خالد صلاح يكتب: لم أكن أعرف أننا فقراء

الكاتب الصحفى خالد صلاح
الكاتب الصحفى خالد صلاح
 
 
كانت أمى تطلب أن نفكر دائمًا فى الفقراء حولنا، وننظر للنعم الوفيرة التى منحها الله لأسرتنا الصغيرة، كنا نظن من فرط ما سمعناه من كلام عن الغلابة والعطف على البسطاء من الناس أننا أغنياء ميسورون لا ينقصنا شىء، نسافر فى رحلات بالأتوبيس إلى بورسعيد لنشترى بنطلونى جينز، ونفرح بهذه الفاكهة الغريبة الحمراء لذيذة الطعم، كان اسمها «تفاح أمريكانى»، تشترى أمى ثلاث تفاحات ونأكلها بكل نهم «كل اتنين واحدة»، قبل أن نفتش فى «البالة» على جاكت شتوى يناسب البناطيل الجينز.
 
كنا نظن من فرط فرحتنا أننا أغنياء، فمن غيرنا يسافر إلى بورسعيد ويحظى بهذه الفرحة من أهل إمبابة؟ ومن غيرنا يأكل فراخ الجمعية يومين فى الأسبوع، ويذهب إلى سيدى بشر وميامى والعصافرة، سبعة أيام كل سنة فى غرفة صغيرة بشارع متفرع من خالد بن الوليد، نفرح بالبحر حتى نتمنى لكل العالم من حولنا أن يفرح فرحتنا، وأن ينعم بهذه السعادة مثلنا؟
 
لم أعرف أبدًا أن أمى فقيرة إلا حين كبرنا، لم نشعر يوما بأن أسرتنا تنتمى إلى محدودى الدخل ومستحقى الدعم إلا بعد سنوات طويلة، عرفنا أن شقتنا الواسعة فى شارع الوحدة كانت لا تتجاوز الـ٥٥ مترا، لا أصدق كيف كان كل أهل البيت يشاهدون وصول السادات إلى القدس من صالة بيتنا عام ١٩٧٧؟! ولا أعرف كيف اتسع البيت لأفراح العائلة والإفطارات الجماعية فى رمضان؟!
 
لا أروى ذلك لإحياء ذكرى أمى الحبيبة، لا إطلاقًا..
 
أروى ذلك مندهشًا من جيل كامل من الموظفين الحكوميين ومن العمال البسطاء لم يعترف أصلاً بالفقر طالما منحه الله الصحة والستر، جيل كانت حياته البسيطة محل فخره لا موضع نقمته، جيل عاش حروبا عسكرية قاسية، وظروفا اقتصادية مؤلمة ولم يعرف الشامبو المستورد أو الكوكيز، لكنه كان يعتقد يقينا أن الفقر هو أن تمد يدك للتسول، وما دون ذلك فهو الغنى والرضا والسعادة.
 
لماذا كانت أمى وجيلها يحيون فى هذه النعمة؟!
ولماذا كان المجتمع رغم قسوة الحرب والفقر أكثر رضا واستقرارا؟!
إجابتى المتواضعة.. هو دور الإعلام والسينما والدراما..
 
السينما التى جعلت كبرياء فاتن حمامة وعفتها فى فيلم «سيدة القصر» أهم من القصر وأمواله، كان حلم فتيات هذا الجيل التعليم والعمل، مثل فاتن فى السينما، فاتن التى تجبر أهل الزمالك أن يصعدوا إلى السطوح فى بولاق ليخطبوا بنت العفة والكرامة والسعادة الفطرية إلى ابن القصور على الضفة الأخرى من النهر.
الميديا، والمدرسة..
 
أن تحب ليلى مراد الضابط أنور وجدى فى فيلم غزل البنات، تحب الفداء والكفاح، أن يكون العمل هو الأساس فى التقييم، أن تكون السعادة فى انتظار درية شرف الدين فى نادى السينما يوم السبت، الفيلم الذى يعقبه الحوار والنقد والرؤية، أن يتعلم الناس، وأن تتأسس القيم.
 
الإعلام الذى يحتفى بالشعراء على الشاشة، التليفزيون الذى يعرض حفلات الموسيقى العربية، والعالم يغنى، هذا الترفيه المدروس، وهذه السينما الممتعة التى لم تحرم الناس من الترفيه رغم ما تقدمه من قيم..
والمدرسة التى لم تميز بين الناس حسب الفقر والغنى، المريلة الموحدة، والكتاب الواحد، لا الشتات بين المناهج والمدارس ومستويات التعليم..
 
لكل هذا الوعى والتعليم والإعلام لم تكن أمى نفسها تعرف أنها فقيرة، نحن عرفنا لاحقا، حين عشنا فى عصور اختلت فيها هذه القيم، وتبدلت فيها المعايير، وصار الوعى يصنعه الـ«إنستجرام»، والثقافة فى عهدة الـ«فيس بوك»، و«الميديا» تحت رحمة من يدفع فواتير الإعلانات..
 
الآن يا أمى نعرف أنك كنتِ غنية
وأننا صرنا فقراء
 ستبقى مصر من وراء القصد
 


 


 
 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مبابى يسجل هدف الريال ضد ريال أوفييدو بالشوط الأول فى الدورى الإسبانى

الجالية المصرية في النمسا ترفض محاولات الضغوط الخارجية على مصر.. صور

ارتفاع ضحايا حادث تصادم 3 سيارات في قنا إلى 4 وفيات.. بالأسماء

الزمالك يشكر الرئيس السيسى بعد التصديق على قانون الرياضة

جنة تحت الماء.. إقبال أوروبى على رحلات السفارى لزيارة الجزر البحرية ومواقع الغوص بالبحر الأحمر.. مشاهدة كهوف الشعاب المرجانية والدلافين والقروش.. والأخوين والفنستون ووادي الجمال والشيلينات تجذب المحترفين.. صور


بدء تحضيرات تصوير مسلسل "قسمة عدل" بطولة إيمان العاصي

ستراسبورغ ضد نانت.. الكنارى يواصل خسائره بمشاركة الأناكوندا

ضبط طباخ بقرية سياحية بمطروح لتعذيبه قطة تسببت فى تلفيات داخل المطبخ

دموع التماسيح بجنازة الضحايا.. زوجة أب تقتل أفراد أسرة كاملة فى ديرمواس بالمنيا.. وتعترف: وضعت لهم السم فى الخبز.. حاولت الانتقام من زوجى لرغبته فى رد ضرتى.. وتؤكد: تظاهرت بالحزن وبكيت وزرت قبرهم لإبعاد الشبهة

الداخلية تضبط 3 أجنبيات حولن منزلهن بالتجمع وكرا لممارسة أعمال منافية للآداب


خروج 15 فتاة من مصابي حادث غرق أبو تلات من المستشفى بعد تقديم الرعاية الطبية

أخطر 5 اعترافات لقاتلة أسرة دير مواس: "مشيت فى جنازتهم علشان أبعد الشبهة"

أخبار مصر.. انخفاض بدرجات الحرارة غدا والعظمى بالقاهرة 35 درجة والإسكندرية 32

6 مليارات جنيه استثمارات فى الصحة بسوهاج والمديرية ترفع شعار "المريض أولا".. وكيل الوزارة: القضاء على 90% من قوائم الانتظار.. إنجاز 11 ألف جراحة وافتتاح أول وحدة للحروق بصعيد مصر.. وحياة كريمة كلمة السر

ريبيرو يستبعد 9 لاعبين من قائمة الأهلى لمواجهة غزل المحلة بالدوري

زوجة الأب سممت الجميع.. الداخلية تكشف سبب وفاة أسرة دلجا بديرمواس

بحضور الشناوي.. ريبيرو يعلن قائمة الأهلى لمواجهة غزل المحلة بدوري نايل

اللجنة الطبية بمجلس الوزراء تنظم قافلة شاملة بمحافظة الشرقية

نيوكاسل ضد ليفربول.. التاريخ ينحاز للريدز قبل موقعة الدوري الإنجليزي

فيلم درويش يحقق أكثر من 25 مليون جنيه في دور العرض المصرية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى