السقف

كريم عبد السلام
كريم عبد السلام
بقلم: كريم عبد السلام
نعيش فى بيتنا العتيق بوسط البلد ، بيتنا الذى نعتز به كثيرا ، ونفخر بأننا لم نضطر إلى مغادرته حتى فى أحلك الظروف ، فى زلزال 1992 تشبثنا بالجدران وكأننا نسندها ولم يداخلنا الخوف على حياتنا ، بل خشينا أن يتصدّع بيتنا الذى عشنا فيه أجمل أيامنا ونظرنا إلى العالم من نوافذه وشرفاته
 
وفى أواخر سنوات حكم مبارك ، حذرنا أصدقاء كثيرون من ثورة الجياع الآتية لا محالة ، ونصحونا ببيع بيتنا التاريخى والحصول بجزء من ثمنه على فيلا عصرية بإحدى المدن الجديدة ، كانوا يتحدثون كثيرا عن ضرورة مواكبة العصر وكيف أن المستقبل للمدن الجديدة والكومباوندز المحمية بأسوار ورجال أمن طوال الأربع والعشرين ساعة ، أما البيوت العتيقة خصوصا فى وسط البلد فمن يحميها من أطماع واضعى اليد ومن اللصوص الطارئين وهجمات الجائعين والفقراء وهم على حافة الانفجار، ورغم التحذيرات والنصائح لم نغادر بيتنا وأصررنا على حمايته والاحتماء به
 
وبعد ثورة 25 يناير، انتشر اللصوص والنهابون، وملأ الغرباء شوارع وسط البلد وانتشرت الأسلحة بأنواعها فى أيدى الناس، ولم نستسلم للخوف ونصائح الهروب من مناطق الزحام، ونظمنا أنفسنا مع الجيران فى لجان شعبية تحرس الممتلكات وتمنع الغرباء من التواجد بمنطقتنا ، وكنا نسهر الليل بالتناوب حول الأخشاب المشتعلة فى عز البرد حتى يعرف اللصوص والمجرمون أن للبيت رب يحميه
 
ومع الصعود المشئوم لجماعة الإخوان الإرهابية واختطافها حكم مصر ، سعى زبانية خيرت الشاطر إلى شراء بيتنا العتيق ضمن مجموعة البيوت الفريدة فى وسط البلد ، وأرسل لنا مرات عروضا مختلفة وما يتصور أنها إغراءات مادية كما أرسل لنا مرات أخرى تهديدات صريحة بمغادرة البيت وتسليمه بالبيع وفق شروطه أو هدمه على رءوسنا دون مقابل ومصادرة الأرض وفقا لما أسماه المنفعة العامة ، لكننا صمدنا للإغراءات والتهديدات وحمينا بيتنا حتى انزاحت غمة الإخوان، وكان جميع أفراد أسرتنا أطفالا وشيوخا ونساء وشبابا من المشاركين فى ثورة 30 يونيو والفرحين بها والآملين فيما بعدها
 
تدريجيا ، تراجعت الفوضى والانفلات الأمنى وأصبحنا أكثر أمنا على بيتنا العتيق من ذى قبل ، لكن أصدقاءنا واصلوا نصائحهم وتحذيراتهم من الفترة المقبلة التى يمكن أن تشهد إعادة تخطيط للمدينة ، واحتمال أن نفقد بيتنا للمنفعة العامة ونخسر فارقا كبيرا فى السعر لو تقاعسنا عن استغلال الطفرة العقارية الراهنة لاستثماره بالبيع أو الهدم وإعادة بناء عمارة شاهقة على نفس الأرض لتحقيق ثروة توفر الحياة الرغدة لجميع أفراد أسرتنا ، لكن شيئا ما جعلنا نرفض المتاجرة ببيتنا العتيق أو محاولة استغلاله كما يفعل التجار الغرباء الذين لا يعرفون قيمة التاريخ ولا الذاكرة ولا الجمال ولا المعنى الذى يحمله الزمن.
 
فى الأيام الأخيرة، حدثت فى بيتنا ظاهرة غريبة لم نصادفها فى أحلك اللحظات التى مرت علينا وعليه ، تدريجيا بدأ سقف البيت فى الهبوط دافعا الجدران إلى الغوص فى باطن الأرض، وفى البداية ظننا أن الظاهرة تحتاج معماريا أو بنائين لتنكيس البيت وتدعيمه ، وأحضرنا أفضل المعماريين والبنائين والمهندسين ليعاينوا البيت ويصفون العلاج الذى يمنع انهياره ، لكنهم جميعا حاروا فى توصيف الظاهرة ، بعد أن أجروا القياسات اللازمة للأساسات وقدرة الجدران على التحمل ، وتوصلوا إلى أن هبوط السقف سيتوقف عند حد معين ولا داعى للخوف من انهيار البيت
 
ورغم ما أبداه المهندسون والبناءون من تفاؤل ، إلا أن سقف بيتنا واصل ضغطه على الجدران ، والجدران واصلت الغوص فى الأرض حتى تحول بيتنا ذو الطابع التاريخى والمعمار الإيطالى الشاهق إلى ما يشبه القبو، وحتى ندخله، ينبغى أن نزحف على بطوننا إلى الداخل ، ولم يعد أمامنا إلا نصب خيام فى حديقة البيت الصغيرة وأن نعيش فى بيتنا العتيق الجميل خائفين مثل اللاجئين الغرباء، وها نحن ننتظر حلا لمعضلة السقف

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

نصائح لحماية المواطنين وقت حدوث الزلازل.. تعرف عليها

تفاصيل مقتل موظفين بالسفارة الإسرائيلية قرب المتحف اليهودى فى واشنطن

تريزيجيه يسعى لكسر لعنة النهائيات عبر بوابة كأس أمير قطر

محمد يوسف يبحث موعد تواجد الصفقات الجديدة في تدريبات الأهلي

مقتل اثنين من موظفى السفارة الإسرائيلية في إطلاق نار بواشنطن


رويترز: زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب جزيرة كريت اليونانية ويشعر به سكان مصر

هزة أرضية يشعر بها سكان القاهرة الكبرى

خدمات متكاملة ودعم صحى واقتصادى.. تفاصيل قانون حقوق ذوى الإعاقة

تمثال ميريت آمون يخطف الأنظار بمتحف الغردقة.. قصة الأميرة الأكثر سحرا (فيديو)

زعيم كوريا الشمالية غاضبا بعد فشل تشغيل سفينة حربية: إهمال لا يمكن أن يغتفر


توفير أكثر من 30 سلعة أساسية خلال 2024 على بطاقات التموين بـ36 مليار جنيه

الكبش العملاق.. أكبر خروف فى أسواق الإسكندرية وزنه 120 كيلو (فيديو)

طارق مصطفى يحذر لاعبي البنك الأهلي من انتفاضة المصري بعد رباعية سيراميكا

عبد الله حسن وشريف حمدان يتعاونان مع لبلبة في عمل غنائي لأصحاب الهمم

مالديف مصر.. مصيف مطروح والساحل الشمالى فى انتظار عشاقه.. شواطئ خلابة وطبيعة بكر تجدد النشاط وتخفف ضغوط الحياة.. شواطئ القرى السياحية والكورنيش الجديد والأبيض واللاجون وأم الرخَم الأكثر خصوصية وهدوءًا.. صور

إمام عاشور من داخل أحد المستشفيات: الحمد لله على كل شىء (صورة)

متى تُنظر دعوى الحجر على الدكتورة نوال الدجوى من أحفادها؟

محمد رمضان مدافعا عن نجله: الأطفال قالوله أنت أسود زى أبوك وأتعرض لاضطهاد 11 سنة

شاهد.. لحظة إطلاق إسرائيل النار على وفد دبلوماسى يضم سفير مصر.. فيديو وصور

"أصحابه حاولوا ينقذوه وفشلوا".. غرق طالب بالمرحلة الإعدادية فى النيل بدسوق

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى