سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 8 ديسمبر 2012.. دفن عمار الشريعى إلى جوار والده وجده فى مسقط رأسه بـ«سمالوط - المنيا» تنفيذاً لوصيته

عمار الشريعى
عمار الشريعى
عاش عمار الشريعى فى القاهرة ومنها انطلقت شهرته، لكنه أوصى بدفنه فى مسقط رأسه بمنشية الشريعة مركز سمالوط محافظة المنيا، بجوار والده وجده وأعمامه والسابقون من أشقائه، وفى يوم 8 ديسمبر- مثل هذا اليوم 2012 عاد الجثمان.
 
كانت وصيته بدفنه فى قريته بمثابة تأكيد ختامى منه لانتمائه لتلك البيئة التى أنجبته، وتربى فيها وتأثر بها، فجعلت منه هذا الإنسان المعجون فى تراب مصر، والمبدع الاستثنائى الذى انتصر بإرادته على الصعاب.
 
قال لى فى لقائى الأول به عام 1996: «شوف يا سعيد، تقدر تقول إن أنا عشت على ركبتى المجتمع المصرى، الركبة الفقيرة، والركبة الغنية، الاثنين دلعونى، الركبة الغنية هى عائلتى، فأنا من عائلة تقدر تقول عليها «إقطاعية» من الصعيد، لكن بالمعنى الجيد للإقطاع، فلم أر واحدا فيها يعلق فلاحا ويضربه بكرباج، أنا شفت أمى تعرف ستات البلد كلهن، تعرف كل أخبارهن، ليس من باب النميمة وعجن الستات، ولكن من باب الاهتمام بأحوالهن ومعرفة ظروفهن الاجتماعية.
 
أبويا قصة كبيرة، أنا شفته بيجيب أثواب القماش ويوزعها على الناس بانتظام، كان بيعمل كده من باب مسؤوليته عنهم، وليس من باب المباهاة، هو فى الأصل لم يكن يحتاج إلى فشخرة، أبويا كان تركيبته صلبة جدا أثرت فى تكوينى شخصيتى ونظرتى إلى الحياة، كان يحب جمال عبدالناصر جدا، هو تعلم فى جامعة السوربون بفرنسا ثلاث سنوات، واضطر إلى العودة لمصر لوفاة والده «جدى»، يمكن عشان كده اتزرع فيه بذرة الفكر التقدمى جدا، وجزء كبير من هذا الفكر انتقل إلى شخصيتى.. تقدر تقول إن أحد أبعاد شخصيتى كان يتشكل بما أحكيه لك عما كان يحدث فى هذه البيئة العائلية التى تربيت فيها، بالإضافة إلى ما كان يدور فى المدرسة، وكان هناك بعد آخر يتشكل ويعود إلى اهتمام المدرسة نفسها، فلم تكن هناك خطة مؤكدة لاستكمال تعليم المكفوفين.
 
أكاد أقول إنه لم يبدأ التفكير الجدى فى تعليمنا إلا عندما زار مدرستنا الرئيس جمال عبدالناصر عام 1957، وكتب مقدمة خاصة لكتابه «فلسفة الثورة» فى طبعته الخاصة بـ«البريل» لنا، قال فيها: «الثورة لا تعرف معنى العجز، كل ميسر لما خلق له»، ولما رئيس الدولة بحجم وقمية جمال عبدالناصر يزور المكفوفين فى مدرستهم، فهذا يعنى أن كل الأبواب سيتم فتحها لهم، وسنكون جزءا من هذا المجتمع الذى يعيش تحولاته الكبرى.. ولأنى كنت من الطلاب الحلوين جابونى وقتها عشان أسلم على عبدالناصر، سلمت عليه فشعرت إنى كبير وكبير قوى.. الشعور ده كان شعور كل جيل المكفوفين المتعلمين، والذين يملأون أماكن كبيرة الآن، أعتقد أن كلهم مدينون لجمال عبدالناصر وثورة يوليو 1952 فى تعليمهم».
 
يضيف عمار: «لم نكن نعلم إلى أين سنذهب بعد التعليم الابتدائى؟. كان التوقع أن يتم توزيعنا على جامعة الأزهر، أو معهد الموسيقى، أو الاتجاه المهنى لنتعلم صنعة يدوية، نعمل بعدها فى مصانع خاصة بالمكفوفين، كان «الاتجاه المهنى» هو آخر الاختيارات، لكن كل هذا كان يعبر عن اهتمام قوى من الدولة بمصيرنا، كانوا بيعملوا فرز، وأول فرز يكون لمواهب المزيكا، ويحضر مفتش من الوزارة لإجراء اختبارات على البيانو، واللى ينجح ينقلوه إلى شعبة الموسيقى، وهذه الشعبة كانت صورة مصغرة من معهد الموسيقى.. وأنا فى سنة رابعة كنت أقرأ وأكتب نوتة موسيقية، وكنت أدخل مسابقة بيانو، ولما قابلت العظيم كمال الطويل وأنا فى سنة خامسة ابتدائى قال لأبويا: «ابنك ده كأنه متخرج من معهد الموسيقى، حتى خريجى المعهد لا يقدرون على الوقوف أمامه».
 
يتذكر عمار رافد آخر ساهم فى تكوينه وقتئذ: «ساهم» البرنامج الثانى «فى الإذاعة فى تكوينى الثقافى.. أنا اتربيت على أصوات وبرامج حسين فوزى، بهاء طاهر، صلاح مرسى، يوم الثلاثاء أسبوعيًا كنا نجلس حول الراديو للاستماع لمسرحية، ولو علقت مسرحية معانا تبقى مشكلة فى المناقشات بعد ذلك، أتذكر «مأساة جميلة» لعبدالرحمن الشرقاوى، و«ميراث الريح»، و«وفاة وكيل بائع متجول» لأرثر ميلر.
من مرحلة إلى أخرى انتقل عمار الشريعى حتى أصبح هذا الذى عرفناه وأحببناه، ولما سألته: أنت امتداد لمين؟، أخذ نفسا عميقا ثم أجاب: «ستجد فوق أكتافى، السنباطى، عبدالوهاب، الطويل، الموجى، فريد الأطرش، محمود الشريف، زكريا أحمد، بليغ حمدى وغيرهم.. كل الذين أحببتهم هتلاقيهم يمتلكونى فى وقت من الأوقات، وفى وسط هؤلاء أعرف أطلع أنا، كل هؤلاء آبائى، عارف قيمتهم، عارف إن أنا أمام 50، 60، 70 سنة أو أكتر موسيقى، فيها تجديد وتحدى، فيها فهم لكل واحد منهم لمقتضيات عصره، وإزاى تكون هذه الموسيقى معبرة عن عصرها دون أن تفقد أصالة حضارتها وبيئتها، والحصيلة كانت خلطة موسيقية رائعة، أنا امتداد لكل هؤلاء، لكن عينى على أن أكون عمار الشريعى اللى الناس عرفته».
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

غدا.. انطلاق الدورى المصرى للكرة النسائية بمشاركة 16 فريقا

للزوجات مع اقتراب موسم الدراسة.. من يملك قرار التعليم بعد الطلاق؟

3 سبتمبر.. انطلاق الجزء الثانى من ثانى مواسم مسلسل Wednesday لجينا أورتيجا

تغير المناخ يعصف بأوروبا.. احتراق أكثر من 2 مليون فدان فى أسوأ موسم حرائق فى تاريخ القارة.. بعد صيف لاهب توقعات بشتاء قارس ويناير 2026 الأبرد.. انتشار أمراض غير مسبوقة ينقلها البعوض.. وانبعاثات الكربون كارثية

هيثم شعبان يعلن اليوم قائمة الطلائع لمواجهة الإسماعيلى فى الدوري


تفاصيل التحقيق مع تشكيل عصابى بتهمة سرقة هواتف المحمول

السبت.. دار الإفتاء تستطلع هلال شهر ربيع الأول لعام 1447 هجريا

الإضرابات عرض مستمر فى بريطانيا.. عمال مترو لندن يبدأون إضراباً فى سبتمبر.. العاملون بإيرباص يقررون الإضراب للمطالبة بزيادة الأجور.. وتحركات مرتقبة من الأطباء والممرضين.. والخسائر قد تصل إلى ربع مليار استرلينى

وفاة الفنانة المعتزلة سهير مجدى

معابد مونتو الأثرية فى الطود والمدامود تقترب من رحلة العودة للحياة بحملات تطوير وتجميل شاملة.. محافظ الأقصر يتفقد أزماتها ويتابع حل مشكلاتها على أرض الواقع.. ويؤكد: ستكون جاهزة قريباً لإدراجها بخارطة الزيارات


تارا عماد تفاجئ جمهور حفل ويجز.. وتشاركه أغنية "أميرة" فى مهرجان العلمين

بايرن ميونخ يسحق لايبزيج بسداسية نظيفة في افتتاح الدوري الألماني.. فيديو

موعد انطلاق العام الدراسى الجديد بالمدارس الدولية والرسمية

مصادر إسرائيلية: الجيش بدأ خطة احتلال غزة ووسع عملياته في جباليا والزيتون

اختبار طبى لـ"جريندو" فى تدريبات غزل المحلة لتحديد موقفه أمام الأهلى

حصاد الرياضة المصرية اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025

حسام حبيب ينفى عودته لشيرين والمطربة تتوعد محاميها السابق ببيان

الزمالك يدعم فريق السيدات بضم ثلاث صفقات جديدة

محامي شيرين يطالب وزير الثقافة ونقابة الموسيقيين بإنقاذها بعد أنباء عودتها لحسام حبيب

السجن 10 سنوات لمالك محلات تجارية شهير متهم ببيع أجهزة تابلت التعليم

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى