نشوى رجائى السماك تكتب: العهد

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بداخلى تلك الطفلة التى لم أشعر يوما أننى أصبحت شخصا غيرها، تغيرت الملامح وصارت على الجسد قوانين الزمن لتتشكل امرأة عشرينية ثم ثلاثينية ولعله فى الغد تتشكل امرأة أربعينية ثم خميسينية، من يدرى.

صرت طبيبة تستطيع تحمل مسئولية إنقاذ أرواح البشر، تفحص مرضاها، تشخص أمراضهم وتصف لهم العلاج، لكن تلك الطفلة التى لم تغادرنى ولم أفلتها، تتسلل دائما لتكون حاضرة معى بطفولتها فى أكثر المواقف جدية فربما يجدها مريض فى عينى طبيبته تقفز لتربت على قلبه بيدها الصغيرة أو يجدها تضع كفيها فوق عينيها لأنها لا تستطيع النظر إلى الدم، أو ربما يجدها حاضرة فى ابتسامة تحثه أن يسابق فراشات الربيع وأن يقبض على مخاوفه بيده، يطوح ذراعه قدر استطاعته ثم يقذفها بعيدا وهو يغنى للشمس يطلب منها أن تأخذ هذه المخاوف وتبدله أغنيات جميلة مكانها مثلما كان يطلب منها أن تأخذ أسنانه اللبنية لتبدله أسنانا قوية.

 

أذكر ذلك المريض الشاب الذى جمعنا حوله كبير الأطباء فى القسم الذى أعمل به فى المستشفى، فقد كان أستاذى يجرى له عملية جراحية صغيرة لإنقاذ حياته لكنها مؤلمة بشكل واضح بالرغم من البنج الموضعى الذى تم حقنه به. 

 

يبدو أن المريض ضبط الطفلة تتسلل من عينى يملؤها الذعر والتعاطف مع ألمه بشكل واضح، فبعد أن تم إنقاذ حياته وتماثل للشفاء جاء ذات مرة لزيارتنا بالمستشفى ليشكرنا، وأخبرنى أنه لم ينس نظرتى أثناء تلك الجراحة وأنه أشفق على حينها لدرجة أنه كاد يطلب منى أن أنتظر بالخارج مع والدته.

 

أذكر أيضا مريضى صاحب الثمانين عاما، الذى زارنى فى العيادة محمولا على الأكتاف، بجسد هزيل ووجه قد أسدل ستائره رافضا مرور ضوء الشمس لمداعبة عينيه، تحدثت إلى أولاده الذين اصطحبوه إلى عيادتى ثم تحدثت إليه محاولة أن أجتذب من فمه الحديث بعد أن قرأت نتائج تحاليله وأشعاته ثم فحصته، لا أعلم كيف خرج هذا الرجل من عيادتى يسير على قدميه كأنما عاد شابا من جديد، مقبلا على الحياة بالرغم من أننى لم آت بجديد فى حالته طبيا...!! لكننى أظن أن تلك الطفلة الساكنة بداخلى تسللت مرة أخرى لتمنحه هذه الطاقة والحيوية.

 

ظل هذا المريض يزورنى أسبوعيا بالرغم من أن محل إقامته فى محافظة أخرى، وتقريبا فى كل مرة كان يأتينى بهدية.

أحب الطفلة وأحفظ عهدى معها دائما لكننى بالرغم من حبى لها وامتنانى لأثرها الجميل فى حياة من حولى إلا أننى أشعر أحيانا أن الأطفال فى زمننا هذا لا يجب أن يسكنوا أجساد الكبار، أشفق عليهم من مواجهة الكثير من الزيف والأشياء السيئة التى تحيط بنا يوميا.

 

أغلب من حولنا طردوا الأطفال الذين كانوا بداخلهم فأصبح كل شىء يحتمل الزيف والتلون، حتى الأشياء الطيبة أصبحت تتوارى خجلا أو خوفا خلف الأقنعة فلا تخبر عن نفسها صراحة.

 

كلما حاولت أن أنقض عهدى معها، طوقت عنقى بذراعيها متمسكة بصحبتى، لابد وأنها تعلم أنه يوم مفارقتها سيلفظ صدرى آخر أنفاسه.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أسماء ضحايا حريق سنترال رمسيس من موظفي المصرية للاتصالات

وزير الاتصالات: عودة الخدمات بشكل تدريجى خلال 24 ساعة

وزير التموين: انتظام صرف الخبز المدعم للمواطنين بجميع محافظات الجمهورية

زوج يلاحق زوجته لإثبات نشوزها ويؤكد: بددت 300 ألف جنيه خلال عامين.. تفاصيل

الزمالك يجهز بدائل شلبى والزنارى بعد رحيلهم فى صفقة ربيع


بدء غلق مؤقت للطريق الإقليمي لمدة أسبوع بدءا من اليوم

حول الشوارع إلى جنة.. شاب قنائي يتطوع ويزرع 1000 شجرة على نفقته الخاصة بمدينته.. أحمد عبد العزيز: البداية كانت منذ عام وأحلم بزراعة المدينة كلها بالأشجار المثمرة.. وأسعى لتحقيق الفائدة العامة لأبناء بلدي.. صور

مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 8 - 7 - 2025 والقنوات الناقلة

بعد عطل الاتصالات والإنترنت.. إقلاع 36 رحلة طيران وجار العمل على 33 أخرى

بعد هجوم بيت حانون.. "القسام": سندك هيبة جيشكم وجنائزكم ستصبح حدثا مستمرا


أخبار 24 ساعة.. 21 مصابا فى حادث حريق سنترال رمسيس ولا وفيات حتى الآن

بايرن ميونخ يكشف آخر تطورات حالة موسيالا بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة

اتحاد بنوك مصر: استمرار العمل بشكل طبيعي اليوم الثلاثاء

للمرة الثانية..السيطرة على حريق مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تبدأ التبريد.. صور

إعلام عبري: إصابة 16 جنديا إسرائيليا في انفجار عبوة ناسفة بشمال قطاع غزة

المصرية للاتصالات: فصل التيار خلال الحريق سبب تأثر الخدمة.. وتعويض المتضررين

تجدد اشتعال النيران في مبنى سنترال رمسيس والإطفاء تحاول السيطرة.. صور

نقل حركة الإنترنت الثابت لعملاء المصرية للاتصالات لمركز الحركة بالروضة

الصحة تنشر أرقاما للرعاية الحرجة والعاجلة بديلا عن 137 بعد حريق السنترال

الزمالك يواجه أورانج فى أولى ودياته استعدادا للموسم الجديد

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى