أيوب.. الرواية المصرية للقصة القرآنية ببطولة ناعسة

محمد الدسوقى رشدى
محمد الدسوقى رشدى
بقلم محمد الدسوقى رشدى
«يا صبر أيوب»، كم مرة ضبطت نفسك متلبسا بنطق هذه العبارة؟ كم مرة تمردت واعترضت وقنطت فربت أحدهم على كتفك، وقال لك: الصبر مفتاح الفرج، يا عم إنت هتروح فين؟ هو إنت ولا أيوب؟
 
جولة واحدة فى المستشفيات، أو فى الوحدات الصحية المتناثرة بطول مصر وعرضها، كفيلة بأن تجعلك تدرك أن أيوب حى يرزق، وأن مصر بيئة مناسبة تماما لخلق مئات الآلاف ممن يمكنك أن تضرب بهم المثل فى الصبر.
 
معجزة أيوب الخالدة تتكرر لدينا يوميا لكن دون أن تجد من يسجلها كمعجزات، المصريون وعوا قصة أيوب جيدا، ويطبقونها بحذافيرها، الفقر والمرض وموت الأحباء ليست ابتلاءات عارضة بل هى طقوس يومية، لكن الفرق بين قصة أيوب وقصص المصريين أن الأخيرة لا تنتهى النهاية السعيدة التى تحققت للأولى، فالصبر مفتاج الفرج نعم، لكن النهايات السعيدة أمر آخر.
 
أيوب عليه السلام، نبى دون رسالة مباشرة، تتلخص كل مهمته فى تعليم الناس الصبر بطريق غير مباشر، على عكس معظم الرسل والأنبياء، وحتى يعلمنا أيوب الصبر بطريق عملى، ابتلاه الله بما ابتلاه، وحين صبر وشكر ولم يتذمر، أعطانا درسا آخر فى مكافأة الصبر.
 
ولأنه مثلنا، خلده المصريون فى حكايات وأغنيات وأمثال شعبية، المصريون يحبون أيوب، ويعشقون ناعسة، ناعسة موجودة لدينا لكنها لا تظهر إلا وقت الشدة، موجودة لكنها عملة نادرة، على أيوب أن يبحث عنها طويلا، ولا يرضى إلا بها.
 
أيوب واحد، لكن له قصتين: القصة الدينية المذكورة فى القرآن، والقصة الشعبية التى أضاف لها وأبدعها التراث الشعبى المصرى، الأولى تدور حول أيوب وحده غالبا، حيث كان عليه السلام عبدًا تقيًا شاكرًا، كثير المال متمتعا بالصحة والأولاد، ثم ابتلاه الله بالضر الشديد فى جسده وماله وولده، فذهب ماله ومات أولاده، فصبر على ذلك صبرا جميلا، ثم ابتلاه الله بأنواع من الأمراض الجسيمة فى بدنه حتى قيل: إنه لم يبق من جسده سليمًا إلا قلبه ولسانه، وطال مرضه ولزمه ثمانى عشرة سنة، دعا الله بعدها: رب إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين، ثم أوحى الله تعالى إليه: اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب، فضرب برجله الأرض، فأنبع الله له عينين، شرب من إحداهما، واغتسل من الأخرى فذهب عنه ما كان يجده من المرض.
 
وكان لأيوب–كما تحكى القصة الدينية–بيدران: بيدر للقمح وبيدر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على بيدر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت السحابة الأخرى على بيدر الشعير الفضة حتى فاض وعم، وقيل إن الله أحيا له أولاده بأعيانهم، وزاده مثلهم معهم، وحتى يبر أيوب بيمينه ولا يحنث حين أقسم على زوجته أن يضربنها مائة جلدة، أمره الله أن يأخذ حزمة من الحشيش أو الريحان أو ما أشبه ذلك فيه مائة قضيب فيضرب بها زوجته ضربة واحدة وبذلك لا يحنث فى يمينه، رحمة بها لحسن خدمتها إياه وشفقتها عليه أثناء مرضه.
 
أيوب المصرى، ليس شخصية أخرى، لكنه نظرة من زاوية أخرى للقصة، فإذا كان البطل فى القصة القرآنية هو الرجل؛ النبى أيوب، فإن البطل فى القصة الفلكولورية المصرية هى ناعسة زوجته، وقد ذكرت الحكاية الفلكولورية تفاصيل الحياة الجميلة التى كان يحياها أيوب المصرى قبل مرضه، بما امتلكه من ضياع وبساتين ومال وماشية وأغنام ودجاج وعبيد وأعوان، ولكن الحكاية الشعبية ركزت على أن ناعسة كانت من أسباب الحياة الجميلة لأيوب، وأعطت الرواية لناعسة هذا الاسم لأنها صاحبة عيون جميلة ناعسة، وأعطت لها شعرا طويلا رائعا كان مثار حسد كل نساء البلدة، يتمنين لو أنه لهن، وحين تصل الرواية إلى ذروة الدراما القرآنية فى قصة أيوب بمرضه وضياع دوره وجاهه وأعوانه، مع ثباته على إيمانه وصبره، ينتقل الراوى الشعبى إلى ذروة درامية أخرى، حين تحمله زوجته الوفية فى قفة على ظهرها وتتنقل به طلبا للعلاج والتداوى، ولا تتركه مثل بقية من كانوا عنده وتركوه.
 
وبعد أن أعيت السبل ناعسة لقضاء نفقات علاج جسد زوجها المقروح، بدأت تسأل الناس المساعدة، وهنا نصل إلى ذروة أعلى فى الدراما الشعبية، حين تطلب نساء القرية من ناعسة أن تبيع شعرها لهن مقابل ما تحتاجه من نقود لعلاج زوجها، وبالفعل تبيع ناعسة شعرها لتأتى بالعلاج الذى سوف يشفى زوجها من المرض، تخلت عن أجمل ما لديها لتأتى بنفقات علاج رجلها، فماذا تستفيد ناعسة من أجمل شعور الأرض وزوجها كومة من اللحم والعظام فى قفة، مريضا مقروحا ثابتا على إيمانه؟
 
تنتهى القصة ولا تنتهى المأساة، ناعسة باعت شعرها لتأكل، ومازالت لدينا الآلاف من ناعسة تبيع شعرها، وشرفها، وكليتها، وكبدها، وجسدها لتأكل أو لتطعم زوجها المريض، أو أطفالها الرضع، رجاء لا تشتر شعر ناعسة إذا جاءت تعرضه عليك، ما دمت تملك ما تعطيه لها امنحه دون مقابل من جسدها الحى، لا تشتر كبد ناعسة، أو كلية ناعسة، أو شرف ناعسة، يكفيها هى وزوجها ما هما فيه.
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

اتحاد بنوك مصر: استمرار العمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء

للمرة الثانية..السيطرة على حريق مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تبدأ التبريد.. صور

إعلام عبري: إصابة 16 جنديا إسرائيليا في انفجار عبوة ناسفة بشمال قطاع غزة

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة. صور

نقل حركة الإنترنت الثابت لعملاء المصرية للاتصالات لمركز الحركة بالروضة


غزل المحلة يضم أحمد شوشة لمدة 3 سنوات

"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

آمال ماهر تثير الجدل بظهورها مرتدية فستان زفاف

الداخلية تضبط سائقين استعرضا بسيارات معرضين حياة المواطنين للخطر.. فيديو

أبطال فيلم أحمد وأحمد يحتفلون بالعرض الخاص فى السعودية اليوم


الطقس غدا.. شديد الحرارة وشبورة والعظمى بالقاهرة 37 والإسكندرية 31 درجة

"الجدار والاستيطان الفلسطينية": 11280 اعتداء نفذها الاحتلال فى النصف الأول من 2025

البيع النهائي يحسم انتقال محمد عاطف من الزمالك للطلائع

بايرن ميونخ يتوصل لاتفاق مع دياز نجم ليفربول

الصحة العالمية: اليونان تقدم 200 ألف يورو للمستلزمات والأدوية فى سوريا

الجيش الأردنى يحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة بالونات موجهة عن بعد

الأهلى يجهز مكافأة بالدوري والمشاركة فى المونديال لـ "يحيى عطية الله"

الهلال السعودي يرصد 70 مليون يورو لضم فلاهوفيتش هداف يوفنتوس

الرئيس عون يسلم مبعوث واشنطن الرد اللبنانى على الورقة الأمريكية

مبعوث ترامب للبنان: لا نملى على اللبنانيين كيفية التعامل مع سلاح حزب الله

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى