قسوة الحياة فى مصر (1)

سامح جويدة
سامح جويدة
بقلم سامح جويدة
إن قسوة الحياة ليست إلا مرادفا لقسوة من حولك.. ونحن تعودنا على تبادل القسوة بلا وعى.. حتى أصبحت حياتنا صعبة بل وأحيانا كئيبة، لغة الإحباط والتشاؤم والتباكى أصبحت سمة فى جلساتنا اليومية وكأن بداخل كل منا طاقة سلبية هائلة يريد أن يفجرها فى من حوله، نتبادل نظرات التجهم والترصد والتحفز فى الشوارع وكأننا غابة استوائية ولسنا أصحاب أقدم حضارة إنسانية.. صنعنا سوقا من المزايدة والاستغلال فى كل شىء لا فرق بين كشف الطبيب ومصروفات التعليم وتصليح البالوعات.. نشعر بانعدام ثقة هائل فى كل تعاملاتنا اليومية.. عندنا إحساس مزمن بأننا فريسة سهلة لاستغلال وجشع وفساد الآخرين. ننتظر الغدر والنصب ونتوقع الأسوأ دائما من العوام والبعيدين.. نحيط أطفالنا بأسوار من الخوف والقلق ونربى فى عقولهم الصغيرة الرهبة من المجتمع والشارع، نعلمهم أن كل الغرباء مقلقون وأن كل من لا نعرفهم قد يكونون مجرمين !! نصنع فجوة تتسع كل يوم بين طبقات المجتمع وفئاته, الفقراء محبطون والأغنياء متأففون والمستورون خائفون.. افتقدنا حلاوة الشارع المصرى وابتسامة أهله وأمانه. خسرنا فجأة دفء المجتمع وتلاحمه وتراحمه.. فكرة أبواب البيوت المفتوحة أصبحت خرافة وصفات الشرف والنبل والأمانة أصبحت غالية ونادرة التداول.. الكرم والشهامة والنخوة ضاعت أو سقطت وما عدنا نصدق أنها موجودة بيننا.. 
 
ولكن هل نحن بهذا السوء؟!.. هل انطباعاتنا المخيفة عن بعضنا البعض صادقة؟!.. هل الخوف الذى نعلمه لأطفالنا له مبررات حقيقية؟!.. هل اختفت صفاتنا الجميلة التى طالما تغنى بها أجدادنا؟! أم أننا نبالغ فى تقدير كل ذلك.. 
 
منذ عقود طويلة والمصريون يبحثون فى سبب هذه التحولات.. عشرات المفكرين والكتاب وعلماء الاجتماع وصفوا وشرحوا أسباب هذه التغيرات المتلاحقة. بعضهم أشار إلى أنها بدأت منذ الخمسينيات مع ثورة يوليو التى مكنت الفقراء من حقوقهم على حساب الأغنياء وما نتج عنه من اضطراب اجتماعى للعديد من الطبقات الميسورة والغنية فى هذا الوقت خاصة بعد انتشار الفكر الاشتراكى.. والبعض أرجعها لمرحلة الانفتاح فى السبعينيات وما صنعته من تخبط اجتماعى بين ما أطلق عليه ثقافة الغوغاء وثقافة الصفوة, وآخرون قالوا إن أهم أسبابها فتح أبواب الهجرة لدول الخليج ودخول أفكار جديدة وضعف الانتماء.. وبعضهم ألصقها فى الرأسمالية الغاشمة التى عشناها منذ أواخر التسعينيات.. على أى حال التغيرات العنيفة التى شهدها هذه المجتمع تتحمل كل هذه الأسباب وأكثر.. وإن كنت أتصور أن هناك عوامل مباشرة قد تكون من الأسباب الرئيسية لحالة القسوة التى نعيشها الآن.. صفات من المفترض أن تكون فى الإنسان حتى يعيش بشكل أفضل ويتقبل من حوله بأريحية ورحابة صدر.. منها مثلا «الرضا» فنحن نادرا ما نشعر بالرضا عن أحوالنا أو أولادنا أو شوارعنا أو أرزاقنا ومع هذا الشعور الدائم بالتذمر نادرا ما نبذل مجهودا لتغيير أحوالنا، ونكتفى بالتباكى واليأس والتشاؤم وتبادل الطاقة السلبية والتفنن فى تشويه كل شىء لنا أو حولنا.. وأيضا الفضيلة, هذه الكلمة اختفت فجأة من معجمنا اللغوى واستبدلنا بها هذا رجل غنى أو هذه سيدة ذات نفوذ أو هذه أسرة من أصحاب الأملاك.. كنا نتباهى قديما بالأخلاق الآن نتباهى بالأملاك ونسينا تماما أن قيمة الأخلاق والفضائل أعلى بكثير من قيمة المال حتى إن كلامى هذا قد يدعو البعض للسخرية ولكنها حقيقة لا نقاش فيها مهما تلاعب بعقولنا الزمان.. يجب أن نقتنع أن الأخلاق أهم من المال وأن نتعامل على هذا الأساس لأن المجتمع تحول إلى سوق سوداء كل ما فيه يخضع لحسابات البيع والشراء.. وللحديث بقية.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

صاحبة الأنامل الذهبية.. أمنية صبري عازفة آلة القانون.. صاحبت العديد من كبار المطربين والمطربات.. عزفت أمام الرئيس.. شاركت الطلبة فرحتهم في حفلات التخرج.. ونالت الجوائز المحلية والعربية العربى.. صور

6 مواهب تتنافس على جائزة أفضل لاعب شاب لعام 2025 فى إنجلترا الليلة

محاكمة تشكيل عصابي بتهمة النصب على المواطنين فى عابدين

أسرع قطارات السكة الحديد.. اعرف مواعيد قطار تالجو

"الوطنى الفلسطينى" يشيد بالمواقف الدولية الرافضة لمخططات التهجير القسرى للفلسطينيين


صراع سداسي.. محمد صلاح ينافس على جائزة جديدة فى إنجلترا اليوم

بيلا رامزي تُرشح نفسها لتقديم هذه الشخصية.. فما هى؟

ماكرون يدعو لتشديد العقوبات على روسيا حال فشلت الدبلوماسية

موعد مباراة الزمالك ومودرن سبورت فى الدوري المصري والقناة الناقلة

دولة التلاوة.. أضخم مسابقة قرآن بتاريخ مصر بالتعاون بين الأوقاف والشركة المتحدة


محاكمة المتهمين بسرقة طالب بالإكراه فى حدائق القبة اليوم

خالد كمال ودنيا ماهر وخالد أنور ينضمون لمسلسل قسمة العدل مع إيمان العاصى

موعد مباراة الأهلي وغزل المحلة فى الدوري المصري والقناة الناقلة

وفاة الطفل الفلسطيني صاحب عبارة "أنا جعان".. مأساة ترصدها الصور

ما بين الطمأنينة والقلق.. تطورات الحالة الصحية للمطربة أنغام

وداعًا الموجة الحارة.. درجات الحرارة غدًا وفرص سقوط أمطار قد يصاحبها الرعد

بعد فضيحة السداسية.. أكبر هزائم فى مسيرة نيمار الكروية

بتوقيت 2028 الحلقة 3.. فضيحة علنية فى فيلا المزرعة واتهامات بالخيانة تهدد الزواج

تعرف على ترتيب قادة الأهلي بعد وصول الشارة لـ مصطفى شوبير

ذكرى عرض صعيدى فى الجامعة الأمريكية.. يوسف شاهين عرض على هنيدي فيلم سيرة ذاتية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى