سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 11 ديسمبر 1924.. يحيى حقى شاهد على تشرد الفدائى أحمد كيرة ومقتله فى إسطنبول وبجوار جثته عود ثقاب منطفئ

أحمد كيرة و يحيى حقى
أحمد كيرة و يحيى حقى
واصلت المخابرات البريطانية مطاردة الفدائى المصرى أحمد عبدالحى كيرة عضو الجهاز السرى لثورة 1919، كان يوم 11 ديسمبر «مثل هذا اليوم 1924» هو اليوم الثالث على أمرها لفروعها فى العالم بالقبض عليه حيا أو ميتا.. «راجع - ذات يوم 9 ديسمبر و10 ديسمبر 2018»، وحسب مصطفى أمين فى كتابه «الكتاب الممنوع - أسرار ثورة 1919»: «استمرت هذه المطاردة سنوات». فلماذا؟. وكيف كانت النهاية؟.
 
يقدم الكاتب يحيى حقى شهادة له عن «كيرة» فى كتابه «ناس فى الظل»، تحمل الكثير، ويكتبها من خلال معرفته به عام 1930 فى شوارع إسطنبول.. كان «حقى» يعمل فى القنصلية المصرية»، و«كيرة» هاربا فيها.
 
يقول «حقى»: «أصبح عبدالحى بعبعا عند الإنجليز، فطلبوه بعد أن فتلوا له حبل المشنقة، بحثوا عنه فى كل مكان فلم يجدوه رغم تجدد إغاراته.. تسلل إلى الحدود الغربية، ثم إلى ليبيا، ثم سافر إلى إسطنبول حيث لقيته بها سنة 1930، والله أعلم بما لقيه من مشقة وأهوال، وكان لا بد لى ولا مناص من أسعى إليه لأعرفه، وكيف لا أفعل واسمه يرن فى أذنى رنين أسماء أبطال الأساطير.. ولكن شاء لى سوء الحظ أننى كنت حينئذ موظفا بالقنصلية، وعبدالحى يتفادى المكان وأهله تفاديه للوباء، لأن الاحتلال الإنجليزى كان لا يزال رابضا على مصر، فكنت لا ألقاه إلاصدفة، فأقطع عليه الطريق، إنه يعرفنى ويرانى ولكنه يتجاهلنى، فلا أترك يده بعد المصافحة، بل أبقيها فى يدى وأقول له إن لى صداقة حميمية ببعض أقاربه وبلدياته، وأذكرهم له بالاسم، وألح عليه إلحاحا شديدا أن يمشى معى ولو خطوتين أن يضرب لى موعدا لنأكل معا، كل هذا وهو يستنفذ بإصرار يده من كلبشات يدى، يشكرنى بابتسامة كلها حياء، ورأسه مطرق إلى الأرض، ثم يعتذر قائلا: قريبا إن شاء الله».
 
ظل هذا حالى معه أربع سنوات، لعل شدة إلحاحى عليه زادت من تخوفه منى.. رأيت عبدالحى فى إسطنبول المثل الإنسانى الفذ للرجل الشريد، ما أكثر أمثاله فى أعقاب الحروب، كانت ملابسه تدل على مقاومة عنيدة للفاقة، وغلبت صفرته التحتانية على سمرته، يمشى على عجل وبحذر كأنه يحاول أن يفلت من جاسوس يتبعه، عيناه كالنار تطوف نظرتهما فى دائرة الأفق كلها رغم إطراق رأسه، إن سره لا يخرج من شفتيه ولامن عينيه، لسانه ممسوك، مدرب على ألا يزل، مهما كانت الظروف والأحوال، بكلمة عفوية لم يسبقها تدبر وتفكر فى وزن معناها وتقدير أثرها، لا أثرها المباشر فحسب بل حتى أثرها البعيد، من أجل هذا الحذر خلا كلامه القليل كذلك من أية نغمة تعبر عن عاطفة، لأن النغمة لها أيضا معناها، فلست تدرى من نبرة كلامه أهو سعيد أو غير سعيد.متعب أم غير متعب، هل جيبه دافئ أم نظيف، معدته خاوية أم عامرة، هل حذاؤه يسالمه أو يعقره، هل هو متعجل أو غير متعجل، هل هو قادم من عمل أتمه أو ذاهب إلى موعد ينتظره؟
 
إن هذه الحبسة الفظيعة التى رأيت فيها عبدالحى كانت تزلزل قلبى.. هى حبسة فرضتها النفس على النفس.. هى ألعن من السجن الانفرادى فى أشد معسكرات الاعتقال وحشية، حاولت أن أعرف أين يسكن لأرسل له خطابا، ولا أقول لأزوره، فلم أنجح، وقيل لى إنه يسكن بمفرده فى ثلاث شقق كل منها فى حى بعيد عن الآخر، ويتخذ فى كل شقة اسما مختلفا، ولاينام فى فراش واحد ليلتين متتابعتين، كيف يستطيع إنسان أن يعيش دون أن يأمن لأحد؟ كل من يلقاه عدو محتمل، قلبه حرم على نفسه الاستجابة لعاطفة، رأيته صورة مجسمة لهذا العذاب الذى فاق عذاب جهنم الحمراء.
 
حرت فى تفسير مسلكه، ولعله لا يزال على يقين بأن المخابرات البريطانية لم تكف عن طلبه، حتى ولو فر منها إلى أقصى الأرض، سمعت أن الإنجليز حاولوا خطفه بعد أن طلبوا من الأتراك تسلميه إليهم فأبوا، ومع ذلك كان حذره من الأتراك لا يقل عن حذره من عملاء الإنجليز، خشية أن يعدلوا عن رأيهم ذات يوم لمصلحة لهم يلعبون فيها بورقته، وكنت أهزأ من نفسى لرضاها بهذا التفسير، وأستسخف فى قلبى مغالاة عبدالحى فى حذره وتخوه، وملت إلى الاعتقاد بأنه أصيب بسبب تشرده عن الوطن بعقدة الخوف، من أشباح لا وجود لها. ولكننى وقعت فى حيرة أشد ممتزجة بحزن، ولمت نفسى على سابق استخفافى يوم بلغنى أنهم عثروا على «كيرة» مقتولا بطعنة خنجر، جثته ملقاة فى حفرة بجوار سور إسطنبول العتيق، بجانبها عود من ثقاب منطفئ، كان هو الأثر الوحيد، وهو، مثل العود، منطفئ أيضا، وقيل لنا إن التحقيق الذى جرى بسرعة، لم يسفر على معرفة الفاعل، ولا كيف حدثت الجريمة، كان كيرة معذورا وعلى حق فى تخوفه وفراره.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

وزيرا التضامن والعمل يقرران صرف 300 ألف جنيه لأسرة كل متوفى بحادث الدائرى الإقليمى

تنسيق الجامعات 2025.. دليل الطالب لاختبارات القدرات

تحذير عاجل من الأرصاد الجوية لهذه المحافظات خلال الـ48 ساعة المقبلة

وزارة الصحة تكشف عن 8 أمراض جلدية تعد الأكثر انتشارا فى الصيف

بي اس جي ضد البايرن.. ويليام باتشو يتلقى الطرد فى المواجهة النارية


ضبط سائق ملاكى صدم فتاة بمدينة 6 أكتوبر

لبلبة تكشف عن أحدث ظهور لهالة الشلقانى زوجة الزعيم عادل إمام.. صور

الأمين العام للناتو: سنضطر لتعلم الروسية حال عدم رفع ميزانية الدفاع للحلف

ملاك عادل عن أغنية "بابا": الهضبة هو بابا الغنا.. وسعيد بالتعاون الثاني

الأهلي يكثف مفاوضاته مع أسد الحملاوي لخلافة وسام أبو على فى الموسم الجديد


الزمالك يحصل على توقيع المهدى سليمان لتدعيم حراسة المرمى وينتظر قرار فيريرا

الجمعية الفلكية بجدة: الأرض تستعد لتسجيل أقصر الأيام خلال يوليو وأغسطس

موعد مباراة الريال ضد دورتموند فى ربع نهائى كأس العالم للأندية

المباحث تستمع لأقوال شهود العيان لكشف ملابسات حادث الإقليمى

الداخلية تضرب بيد من حديد.. حملات مرورية لاستهداف المخالفين.. استخدام أحدث الأجهزة لحماية الأرواح.. تحرير 57 ألف مخالفة فى 24 ساعة.. تجاوز السرعة والتحدث فى التليفون والسير عكس الاتجاه أبرز المخالفات

المعاينة: اختلال عجلة القيادة وراء حادث تصادم سيارتين بالطريق الإقليمى

بعد إطلاق نظام إلكترونى لإصدارها.. تعرف على أنواع تأشيرات الكويت

وظائف أمن فى المترو برواتب تصل لـ10 آلاف جنيه.. وزارة العمل تعلن عن فرص عمل

المحكمة الدستورية تقضى بعدم قبول دعوى تفسير تشريع لعدم تقديمها من وزير العدل

تشكيل ريال مدريد المتوقع ضد بوروسيا دورتموند في كأس العالم للأندية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى