ألقى بطفليه من السيارة، وغيرهما كثيرًا، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل هذه السلوكيات من ضمن التغيير المطلوب في الحياة، أما أننا أصبحنا لا ندري حجم المأساة التي نعيش فيها، وأين كانت مشاعر هؤلاء الجُناة أثناء ارتكابهم لجرائمهم؟ فالواقع يا سادة، أن هذه السلوكيات، سواء بالنسبة لمُرتكبيها أو مُستقبليها، تُؤكد أمرًا واحدًا، لا خلاف عليه، وهو أننا أصبحنا بلا جدل، عايشين في الغيبوبة.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزارة الصحة: 2.5 مليار شخص بالغ يعانى من السمنة عالميا

وزير الرياضة يوجه بتذليل العقبات أمام صابر عيد أثناء تلقيه العلاج

إصدار عملة تذكارية ذهبية وفضية بمناسبة 150 عاما على إنشاء هيئة قضايا الدولة

حكاية مكالمة حزينة جمعت عبد الحليم حافظ وأم كلثوم قبل وفاة الأخيرة

الأهلى يناقش استعارة لاعب سيراميكا فى يناير ضمن صفقة عمر كمال


بعد مصرع نيفين مندور.. حوادث مأساوية أنهت حياة فنانين بعيدا عن الكاميرا

شرط محمد صلاح للبقاء مع ليفربول بعد أزمة سلوت

صور أثار حريق شقة الفنانة نيفين مندور بالإسكندرية

فريق النيابة يعاين حريق شقة الفنانة نيفين مندور بعد وفاتها بالإسكندرية

أمم أفريقيا 2025.. حسام حسن يزين قائمة هدافى المنتخبات عبر التاريخ


حالة الطقس.. الأرصاد تكشف خرائط الأمطار خلال الساعات المقبلة

نيفين مندور.. عاشت حياة مليئة بالأزمات ورحلت فى نهاية مأساوية

مصطفى أبو سريع يعلن انفصاله عن زوجته ويعلق: كانت حق الأم المثالية لأولادي

بعد مصرع الفنانة نيفين مندور.. خطوات لتجنب حرائق الشقق السكنية.. تعرف عليها

جار نيفين مندور يكشف تفاصيل مصرعها فى حريق منزلها بالإسكندرية

مصرع الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم اللى بالى بالك فى حريق بمنزلها

بدء الاقتراع بأول أيام جولة إعادة المرحلة الثانية لانتخابات النواب

الطقس اليوم الأربعاء 17-12-2025.. أجواء باردة وانخفاض بالحرارة وأمطار

زيادة 15٪ سنويا.. قانون الإيجار القديم يضع قواعد جديدة للأجرة

سلوى عثمان والدة محمد فراج فى مسلسل أب ولكن وعرضه فى رمضان 2026

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى