خالد صلاح يكتب: منظمات حقوقية بأموال مصرية

خالد صلاح
خالد صلاح
 
الإعلان العالمى لحقوق الإنسان هو أحد أهم المنجزات الحضارية والتقدمية عبر تاريخ البشرية، لا جدال فى ذلك، لكن المشكلة الدائمة أن كل الأفكار الجميلة، وقيم التحضر التى تميز الإنسان عن كل كائنات الله، تتحول من دروع للرحمة إلى مطارق للبطش. 
 
لا شىء يعبر عن قيم الإنسانية أروع من كل المواثيق الدولية التى أسست لثقافة حقوق الإنسان فى العالم، ورسخت قيم حماية البشرية من الاستبداد والقهر والديكتاتورية والتعذيب، وحماية كرامة الإنسان وحريته الشخصية فى الفكر والاعتقاد والتعبير، لكن لم تشهد البشرية أسوأ من الاستخدامات السياسية لهذا المنجز الحضارى فى صراعات السياسة والسلطة والاستعمار العالمى. 
 
القوى الأعظم فى العالم أدمنت التجارة بتلك القيم، والبلدان الأكثر غلظة فى قوتها العسكرية سعت على الدوام لفرض سياساتها على الدول الأضعف، أو تحقيق مصالحها القومية رغم أنف أمم الأرض تحت مسميات حقوق الإنسان، ثم تحولت عمليات تمويل النشاط الحقوقى إلى تجارة لمن يعرف أسرار هذه الصنعة، كيف تحصل على أموال أكثر، وتخدم أهدافًا أكبر، دون أن تتورط فى تخابر، أو تسقط فى قضية عمالة، ودون أن يسقط عنك وعن منظمتك «التجارية» قناع العمل الحقوقى. 
 
هذه القيم العظيمة، وهذه المنجزات الحضارية تدنست بالأيدى الاستخباراتية التى تلعب من وراء ستار، ومن تجار أقوات الناس، ومن محترفى إسقاط الأمم وتفتيت الدول. 
 
أنت تعرف، كما أنا أعرف، أن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وكل المواثيق الدولية فى هذا الملف العظيم، كانت دائمًا سلعة بين الأجهزة الدولية، وذريعة لتدخلات الأقوياء فى شؤون الضعفاء، وفرصة لتجارة رابحة، وغاية لمن يحلمون بالثراء السريع السهل عبر التمويلات الدولية. 
 
لكننى، ورغم هذا الواقع المخيف للمنظمات والتمويلات والأجهزة، أقف قليلًا لأسأل نفسى، هل يمكن للشعوب أن تدير ظهرها لهذا التراث الإنسانى والحقوقى الرائع، وهذه الحماية للحريات والأفكار والاعتقاد، وكل هذه الضمانات الدولية للبشر من كل لون وعرق وجنس، لمجرد أن تجار الأجهزة الاستخباراتية لعبوا بعقول العالم، وارتدوا أقنعة المنظمات الحقوقية؟ 
 
الإجابة فى اعتقادى هى.. لا طبعًا، لا يمكن.
 
البشرية لم تنجز قيمًا أرفع من ذلك، لكن تطبيقها كان دائمًا هو المأساة، تمامًا كما فعل تجار الدين بالرسالات السماوية، فحولوها من مظلة للرحمة والغفران والعفو، إلى آلات للقتل وسفك الدماء ونهب أموال الناس بالباطل، وإذا كانت الأديان نفسها قد خاضت هذه التجربة الأليمة، فما بالك بالمواثيق الإنسانية الوضعية، وإذا كنا نؤمن بأننا ينبغى علينا حماية الدين، فإنه علينا أن نؤمن كذلك بحماية الإنسانية، فحماية الإنسان هى ركن أصيل لكل دين، «صون النفس فى الدين الإسلامى مقدم على ما دونه من قيم وأفكار مثلًا».. 
 
ومن هنا فإن علينا أن نفكر على الصعيد الوطنى، كيف يمكن أن نحقق معادلة التوازن، بين حماية الأمة من مخاطر تجار حقوق الإنسان، وبين حماية حقوق الإنسان نفسها، واحترام الإعلان العالمى، وتقدير المواثيق الدولية فى هذا الشأن.
 
ولا أجد سبيلًا لذلك سوى «محلية التمويل» لوقف التمويل الأجنبى، فإذا كانت لدينا التشريعات المناسبة، والإرادة الصادقة، والمؤسسات المالية الجادة التى تحترم الإنسانية وتقدس حقوق الإنسان بالفعل، فيمكن لبلادنا أن تشهد نشأة منظمات حقوقية بتمويل مصرى، يؤكد احترام هذا البلد لهذا المنجز الحضارى، ويحمى هذا البلد من أقنعة الزيف التى تتستر بهذا المنجز الحضارى. 
والله أعلى وأعلم. 
 مصر من وراء القصد
 

 

 

 

 

 

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الكرملين: محادثات بوتين وترامب قد تستغرق ما لا يقل عن 6 إلى 7 ساعات

ليدز يونايتد يضم كالفيرت ليوين حتى 2028 في صفقة مجانية

عودة أسود الأرض.. العلمين الجديدة وصلاح يزينان بوستر ليفربول بافتتاح بريميرليج

عاملناهم بسذاجة.. رئيس تحرير نيوزويك: حان الوقت لحظر الإخوان فى أمريكا

تيك توكر جديدة فى قبضة الأمن لنشرها فيديوهات منافية للآداب العامة


فاركو عن مواجهة الأهلى: "مباراة لعلاج حموضة صفقات الصيف"

الأهلى يتحدى فاركو لإستعادة الانتصارات بالدوري المصرى الليلة.. ريبيرو يبحث عن الفوز الأول مع الكتيبة الحمراء.. 11 لاعب يغيبون بقيادة العش وعمر كمال وزيزو موجود بالتشكيل المتوقع.. السداسية شعار المواجهة الأخيرة

الأهلى يتفوق على فاركو في القيمة التسويقية قبل لقاء الليلة.. إنفو جراف

مطاردة "رانج روفر" طائشة على كوبرى أكتوبر.. لحظات إثارة وبطولة رجال المرور

الأرصاد: انخفاض تأثير الكتل الهوائية شديدة الحرارة شمال البلاد اليوم وغدا


قرار جديد من النيابة بشأن المتهم بإصابة 4أشخاص وإتلاف 3سيارات بكوبرى أكتوبر

ألمانيا تدعو إسرائيل إلى وقف بناء المستوطنات فى الضفة

مقتل عنصرين جنائيين شديدى الخطورة فى تبادل إطلاق النيران مع قوات الشرطة

مصير المطلقة المتمكنة من شقة "إيجار قديم" بعد إقرار القانون الجديد

البريد أبرزها.. 3 طرق لتلقى طلبات حجز وحدات بديلة لمستأجرى الإيجار القديم

أخيرا.. موعد انكسار الموجة شديدة الحرارة وانخفاض الدرجات

أصاب 4 أشخاص وأتلف 3 سيارات.. تفاصيل محاولة هروب قائد سيارة حادث أكتوبر

تقليل الاغتراب.. موقع التنسيق يواصل إتاحة التسجيل للمرحلتين الأولى والثانية

غدا.. بدء تنسيق وقبول طلاب مدارس المتفوقين والنيل الثانوية الدولية 2025

هداف الدوري الإنجليزي التاريخي.. محمد صلاح خامس العظماء

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى