خالد صلاح يكتب: مراكز الدراسات الغائبة فى مصر

خالد صلاح
خالد صلاح
جامعة-القاهرة
 
لا توجد أمة بدون معامل تفكير قوية «Think Tanks»، تتمثل فى مراكز الدراسات والأبحاث التابعة للجامعات والمؤسسات العلمية والصحف، أو تلك القائمة بذاتها كمؤسسات مجتمع مدنى تعمل على جمع وتصنيف المعلومات وإعداد الدراسات والبحوث التى تناقش قضايا الحاضر، وتحلل مشكلات المجتمع والدولة، أو تجرى دراسات مستقبلية تؤهل فيها الإدارات السياسية للدول على تصور مشكلات المستقبل، ووضع حلول استباقية لهذه المشكلات لتكون الأمم مستعدة لعواصف الزمن أو تغيرات الجغرافيا أو تقلبات الصراعات الإقليمية والدولية.
 
قل لى أنت، ما مراكز الدراسات الحالية التى يمكن أن نضع فيها هذه الثقة بالكامل، أو تقوم بهذا الدور على الوجه الأكمل؟
 
فى الماضى كانت لدينا بعض المؤسسات التى أتيح لها تمويل ملائم، مثل مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى الأهرام، ثم طرأ على المركز موجات من حقبة التمويل الخارجى للأبحاث، ثم بدأ هذا التمويل الخارجى ينفصل عن المركز الأم ويميل بعض الباحثين إلى تأسيس مراكز دراسات مستقبلية معتمدة على التمويل الخارجى، وبدلا من أن يتدفق التمويل على مؤسسة كبرى لتنمو وتزداد ازدهارا، فضل بعض الباحثين فى هذا المركز أن يستقلوا بمشروعات ومراكز صغيرة لم تظهر لها بصمة حقيقية علمية، أو حتى إعلامية، كما بدأت هذه المراكز تعمل فى خدمة جهات التمويل فتناقش القضايا التى يظن الممولون أنها الأولى بالرعاية.
 
لم يعد مركز الدراسات هو هذه المنارة العلمية الساطعة التى كان الناس تنظر إليها بكل التقدير فى الماضى، ولم تعد المراكز التى أسسها باحثون فى هذا المركز بتمويلات خارجية لها أى قيمة بعد أن نظرت إلى البحث العلمى «كوظيفة تدر دخلا كبيرا»، وليس كدور وطنى ينير للأمة ظلمات الحاضر والمستقبل، والنتيجة أننا لم نعد نرى دراسة وافية شاملة وجامعة ومانعة لأى من قضايانا بعد 30 يونيو مثلا، ولم نعد نرى قامات علمية تؤسس آراءها السياسية والاقتصادية على منهج واضح يعتصم به قادة الرأى ونواب البرلمان والصحفيون والكتاب وغيرهم من الذين يمارسون العمل العام، أو يتولون عملية الاتصال الجماهيرى بصوره المختلفة.
 
النتيجة أننا نعمل وننشر ونكتب ونتكلم أكثر مما نفكر فى الحقيقة.
 
نتحرك أكثر مما نتأمل، نصرح أكثر مما ندرس، نكتب آراء فى الصحف، أو نعلن، نشارك فى الصخب التليفزيونى أكثر مما نقف أمام حقيقة أو معلومة أو دراسة علمية محايدة تصنف لنا الحقائق، أو تتأمل لنا الحاضر، أو تضع سيناريوهات حركة الأمة فى المستقبل.
 
والنتيجة أيضا أن مراكز الدراسات الغربية فتحت على بلادنا بورصة «الدراسات مدفوعة الأجر»، و«الأبحاث سابقة التجهيز حسب رغبة الممولين أيضا»، دون أن تكون لدينا مراكز دراسات مستنيرة ووقورة ولها حضور دولى فاعل ومصداقية فى الأوساط الأكاديمية يمكن الاستنصار بها، أو الاستناد على بياناتها، أو المواجهة بما توصلت إليه من نتائج علمية.
 
نحن فى حاجة إلى إعادة نظر فى أوضاع مراكز الدراسات المصرية، خاصة فى المؤسسات الوطنية، مثل مركز الأهرام للدراسات الذى تعلمنا فى مدرسته فى الماضى، ونحن فى حاجة أيضا إلى توجيه كثير من التمويل الوطنى الموجه للإعلام نحو تأسيس مراكز دراسات حقيقية، لا مشروعات وظيفية وهمية، أو «سبوبة» متطورة تحت مسمى علمى، وهى فى الحقيقة لا تختلف عن الصحف العامة بأجندتها الصاخبة بالتفاصيل والاشتباكات.
 
نحتاج لمن يفكر معنا، ويفكر لنا، ونحتاج لمن يدرس لنا السيناريوهات، ويضع جداول المقارنات بين ما كنا عليه، وما نحن عليه، وما ينبغى أن نكون عليه، نحتاج إلى عقول تكشف لنا الطريق على صعيد كل مؤسسات الدولة، وعلى صعيد المجتمع بقطاعاته المتعددة، نحتاج لمراكز تعمل بقواعد علمية كمنارة حقيقية كاشفة للأمة.
 
مراكز الدراسات ومعامل الفكر ليست عملا ترفيهيا فى أمة مثقلة بالتحديات مثل أمتنا، والاستثمار فى هذا النوع من المراكز هو استثمار يؤتى ثماره بقوة، ويمنع أزمات محتملة، ويساهم فى تطوير أداء الدولة والمجتمع.
 
تعالوا ندرس كيف أثر التمويل الخارجى على وضع مراكز «كانت مرموقة» فى الماضى.
 
وتعالوا نذاكر كيف يمكن أن نؤسس مراكز دراسات تكون مصر ومصالحها العليا على رأس أجندة أولوياتها فى العمل.
 
 وتبقى مصر من وراء القصد.
 
دكتور-وحيد-عبد-المجيد
 

 

مقال خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

طلاب الثانوية نظام قديم يتوافدون على لجان امتحانات الجيولوجيا والجبر وعلم النفس

إدارة الزمالك تطالب جون إدوارد بتوفير 30٪؜ من ميزانية الكرة

طرح بيض المائدة بمنافذ وزارة التموين.. اعرف الأسعار

توافد طلاب الثانوية العامة بالجيزة على اللجان لأداء امتحان الرياضيات البحتة

يوم واحد على الظهور الأول لسائق حادث الطريق الإقليمى.. تعرف على عقوبته


ريال مدريد يصنع التاريخ فى كأس العالم للأندية.. وجارسيا يحقق إنجازا مميزا

وداعا للبلطجة.. محافظة القاهرة تطبق منظومة جديدة لتقنين وضع السايس.. فيديو

محمد عواد حارس مرمى الزمالك يحتفل بعيد ميلاده الـ"33" اليوم

الزمالك يجدد عقد عبد الله السعيد لمدة موسمين

موعد مباراة ريال مدريد ضد باريس سان جيرمان فى نصف نهائى مونديال الأندية


زى النهارده.. منتخب مصر يخسر من جنوب أفريقيا واتحاد الكرة يقيل أجيري

فرص عمل للصيادلة بمرتبات شهرية تصل إلى 9400 جنيه.. تفاصيل

ريبيرو يدرس إعادة نظام الدور فى حراسة المرمى بالأهلى

أخبار الرياضة المصرية اليوم السبت 5 – 7 – 2025

الداخلية تكشف تفاصيل إشهار شخص بمطعم سلاح أبيض

تحذير عاجل من الأرصاد الجوية لهذه المحافظات خلال الـ48 ساعة المقبلة

بعد موجة الحر الشديدة.. اندلاع حرائق غابات جنوب فرنسا

الأرض تدور أسرع.. استعدوا لأقصر أيام فى التاريخ خلال صيف 2025

فاضل 227 يوم.. تعرف على موعد شهر رمضان 2026

ارتفاع عدد ضحايا فيضانات تكساس إلى 27 قتيلا بينهم 9 أطفال

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى