ياسر منجى يكتب: تمثال مجهول للفنان الرائد "محمود مختار"

تمثال مجهول لمحمود مختار
تمثال مجهول لمحمود مختار
مع مطلع شمس العاشر من مايو 2018، تحُلُّ الذكرى المائة والسابعة والعشرين، لِمَولِد نحات مصر الأشهر "محمود مختار" (1891 – 1934). وفى هذه المناسبة، يأبى "مختار" إلا أن يظل مُتَصَدِّراً بؤرة الضوء، وإلا أن تظل سيرتُه مَعيناً لا ينضَب للباحثين، والمؤرخين، والنقاد، ومصدر إلهامٍ للفنانين وعشاق الجمال.
 
   فمع إشراقة شمس ذكرى صاحب "نهضة مصر"، تُزاحُ أستارُ النسيانِ عن صورةٍ نادرة، توثِّقُ لتمثالٍ مجهولٍ تماماً، ينتمى إلى أولى مراحلِه التأسيسية، خلال مُدة دراستِه بمدرسة الفنون الجميلة المصرية.
 
 وبرغم قِدَم الصورة ورداءة طباعتِها نسبياً، فإنه يمكن أن نتبين من خلالها "محمود مختار"، وقد وقف إلى اليسار، ناظراً صوب تمثالٍ صغير، بدا عليه طابع أساليب النحت الأوربى التقليدية، وقد استند بمرفَقِه إلى حامل التمثال، ممسكاً بأداة النحت، وكأنه فرغ لِتَوِّه مِن تنفيذ التمثال.
 
   الصورة لم تُنشَر إلا مَرّةً واحدة فقط – وكان ذلك عقب وفاة "مختار" بعامٍ واحد – ضِمن مقالٍ كتبه صديقُه "محمود خيرت" (١٨٧٧-١٩٤١)، لتظل مجهولةً بدورِها طيلة الأربعة والثمانين عاماً التى انقضَت على رحيل "مختار"؛ إذ لم تَرِد بعد ذلك فى أى مصدرٍ من المصادر التى تناولت سيرة "مختار" أو أرَّخَت لفَنِّه.
 
   كان المقالُ بعنوان "مختار دائماً"، وقد نشرَه "خيرت" فى العدد السادس والأربعين من "مجلة الرسالة"، بتاريخ 21 مايو 1934. وقد تناول فى المقال طرفاً مِن ظروف بداية علاقته بـ"مختار"، وزملائه من أوائل طلاب مدرسة الفنون الجميلة، خلال جولاتهم الفنية مع أستاذهم "باولو فورشيلّا". كما استعرض كذلك بعضاً مِن سجايا "مختار" وصفاتِه، مُصَوّراً مبلغ شَغَفِه العظيم بالفن. 
 
   وقد شرح "خيرت" فى مقالِه ظروف إبداع "مختار" لهذا التمثال المجهول، لِنَعلَمَ فى ثنايا ذلك أن الصورة الوحيدة لهذا التمثال قد التقطها هو بنفسِه؛ وذلك إذ يقول: "لا زلتُ أذكره وهو بمدرسة الفنون الجميلة بدرب الجماميز، فتىً وسيماً غزير الدم، مُرسَل الشعر، حلو الحديث، جَمّ الحياء، عاشقاً... ولكن فنه يتلذذ بذكره فى كل لحظاته... ولا زلت أذكر يوم زارنى عند الغروب؛ يطلب إلَى فى لهفة بعض صور لتماثيل غربية عن الحب، فعرضتُ عليه ما عندى منها. فلما كان اليوم التالى دق التليفون عند الساعة الخامسة صباحاً... وكان المتكلم هو يذكر أنه لم ينَم تلك الليلة كلها، وقد غمره شغفُه بوضع تمثال للحب على النحو الذى فكر هو فيه. بل أنه كان يكلمنى من المدرسة... لأنه لم يستطع صبراً؛ فما كادت الشمس تشرق عن الأفق حتى قصد إليها ووضع فكرته فعلاً. وطلب إلَى ألا أتأخر عنه لأرى ما وضعه. وكان تمثاله الطينى يمثل فتاة عارية متناسبة الأعضاء جميلة الوجه لها نظرات زائغة، كأنها ترى فى الفضاء شبح الحب مقبلاً عليها، وكأنها تخافه فتدفعه بساعديها الممتدين، وقد سُتِرَ موضعُ عفِّتِها بحمامتين تتناغيان، على ما فى الصورة المرصودة هنا، وقد عنيتُ بالتقاطها وقتئذ".
32152411_10156610605386282_5756110063383085056_n
 
   على هذا النحو، حَفِظ لنا "محمود خيرت" ظِلّاً من ظلال باكورة مراحل "مختار" الفنية، مُسَجِّلاً مع ذلك ملامح الشغف الأول للتَحَقُّق، والتَوق الغَضّ للانطلاق، اللذَين أسفرا لاحقاً عن تَجَسُّد "مختار" العملاق الذى نعرفه.
   كان "محمود خيرت" محامياً وأديباً وشاعراً مُجيداً، كما كان موسيقياً موهوباً ورساماً متمكناً، وصاحب صالون ثقافى شهد لقاءات نخبة من مبدعى عصرِه.
   تخرج "خيرت" فى "مدرسة الحقوق الخديوية" عام 1900م، وكان يعمل فى أثناء دراسته فى "الكُتُبخانة المصرية" (دار الكتب المصرية). وبعد تخرجه من كلية الحقوق عمل محامياً، كما عمل فى سكرتارية شورى القوانين بدايةً من عام 1915، ثم فى مجلس الشيوخ بدايةً من عام 1924 حتى وفاته.
   كان "محمود خيرت" كذلك عضواُ بحزب الوفد، وواحداً من المناضلين البارزين خلال ثورة 1919، وهو والد الموسيقار المعمارى "أبو بكر خيرت" (1910 – 1963)، وجد كلٍ من الموسيقار "عمر خيرت"، والمهندس "أبو بكر خيرت".
   ويستطيع زائر "متحف مختار" أن يرى تمثالاً نصفياً، يجسد شخصية "محمود خيرت"، ضِمن مجموعة تماثيل الشخصيات التى أبدعها "مختار"، والموجودة بالقاعة الداخلية للمتحف.
فسلاماً على المَحمودَين، "مختار" و"خيرت"، وسلاماً على كل مَن كان محمودَ السيرة، محمودَ العطاء، محمودَ الوفاء.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

ننشر الجدول الزمني الكامل لانتخابات مجلس الشيوخ

مجلس النواب يقرر عقد جلسة غدا لاستكمال مناقشة مشروع قانون الإيجار القديم

غضب تحت القبة من بيانات الحكومة حول قانون الإيجار القديم.. أعضاء مجلس النواب يرفضون استكمال المناقشة.. وحنفى جبالى: جاءت غير مستعدة وليست المرة الأولى.. والتعبئة والإحصاء: اعتبار أصحاب الـ60 عاما مستأجر أصلى

رفض الإفصاح عن اسمه.. التضامن تتلقى تبرعا بـ38 مليون جنيه لأسر ضحايا المنوفية

الجريدة الرسمية تنشر قرار التعليم العالى بقواعد قبول طلاب الثانوية العامة بالجامعات


القومى لعلوم البحار: لم نرصد أى نشاط للحركات الأرضية المسببة لـ"تسونامى"

وزير خارجية عمان: نؤيد الموقف المصرى فى ملف سد النهضة

هاكرز إيرانيون يهددون بنشر رسائل دائرة ترامب المقربة.. والبيت الأبيض يرد

سقوط أمطار غزيرة على مناطق بالقاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارة

رئيس التعبئة والإحصاء: اعتبرنا المستأجرين البالغين 60 عاما سكانا أصليين


ريبيرو يرفض رحيل زيزو.. ويؤكد: نمبر وان فى تشكيل الأهلى بالموسم الجديد

"سيدات غزة أيقونة الصمود خلال الحرب".. حامل تلد على كشاف الهاتف وتتحدى دبابة الاحتلال.. نساء يحلقن شعرهن لعدم توفر أدوات النظافة ويساعدن الرجال في إزالة الأنقاض.. والأرامل يجمعن الطعام لأطفالهن بعد فقدان الزوج

تعرف على مدة تعاقد فيربرا مع الزمالك والجهاز المعاون

خسارة ناشئي اليد أمام إسبانيا فى بطولة أوروبا المفتوحة

أفكار لن يخرج عنها الامتحان.. أقوى 50 سؤالا فى الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة

لحظة العثور على جثمان الطفلة مريم في عرض البحر.. فيديو متداول

اختفت 3 أيام فى البحر.. عوامة وأمواج وغفلة الأب تفاصيل غرق الطفلة مريم

20 % أعمال سنة من مجموع طلاب الشهادة الإعدادية بتعديلات قانون التعليم

استعدادا لامتحان الخميس.. نموذج امتحان في مادة الكيمياء للثانوية العامة

الهلال يضرب مانشستر سيتي بالهدف الرابع 4-3 في الدقيقة 112.. فيديو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى