الأفاضل.. خلف على «رجل آتاه الله الحكمة»

أحمد إبراهيم الشريف
أحمد إبراهيم الشريف
بقلم أحمد إبراهيم الشريف
كان الصبح فى الصعيد جميلا، لكن الأيام تكون أجمل، إذ التقاك الجد «خلف على» وأنت تهم بالذهاب إلى المدرسة والضجر مرسوم على ملامح وجهك الصغير، بينما يهم هو بالذهاب إلى حقله فيصيح فيك بصوت عالٍ «شد حيلك»، حينها تنتشى روحك ويستقيم جسدك المنكمش من برد الشتاء، وتتسع خطوتك الصغيرة على الجسر القديم.
 
ما الذى يجعل «ذهنى» دائم الربط بين الجد «خلف على» وعظماء التاريخ، وبينه وآلهة الإغريق، وما الذى يجعلنى وأنا طفل أعتقد أنه التقى جمال عبدالناصر ذات مرة وكرمه، فى الحقيقة لا أعرف، لكننى كلما مررت عليه فى حقله، الذى لا يكاد يغادره، شعرت برهبة تليق به.
 
كان الجد «خلف على» رجلا طويلا قوى الجسد مثل جندى لم يترك المعركة أبدا، كانت هيئته تشبه الكاتب العالمى الكبير أرنست همينجواى، صاحب رواية العجوز والبحر، وهو دائما، ودون أن يقول شيئا، كان يوحى إلىّ بأنه شارك فى الحرب العالمية الثانية فى العلمين وشهد دمارها، وأنه خاض حروب العدوان الثلاثى على مصر فقويت روحه وعزيمته، وأن صمته الدائم وحزنه حدثا بسبب نكسة 1967 وأنه قاتل فى حروب الاستنزاف لذا هو لا يفقد الأمل أبدا، هذا مع أننى فى الحقيقية لا أعرف الكثير عن تاريخه القديم، ولا أعرف إن كان قد التحق بالجيش أم لا، لكنه كان بالنسبة إلىّ «رمزا» أتأمله طوال الوقت.
 
سنوات كثيرة مرت على الجد «خلف على» لكنه ظل قويا يمتلك من مقومات الشخصية المؤثرة ما لا يمتلكه الآخرون، ومع أنه كان رجلا فقيرا، لكن الله آتاه الحكمة وفصل الخطاب، فكان كلامه قليلا وموزونا، يتحدث على مهل كأنه يتذوق الكلمات قبل التلفظ بها، يعرف قدر الرجال والأطفال، كما يعرف قيمة الأشياء.
 
فى سنوات متأخرة أدركت أنه يشبه سقراط تماما، ليس فى هيئته فقط، لكن فى أفكاره العميقة واهتمامه الدائم بالخير والجمال، كنت أراه جالسا فى حقله خارج القرية، مطلا بوجهه على البيوت الفقيرة الساكنة، يقضى يومه فى حقله ولا يعود إلى بيته إلا بعد أن يطغى الليل كاملا على كل شىء.
 
يعرف الجميع قدر «خلف على» ويعرفون عدله، لذا عندما ينشب الخلاف بين الناس فى تقسيم الأرض، يذهبون إليه، فيأتى ممسكا عصا القياس، ثم يقول قولته «الفاصلة» فى هذه المسألة الشائكة، فيرضى الجميع، ويعود هو إلى مكانه، لا تجده فى مجالس المتحدثين ولا يشغل نفسه بتوافه الأمور.
 
مات الجد «خلف على» فجأة، وترك فراغا لم يملأه أحد، وحكمة ظلت غائبة من بعده، والآن كلما عدت إلى القرية ذهبت إلى خارجها وأنظر إليها من المسافة البعيدة التى كان هو ينظر منها وأتأملها مثلما كان يفعل، فأراها على اتساعها مجموعة من البيوت القليلة التى تحتويها العين فى نظرة واحدة، بها أناس يغلب عليهم «الوجع والهم» ويحتاجون لمن يقول لهم ولأطفالهم «شدوا حيلكم».

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مدبولى: توجيهات من الرئيس السيسى بتعظيم دور جهاز حماية المستهلك

إسبانيا تطالب الاتحاد الأوروبى بالضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها غزة

الأهلي يُنهي ترتيبات رحلة أمريكا ..و70 مليون جنيه تمنع الطائرة الخاصة

كوريا الجنوبية: سقوط طائرة دورية بحرية فى جبل بمدينة بوهانغ

واشنطن بوست: اتفاق الطائرة القطرية ليس نهائيا رغم المزاعم الأمريكية


منتخب مصر للشباب يترقب قرعة كأس العالم بتشيلي.. والفراعنة بالمستوى الرابع

مصر تُحيى الذكرى الـ77 لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة

المدارس تعلن توافر أرقام جلوس طلبة الثانوية العامة

استشهاد 13 مواطنا وإصابة آخرين فى قصف الاحتلال لعدة مناطق فى غزة

طلاب الدبلومات الفنية يبدأون امتحاناتهم والتعليم تشدد على التصدى للغش


ميكالي يوافق على تدريب الزمالك بشرط

أجواء مشددة ومراقبة صارمة.. انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية 2025 الآن

العالم هذا الصباح.. "الأونروا" تكشف تفاصيل إعدام الاحتلال أحد موظفيها في غزة.. وبوتين يطرح شروطه لوقف الحرب.. ولافروف: روسيا تعرض عقد اجتماع في اسطنبول الإثنين المقبل.. وأوكرانيا تتسلم أنظمة صواريخ بعيدة المدى

إيلون ماسك يعلن مغادرة منصبه ويوجه رسالة إلى ترامب

الاتحاد السكندرى يصطدم بإنبى اليوم فى الدورى

10 مواجهات لا تفوتك في كأس العالم للأندية.. الأهلي ضد بالميراس الأبرز

قطار العاصمة يمد التشغيل غدا لـ2.30 صباحا تزامنا مع حفل ضخم بالنهر الأخضر

بعد قضية نوال الدجوى.. متى يُحكم بالحجر على الممتلكات؟

أرقام مذهلة وانطباع رائع.. عمر مرموش "دينامو" مانشستر سيتي الجديد

الأهلي يحقق نتائج مميزة فى مشوار التتويج بالدوري رقم 45

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى