رحلت وذهب معها الصباح

جهاد الدينارى
جهاد الدينارى
بقلم: جهاد الدينارى
وجه أبيض ممتلئ قليلاً، له رسمة دائرية وعيون لا تستطيع أن تحدد معالمها المختبئة وراء نظارة صغيرة تعكس الأضواء المحيطة بقاعة الزفاف، وفم ينطبق عليه مصطلح "خاتم سليمان" وابتسامة هادئة واثقة، وجسد تسوده علامات الصبر وتحمل المسئولية، تزينه عباءة بيضاء، وحجاب طويل ملفوف بطريقة غير اعتيادية، ويد ناعمة سلمت علىَّ برفق، هكذا ظللت احتفظ  بصورة غير واضحة مشوشة ملامحها لمدة 4 سنوات لسيدة ستينية قابلتها صدفة فى زفاف أحد الأصدقاء، ولم أكن أعلم أنها ستكون المقابلة الأولى والأخيرة لنا فى الواقع.. ولكن ليست الأخيرة أبدًا فى عالم موازٍ.
 
مر أقل من عام منذ تلك اللحظة التى قابلت فيها هذه السيدة ولم أكن أعلم أننى سأقترب منها إلى الحد الذى يجعلنى أتزوج ابنها، وأكون إحدى بناتها، فالقدر لعب لعبته، وكما يقولون لم أسلم من سهم كيوبيد والتقيت أنا وابنها الأكبر، وبدأ تخطيطنا للزواج وحان الوقت لأقابلها للمرة الثانية حتى أشبع عينى منها فى هذه المرة، ولكن دائمًا مواعيد الأطباء التى كانت تخضع للعلاج عندهم كانت تتدخل فى اللحظة الأخيرة وتمنعنى من اللقاء.
 
وعلى الرغم من بعد المسافات إلا أن الهاتف كان الوسيلة الأفضل للتواصل، 4 مكالمات فقط جعلتنى اقترب من تلك السيدة التى انتقلت بحركة انسيابية لا تشعر بها أبدًا من لقب "حماة" إلى منزلة "أم" فوجدت نفسى أناديها بـ"ماما" ووجدتها تقابلنى بحب وحنان بدون حساب. 
 
أتذكر كل كلمة دارت فى كل مكالمة دون مبالغة، أتذكر المكالمة الأولى التى كانت بمثابة تعارف، وأتذكر المكالمة الثانية التى جاءت على سبيل التوصية بابنها الأكبر الذى سيكون زوجى، أتذكر كلماتها وهى تقول لى "هو عصبي بس طيب، خلى بالك منه أنا ما صدقت إنى أفرح به". 
 
أما المكالمة الثالثة فكانت عبارة عن مجموعة من التمنيات التى تبادلناها وأتذكرها جيدًا:
 
أنا: لازم نعيش معاكى يا ماما فى البيت مش هنسيبك، أنا فعلا بتمنى أعيش معاكى وعارفة قد أيه هنتبسط.
 
هى: لا يا بنتى خليكوا فى بيتكوا على راحتكوا وابقوا تعالوا زوروني، أنا أهم حاجة عندى تكونوا مبسوطين، وأنا مش عايزة أى حاجة من الدنيا غير أنى أشوف فرحكوا وبعد كدة أموت.
 
كانت هذه المكالمة قبل الأخيرة، كأنها كانت تشعر وقتها بأنه حان ميعاد إنهاء الرحلة وكانت تتمنى فقط أن تطول بها المدة فقط لترى زفافنا. 
 
تمر أيام قليلة وتأتى المكالمة الأخيرة التى اتفقت معها أن نذهب للطبيب سويًا، لتكون هذه المرة الأولى التى أراها بها، ولكن القدر أصر على أن تختزل ذكرياتى معها على صوتها فى الهاتف، فبالفعل كان معاد الطبيب غدًا وساعات قليلة تفصلنا عن اللقاء، لكن فوجئت بمكالمة خامسة جاءت لتطيح بأحلامى وأمنياتى فى أن أراها مرة ثانية. 
الوقت متأخر ربما تكون الساعة الثامنة مساءً، اليوم 3 ديسمبر 2015، هاتفت خطيبى وقتها لأطمئن عليه، فرد عليَّ ولكن بما لا تشتهيه أذنى.
 
أنا: ألو يا حبيبى أنت فين وعامل أيه؟
هو: أمى ماتت يا جهاد 
انتهت المكالمة وانتهت معها علاقتي بهذه الأم التى لم أرها يومًا، وانتهى معها أى أمل فى رؤيتها ولو بضع ثوانٍ، انهرت دون أن أدرى لماذا كل هذا الحزن وأنا علاقتى بها لم تتخط الـ4 مكالمات.
 
حضرت مراسم الدفن والعزاء وأقدامى لم تستطع أن تحملنى وتوازنى يهددنى بالسقوط، ودموعى تسيل دون تقف لدرجة جعلتنى أخشى أن يتهمنى المحيطون بالادعاء وسيكون معهم كل الحق وقتها، فالعلاقة بيننا لم تبدأ من الأساس حتى تترك لى ما يستحق الحزن، لكن الأمر بالنسبة لى كان أكبر من أن أشرح أو بمعنى أصح لا يمكننى أن أوضحه لأننى حتى لا أفهمه ولا أدرك من أين جاء هذا التعلق؟.
 
لكن هذه الحيرة لم تنل منى كثيرًا لأننى أدركت فيما بعد أن هذا الحب تجاه تلك السيدة، لم يكن بيدى أو باختياري فهى من اختارتنى.. نعم هى من اختارتنى وقررت أن أعيش معها حتى وإن لم يكن القرار بيدها فى أن تقابلنى فى الواقع، إنما قررت أن تلقانى فى عالم موازٍ، ولم تتوقف أبدًا عن زيارتى فى منامى لمدة 3 سنوات منذ رحيلها، لم تتوقف نصائحها لم يتوقف عتابها، لم يتوقف دعاؤها، حتى مكالمتها التليفونية لم تتوقف فما زالت تهاتفني فى أحلامى وما زالت تتواصل معى وجدانيًا.. فأصبحت متأكدة من أنها تشعر بى دائمًا تشعر بما فى قلبى حاليًا، تدرك ما فى عقلى، ترانى الآن وأنا أكتب هذا المقال لها، تتذكر معى التفاصيل التى سردتها وتعلم صدقى تجاهها، وأنتظر منها أن تقول لى رأيها، هل أعجبتك كلماتى يا أمى؟ هل ستزوريننى قريبًا لتقولى لى رأيك؟ أعلم أنكِ ستفعليها قريبًا وانتظرك ليلاً فى منامى طالما أنتِ رحلتى ورحل معكِ "الصباح".     
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

داكوتا جونسون.. كيف جمعت نجمة Fifty Shades of Grey ثروتها بعيدا عن التمثيل؟

طائرة خاصة لمنتخب مصر للسفر 7 سبتمبر لمواجهة بوركينا في تصفيات المونديال

ريبيرو يناقش مع جهاز الأهلى موقف محمد الشناوي من مباراة غزل المحلة

مستوحى من أحداث حقيقية.. تفاصيل فيلم ايجى بست بعد انطلاق تصويره

فيريرا يراهن على ثبات تشكيل الزمالك وتجانس الصفقات أمام فاركو


طلاب الثانوية العامة دور ثان يؤدون امتحان الأحياء والإحصاء والرياضيات

انطلاق الجولة الرابعة لمسابقة الدوري المصري غدا بـ 3 مواجهات قوية

الطقس اليوم.. ارتفاع طفيف ومؤقت فى درجات الحرارة والعظمى بالقاهرة 38 درجة

اتحاد الكرة يطالب بحضور السعة الكاملة لاستاد القاهرة في مباراة إثيوبيا

قالوا وقلنا.. حملة لدار الإفتاء للرد على شبهات الاحتفال بالمولد النبوى.. هل المحبة تكون بالقصائد الشركية والرقص والغناء والموسيقى فى المولد النبوى؟.. وهل كانت تُضرب الموسيقى والطبول والنوبات والكشاكيش؟


هل تفلت هدير عبد الرازق من الحبس.. تعرف على موعد الحكم عليها

قطار تالجو.. مواعيد الرحلات على خطوط السكة الحديد

غدا.. انطلاق الدورى المصرى للكرة النسائية بمشاركة 16 فريقا

تغير المناخ يعصف بأوروبا.. احتراق أكثر من 2 مليون فدان فى أسوأ موسم حرائق فى تاريخ القارة.. بعد صيف لاهب توقعات بشتاء قارس ويناير 2026 الأبرد.. انتشار أمراض غير مسبوقة ينقلها البعوض.. وانبعاثات الكربون كارثية

مواعيد القطارات على خط القاهرة أسوان والإسكندرية أسوان والعكس اليوم السبت

وفاة الفنانة المعتزلة سهير مجدى

"غيابات بالجملة"..موعد مباراة الأهلى أمام غزل المحلة بالدوري المصري

اليوم غلق باب التقديم على فرص عمل فى السعودية بمرتبات 80 ألف جنيه شهريا

رادار المرور يلتقط 1012 سيارة تسير بسرعات جنونية فى 24 ساعة

موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى