عودة الجاهلية.. آباء وأمهات يقتلون الأبناء

كريم عبد السلام
كريم عبد السلام
كريم عبد السلام
من حيث نتصور أننا أصبحنا أرقى من أسلافنا، ننحط عنهم درجات كثيرة، ولو نظرنا بعمق فى مرايانا لرأينا وحوشا وكائنات مشوهة تعود إلى عصور سحيقة.
 
ومن حيث نعتقد أننا أبناء أصلاء للمدنيات الحديثة، نسكن فى منازل مكيفة وعمارات شاهقة ونرتدى الجينز ونأكل من «ماك»، ونقود أحدث السيارات، نفقد قيمنا البشرية التى لولاها ما تقدمنا فى مسار التطور خطوة واحدة، وعدنا إلى صورتنا الأولى بدائيين جاهليين برابرة، ننهش بعضنا بعضا، ويقتل القوى منا الضعيف.
 
فى أسبوع واحد أغرقتنا موجات الأخبار المتدافعة بخبرين عن جرائم قتل أسرية، ويا لها من جرائم، أب تجرد من كل مشاعر الأبوة وقتل طفليه بإلقائهما فى ترعة فارسكور بدمياط، وأم انتزعت قلبها من حنايا صدرها، وألقت بطفليها فى «بحر يوسف» بالمنيا، الأب القاتل ادعى أنه يطالع كتبا عن الجن، ودورها فى الكشف عن الآثار، كما برر جريمته بأن المخدرات التى يتعاطاها أصابته بلوثة عقلية، أما الأم القاتلة فبررت جريمتها بالخلافات الزوجية المستمرة التى وضعتها فى حالة نفسية سيئة.
 
لا يمكن لعاقل أو صاحب ضمير يقظ أن يقبل بتبريرات الأب القاتل، أيا كانت، كيف اصطحب ولديه فى سيارته، وهو يعرف أنه سيقتلهما؟! كيف رد على مداعباتهما له؟! كيف جاوب حوارهما الطفولى ولغتهما المكسرة بلغة تشابهها؟! كيف رد على سعادتهما برفقته بضحكات وقبلات الأب الحنون؟! كيف هاتف أمهما مدعيا أنهما تعرضا للاختطاف بينما ينوى إغراقهما بدم بارد وقلب ميت؟! هل أدار وجهه بعيدا وهو يقتلهما حتى لا يلمح تلك النظرة المرعوبة التى يختلط فيها الخوف بالدهشة؟! أم ظل على خسته وهو يضغط على رأسيهما فى الماء حتى لفظا أنفاسهما؟!
 
ولا يمكن لإنسان مازال يحمل مشاعر وقيما وعقلا أن يبتلع تبريرات الأم القاتلة، ما دخل الخلافات الزوجية بالأطفال الأبرياء؟! ما دخل غضبك من الزوج وكراهيتك له بدم ولديك؟! لماذا تنفثين عن كراهيتك وغلّك فى الطفلين بدلا من مواجهة الزوج الكريه؟! ألأنهما الحلقة الأضعف منك، مثلما أنت الحلقة الأضعف من الزوج؟! ألم يكن من الممكن تفادى القتل بأن تغادرى إلى أرض الله الواسعة؟! أكان لابد من إلقاء الطفلين فى البحر الغريق؟! ألم يحترق قلبك عليهما وأحدهما رضيع لم يتجاوز الستة أشهر؟
فى عصور الجاهلية الأولى، كان العرب يقتلون الأبناء فيئدون البنات خوفا من عار السبى، ويقتلون الأولاد خوفا من الفقر، وكان منهم من يقتل أبناءه وبناته وفاء لنذر، أو ممارسة لطقس غالب بفعل الجهل وسطوة المعتقدات البدائية الغشيمة، وفى عالمنا المعاصر لم يعد هناك خوف من السبى إلا فى المناطق المنكوبة بداعش وأشباهه من التنظيمات المتطرفة وهو غير حاضر، والحمد لله فى بلدنا، أما الفقر لحد الإملاق والمجاعات، فهى والحمد لله غير موجودة فى بلادنا، ومازال الفقراء فينا يجدون الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية والسلع المدعمة ابتداء من الخبز وحتى اللحوم، أما الطقوس البدائية فنعوذ بالله منها وندعوه ألا يدخلنا التجربة.
 
ومع ذلك، فقد ابتلينا بمجموعة أمراض أخرى تفسد طبيعتنا الآدمية، وتحولنا إلى وحوش تقتل أقرب الناس إليها، ابتلينا بالقسوة والجشع والشقاء، قست قلوبنا حتى باتت لا ترحم صغيرا أو كبيرا، لا امرأة ولا شيخا ولا طفلا، وتسلط الجشع على نفوسنا، فأصبحت نهمة إلى كل عرض زائل أيا كان مصدره، تقليدا للنماذج الاستهلاكية والنجوم الزائفة، وأصبح الشقاء بديلا للرضا، وكأننا ملعونون بالعطش الذى لا يرويه ماء.
 
اللهم ارحمنا
اللهم ارحمنا
اللهم ارحمنا
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

للمرة الثانية..السيطرة على حريق مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تبدأ التبريد.. صور

الاتحاد يضع الرتوش الأخيرة على صفقة تبادلية مع سيراميكا.. بيع مغربى وضم 3 لاعبين

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة. صور

وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ القاهرة عمليات إخماد حريق سنترال رمسيس

محمد شكرى يظهر فى مران سيراميكا قبل انتقاله للأهلى.. صور


"تنظيم الاتصالات": تعويض العملاء المتأثرين بتعطل الخدمة بعد حريق السنترال

حريق فى سنترال رمسيس.. المعاينة الأولية: النيران التهمت مكاتب إدارية في الطابق السابع داخل المبنى.. "الحماية المدنية" تحاول عمليات الإخماد ومنع امتداده لأماكن أخرى

تعرّف على سبب تأخّر وصول آدم كايد بعد التوقيع الإلكترونى للزمالك

رسميًا.. الدحيل القطري يضم الإيطالي ماركو فيراتي

شركات المحمول: تأثير حريق سنترال رمسيس قيد التقييم.. وفرق الدعم تتابع


تداعيات أزمة لوحات الفنانة الدنماركية ليزا لاتشنيلسين.. الإعلامية مها الصغير تعتذر وتؤكد: مروري بأصعب ظروف فى حياتي ليس مبررا وزعلانة من نفسي.. والمجلس الأعلى للإعلام يستدعى الممثل القانوني لقناة "ON E"

أخبار مصر.. الطقس غدا شديد الحرارة وشبورة والعظمى بالقاهرة 37 درجة

مصرع 3 أشخاص بسبب الأمطار الغزيرة في ولاية "ناجالاند" بشمال شرق الهند

بسبب توهج وسام أبو علي.. غزو فلسطيني يقترب بقوة من الإيجيبشن ليج

وزير التعليم: نظام الثانوية العامة الحالى قاس على الطلاب والأسر

الأهلى يجهز مكافأة بالدوري والمشاركة فى المونديال لـ "يحيى عطية الله"

فيضانات تكساس.. كيف حدثت كارثة مخيم الفتيات بجوار نهر جوادالوبى؟

مايكل دوجلاس يكشف سبب ابتعاده عن التمثيل: لا أريد أن أموت فى موقع التصوير

نزوح عشرات الآلاف من السودانيين نحو مدينة الأبيض هربا من "الدعم السريع"

مش كلها بتزود وزنك.. 7 أنواع من الجبن صحية وتساعد على فقدان دهون البطن

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى