مولد الرأسمالية المعاصرة

د.أيمن رفعت المحجوب
د.أيمن رفعت المحجوب

كان العالم حتى منتصف الثمانينيات يتجاذب نحو تياران أحدهما يجمح به نحو اليمين والثانى يشده إلى اليسار، وما بين الرأسمالية والاشتراكية، كان ركب الإنسانية يسير حائراً متعثراً، لكن كل هذا مضى إلى طيته، حينما سقط الاتحاد السوفيتى على يد "جورباتشوف"، إلا أن العالم ما زال يبحث عن قبس أسمى، ومثل أعلى، وعالم أفضل، تغدوه الرغبة فى العدالة الاجتماعية، ونشدان الحقيقة، واحترام الكرامة الإنسانية.

 

وحيث إن السواد الأعظم من سكان العالم الآن يتجاوزون مرحلة الرأسمالية بصورتها المعاصرة، أو يقاربونها، فقد كان لزاماً علينا أن نتابع سير "الرأسمالية المعاصرة" وندرس منحنى تطورها من أوائل التسعينيات إلى الآن، وما دخل عليها من ضغوط، لكى نستكمل الإحاطة بواقع الإنسانية والمعاش، إذ أنه عن طريق دراسة الواقع، تتسنى لنا أن نحدث بما يجب أن يكون عليه المستقبل، وعلى هذا الأساس يصبح فى إمكاننا إنارة السبيل أمامه إرساء دعائم "نظرية شمولية جديدة" مستمدة من واقعنا متفق مع تراثنا وقابلة للتطبيق على مجتمعاتنا ومستوعبا لطموحاتنا.

 

من سمات الرأسمالية المعاصرة اقتصاديات الوحدات الكبيرة تلك القوة الجبارة التى فككت وأعادت تركيب العلاقات الاقتصادية، فمسخت كل العلاقات التى كانت تقوم على أساس من العادات والتقاليد والعواطف الإنسانية بين العامل وصاحب العمل، أو أى علاقة لا تستند إلى اعتبارات "الربح والخسارة"، حيث إن الميل الرئيسى فى الأسواق يتألف من عدد كبير من البائعين، يقابله عدد كبير من المشترين، وكل شىء سلعة، أى قابلاً للإنفاق والصرف والاستبدال، ووضع لافته "للبيع" على كل شىء فى العالم، وجعل "النقود" الرابط الوحيد المتبقى بين رجال الاقتصاد الفرديين.

 

وحيث إن "مصطلح المنافسة" أصبح عنصر إذابة وتفتيت للعلاقات الإنسانية، ما لبث أن ولدت نتائج عكسية، إذ أخذت تبنى علاقة مستحدثة، ونظماً جديدة، فغدت قوة دمج وتركيز. إذ قامت عملية التنافس هذه - بقوتها الذاتية الكاسحة - بخلق وحدات إنتاجية أكبر حجماً وأقل عدداً من خلال ما يعرف بنظام الاندماج والاستحواذ لتستعملها فى معركة التنافس، إذ أثبتت الوحدات الكبرى أنها أقدر على الثبات فى هذه المنافسة غير الشريفة.

 

ومر هذا التطور بمراحل من الحرفى الفردى، والتاجر الفردى إلى الصناعى الفردى والذين أخذوا يخسرون فى ميدان التفوق والتبريز، إلى الشراكة، ثم انهزمت هى الأخرى أمام الشركة المساهمة وأخيراً برزت الشركات العملاقة عابرة القارات والاتحادات، فأصبحت تتولى صناعة كبرى أكثر من عشرة أو احدى عشرة شركة بصورة اتحادات أو كارتيلات . مما أفضى إلى أن مثل هذه الوحدات العملاقة هى الان المسيطرة على اقتصادياتنا المعاصرة، وهؤلاء الأشخاص المأساوية الحاسمة هم من يتحكموا فى مصائد الشعوب حول العالم، يقيموا حرب أو ينشروا السلام، ينشدون العدل الاجتماعى أو القهر الإنسانى، ليقولوا لنا نحن بنى أدم، مؤسساتنا العملاقة فى كل عالم الرأسمالية الثلاث : أمريكا وأوروبا وأسيا، هى ربكم الأعلى فى الأرض.

 

* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تميم وترامب: اتفاقيات تاريخية ترفع العلاقات القطرية الأمريكية لأعلى المستويات

مصر تتعرض لزلزال بقوة 6.3 ريختر.. البحوث الفلكية: مركزه جزيرة كريت النشطة زلزاليا بالبحر المتوسط.. عمقه ساهم فى شعور سكان الدلتا به.. والزلازل العميقة أقل ضررًا على سطح الأرض.. وتوابعه ضعيفة وغير مؤثرة

لاستيعاب الكثافة المرورية.. مجلس الوزراء يوافق على طلب لمحافظة الجيزة

هيئة الأرصاد تكشف حقيقة تعرض مصر لـ العاصفة شيماء

وزير التعليم يعلن إعادة إطلاق اختبار "SAT" رسميًا فى مصر بداية من يونيو 2025


وزارة التعليم: إضافة 20% من درجات العربى والتاريخ بالثانوية الدولية للمجموع

سفير قطر بواشنطن: زيارة ترامب تعزز جهود الوساطة المصرية القطرية لإنهاء حرب غزة

انقضاء دعوى تشاجر المخرج محمد سامى ومالك مركز صيانة بالتصالح

رسالة عاجلة من وزارة الخارجية للمصريين المقيمين في ليبيا

مواعيد مباريات الزمالك القادمة فى الدورى


دفاع الفنان محمد غنيم: إنهاء إجراءات إعادة المحاكمة وحبس موكلى لحين تحديد جلسة

مواعيد امتحانات الفصل الدراسى الثانى 2025 لطلاب الجيزة

قصر ترامب الطائر.. "NBC": أعمال تحويل طائرة قطر لرئاسية تكلف أمريكا مليار دولار

الإدارية العليا تلغى حكم أول درجة بشأن تابلت طلاب الثانوية: عهده ويجب إعادته

بيراميدز يكشف حقيقة الحصول على توقيع رامى ربيعة

وزارة الداخلية تضبط قضية غسيل أموال بقيمة 280 مليون جنيه

الزمالك يدرس تظلم زيزو على العقوبات الانضباطية

منتخب الشباب يختتم استعداداته لمواجهة المغرب في نصف نهائي أمم أفريقيا

حدث ليلا.. تغطية شاملة لزلزال اليوم بقوة 6.4 ريختر: كان قويًا نسبيًا

ميلان يتحدى بولونيا فى نهائى كأس إيطاليا 2025.. الليلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى