عفاف عبد المعطى تكتب: إدوارد سعيد وإسقاط الأقنعة

عفاف عبد المعطى
عفاف عبد المعطى

لم يكن إدوارد سعيد ناقدا أدبيا ولا استاذا للآداب المقارنة فى جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة ولا مفكرا سياسيا فحسب، بل كان مفكرا موسوعيا بمعنى كلما رأى أنه يجب أن يقول كلمته بشأن عدالة اجتماعية عالمية ما كان يقولها غير مبالٍ بأى ردود فعل، سلبية خاصة، تجاهه.

 

وتمر هذه الأيام الذكرى الخامسة عشر لرحيل المفكر الكبير إدوارد سعيد مما يجعلنا نعاود التذكير بما قدمه سعيد فى مشروعه النقد/ سياسى، فى نهاية السبعينيات خرج علينا سعيد بكتابه المهم "الاستشراق"، والذى مثل حدثا مدويا آنذاك، لكن ما الذى جمع كل من إدوارد سعيد وفرانز فانون، وهومى بابا، وسبيفاك وكلهم من كتاب وأكاديمى نظريات ما بعد الاستعمار؟ ذلك الخطاب الذى يعتمد بشكل رئيسى على وحدة المعرفة وعلاقات القوة وترابط الاثنين بشكل وثيق، ومن هذا المنطلق يقوم هذا الخطاب على فكرة أن القوى الاستعمارية قامت بتعريف وتحديد ماهية الدول المستعمَرة أى "الآخر" وفقا  لمنظومتها المعرفية وخدمة لأهدافها الاستعمارية، وبهذا فإن المستعمر (الغربى) عرّف "الآخر" على أنه غير حداثى، غير ديموقراطى، بربرى، وما إلى ما ذلك من صفات مناقضة لقيمه المجتمعية بهدف تبرير الاستعمار أيا كان نوعه سواء استعمار فكرى أو اجتماعى ملموس كان أم غير ملموس، أى اعتبار تدخل المستعمر عملاً تنويريا تجاه السكان الأصليين، وذلك يهدف فى صميمه إلى تبرير الاستعمار واستغلال موارد وثروات الدول المستعمَرة سواء كانت ثروات وموارد تحقق للمستعمِر الاكتفاء المادى أو تجعله يعوض ما يحتاجه بغية التطور التكنولوجى المذهل الذى تصدره الدول الصناعية الكبرى للشرق مرة أخرى بأبهظ الأثمان.

 

يعتمد خطاب ما بعد الاستعمار على التفكيكية فى قراءة النصوص التى تشكل الركن الأساس فى تعريف "الآخر" بغية التمهيد لإخضاعه والسيطرة عليه. وفى هذا الإطار يبرز عمل سعيد الاستشراق فى أنه يقوم بدراسة جنيولوجية (جينية/ نفسية) للمؤلفات الغربية حول الشرق منذ القرن الثامن عشر، والتى أدت بحسب سعيد إلى وضع الإطار النظرى للاستعمار.

 

ويعتبر معظم مفكرى الخطاب ما بعد الاستعماري- وفى مقدمتهم جاك دريدا وإدوارد سعيد - أن الأسس المعرفية للفكر الاستعمارى لا تزال موجودة حتى يومنا هذا، لذا يسعون إلى تقديم خطاب جديد يعيد صياغة الإطار المعرفى الغربى حول الشرق، كما يبحث مفكرو ما بعد الكونيالية/ الاستعمارية أيضا  عن سُبل تخطى الآثار التى خلفها الاستعمار على الشعوب التى عانت منه، لا سيما على الصعيد الثقافى الذى استمر لمدد طويلة قد تصل الى قرون بعيدة، ويسعون إلى ذلك من خلال التعالى ضد الفئات المهمشة فى المجتمعات التى خضعت للاستعمار، تلك الفئات التى يقع عليها كل الضغوط الاجتماعية الممكنة والتى يأخذها المستعمر تكأة للصياح حول جهل الدول التى تمتلك ثروات وموارد لا تعرف قيمتها ولا كيف تديرها فتحولها الى موارد تفيد البشرية، غاضة الطرف على أن التجهيل لهذه الفئات المهمشة فرد عين وواجب يتم بالقصد من أجل الاحتلال الفكرى والاجتماعى خاصة لدول الشرق الأوسط التى تمتلك معظم ثروات العالم.

 

لذلك استطاعت الثقافة الغربية عن طريق ما دعاه سعيد بالاستشراق أن تتدبر وتعيد إنتاج وتقسيم الشرق سياسياً، وعسكريا، وعلميا، إضافة الى الحدود المُعوقة التى فرضها الاستشراق على الفكر الذى اجتاح الشرق وأعاد تقسيمه سياسياً واجتماعياً وعسكرياً وعقائدياً وعلمياً وقبل ذلك تكنولوجيا. ومن جهة أخرى يتحدث إدوارد سعيد عن الاستشراق الذى احتل مركز السيادة ومن ثم فرض قيوده على الفكر الشرقى وحتى على من يكتبون عن الشرق. وغاية حديثه هذا هو الوصول إلى كيفية حدوث كل ذلك ليظهر أن الثقافة الغربية اكتسبت المزيد من القوة والهوية بوضع نفسها موضع التضاد مع الشرق باعتباره ذاتاً بديلة لها حق الهيمنة والسيطرة على الأخر الضعيف.

 

إن جهد سعيد وغيره من نقاد فكر ما بعد الاستعمار فى فضح ألاعيب الاستعمار وأهمها تقسيم الشرق الأوسط الجديد الذى قادته الولايات المتحدة باقتادر خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 هو ما يسم فكر سعيد بالاستشراف لما حدث ولا يزال يحدث – خاصة تجاه العالم العربى – حتى الآن، وعلى الرغم من بواكير أفكار سعيد فى طرح فكرة الاستشراق 1978 الذى اعتبره المستعمِر حق أريد به باطل إلا أن الوضع السياسى العالمى يزادا سوءًا والهيمنة الغربية (خاصة الأمريكية) الاستعمارية تُحكم آليات السيطرة التكنولوجية والاقتصادية على الشرق الأوسط خاصة العالم العربى الأبى على التعليم والثقافة.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

الأكثر قراءة

التحقيقات: لصوص الهواتف المحمولة فى القاهرة نفذا 19 جريمة بأسلوب الخطف

سيدة استولت على أموال الشباب بزعم العمالة بالخارج والجهات المختصة تباشر التحقيق

شواطئ مطروح والساحل الشمالى مقصد الباحثين عن المتعة داخل وخارج مصر.. إقبال على الشواطئ والقرى والمنتجعات السياحية.. أفواج مصايف الشركات والأندية والنقابات تزيد زخم المصيف.. وتزايد كبير لرحلات اليوم الواحد.. صور

رادار المرور يلتقط 1131 سيارة تسير بسرعات جنونية خلال 24 ساعة

مواعيد مباريات اليوم الجمعة 15-8-2025 في ملاعب العالم والقنوات الناقلة


حكم قضائى غير قابل للطعن.. تعرف عليه

زوجة تلاحق زوجها بدعوى حبس بسبب 200 ألف جنيه.. التفاصيل

رجل يلاحق زوجته بسبب تحايلها بمستندات مزورة للزج به فى السجن.. التفاصيل

الأقصر تدعم المزارعين.. علاج 40 فدانا من دودة القصب الكبيرة.. الانتهاء من زراعة 16 حقلا إرشاديا بمحصول الذرة الرفيعة.. 20 رخصة لمحال الاتجار في الأعلاف.. ومقاومة حشرة النمل الأبيض بـ 19 منزلا بالمجان.. صور

أبرق قرية ظهرت فيها علامات الإنسان القديم ومخطوطاته قبل التاريخ.. تقع شمال غرب مدينة الشلاتين.. أهم مناطق محمية جبل علبة الشهيرة.. يقع بها أقدم آبار الصحراء الشرقية.. ويعيش بها قبائل العبابدة والبشارية.. صور


بدء هدم عمارة هندسة السكة الحديد بميدان رمسيس لتوسعة كوبرى أكتوبر.. إنشاء موقف متعدد الطوابق للقضاء على العشوائية وإزالة كافة الأكشاك والمحال المنتشرة بالميدان.. وتجهيز مول تجارى ومكاتب إدارية بديلة.. صور

صحتك بالدنيا.. نصائح لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة للحماية من الموجة الحارة.. دراسة تكشف أسباب تمتع بعض المسنين بذاكرة خارقة.. مكملات غذائية تتفاعل مع أدويتك.. وأطعمة تجنبها وأخرى تناولها أثناء علاج السرطان

إخوان كاذبون.. نواب وسياسيون: التنظيم الإرهابى يواصل نشر الزيف والشائعات.. الشعب المصرى أسقط مخططاتهم.. ويؤكدون: الجماعة تستهدف تقويض جهود الدولة.. ووحدة الصف الداخلي أحبطت مؤامراتهم الخبيثة

بعد توجيه وزير الأوقاف برعايته الصحية.. قصة إمام مسجد بقنا طعنه لص

خطوات جديدة بعملية إعادة التوازن البيئى لبحيرة قارون.. إنزال كميات من يرقات الجمبرى.. تزويد البحيرة بـ 5 ملايين وحدة جمبري.. والتحسن النسبي في مياه البحيرة ساهم في النمو السريع لليرقات في الموسم الماضى.. صور

المشدد 5 سنوات لشقيقين لحيازتهما أسلحة واستعراض القوة بشبرا الخيمة

الداخلية تكشف تفاصيل نصب شخص على راغبى السفر للخارج

عصام عبد القادر يكتب عن أوهام رئيس وزراء إسرائيل: وعي المصريين وصلابة موقف القيادة السياسية.. ردع كافة سياسات الاحتلال.. مستعدون للمواجهة.. نذكر إسرائيل بالدرس القاسي.. دعم القضية الفلسطينية لا زحزحة عنه

الداخلية: ضبط 3 تيك توكر لنشرهم فيديوهات خادشة للحياء بالغردقة

تفاصيل سقوط 3 شباب طاردوا فتيات بسياراتهم على طريق الواحات.. القصة بدأت بمعاكستهم فى كافيه وانتهت بحادث مروع.. أم الضحية: أي فلوس مش هتعوض بنتي.. القانون صنف الأفعال كجريمة تحرش.. وعقوبات قاسية تنتظر المتهمين

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى