فقه «فتبينوا» نحو تكوين وعى رشيد «2»

د.شوقى علام مفتى الجمهورية
د.شوقى علام مفتى الجمهورية
بقلم د.شوقى علام مفتى الجمهورية
اتجهت البشرية إلى إنتاج بعض العلوم التى تضمن لها سلامة المعلومة التى تُثقل العقل البشرى حين تَرِد إليه، وما يترتب على تلك المعلومة من وعى تجاه قضية ما، أو موقف من أمر ما، من ضمن هذه العلوم ما يُعرف بـ«تحليل البيانات» ووظيفته تتلخّص فى جمع البيانات وفحصها وتدقيقها وتحديد ماهيّتها وما ينبنى عليها من رؤى وأساليب وقرارات عمليّة فى أرض الواقع.
 
ودعت الحاجة إلى مثل هذه الأمور, نظرًا للزخم المعلوماتى الذى نعيش فيه الآن، فسائر الوسائل الناطقة أو المقروءة تحمل كمًّا من المعلومات والبيانات والإحصاءات منها الصحيح ومنها الزائف، وكلٌّ يُشكّل وعيًا بناء على مُنطلقه.
 
ومعنى «تزييف الوعى» هو إنتاج وتصدير معلومات خاطئة حول أمر ما، من أجل تشكيل وعى زائف تجاه هذا الأمر، ومن ثم تتخذ إجراءات من شأنها تعطيل الحقيقة وإظهار غيرها مكانها.
 
وقد وقعت فى عهد سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حادثة ترددت فيها المعلومات الخاطئة والشائعات الباطلة فكونت وعيًا زائفا، هذه الحادثة هى ما تُعرف بـ«حادثة الإفك» وهى الحادثة الأشهر فى تاريخ المسلمين أحدثت رجّة مُجتمعيّة جرّاء ترويج كذب واختلاق فى البيت النبوى الشريف النقى الطاهر، حيث كان الإفك والكذب متعلّقا بعِرض رسول الله فى أهل بيته.
 
تروى القصّة أنّ السيدة عائشة خرجت فى سفر فتأخرت راحلتها عن الرَّكْبْ فرآها صفوان بن المعطِّل فأناخ لها راحلته فركبت، فلمّا رأى المنافقون عودتها معه، استغلوا هذه الفرصة لكى ينشروا شائعة مُزيّفة، فأشعلوا نيران الكذب والاختلاق والتلفيق.
 
ولما كان الأمر كذلك انتشر الكلام حول الموضوع وأصبح يمثّل حالة عامة وتشكيكا فى نزاهة وطُهر البيت النبوى، حتى أنزل الله قرآنا فى هذا الأمر بعدما احتد الأمر واشتد على الرسول وعلى الصحابة وعلى المسلمين وعلى ساكنى المدينة أجمعين.
 
أنزل الله قوله تعالى: «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ» «النور: 15»، أنزل الله هذه الآية للبراءة من هذا الأمر، والمتأمّل فى الآية الكريمة يجد التعبير اللغوى فى قوله «تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» فى غاية البلاغة؛ حيث استعمل الاستعارة المكنية فشبه الخبر والكلام الدائر بشخص وشبّه الراوى للخبر بمن يتهيأ ويستعد للقائه على طريقة تخييلية، كما يُعبّر الطاهر بن عاشور فى تفسير الآية، بتشبيه الألسن فى رواية الخبر بالأيدى فى تناول الشىء.
 
والأصل أنّ الإنسان يتلقّى الأخبار بأذنه، ولكنه عبّر هنا عن التلقّى باللسان، لأنه سُرعان ما انتشر الخبر فلم يصبروا على تمحيصه وتمريره على العقل قبل قبوله ليعلموا صدقه من كذبه، أو صحيحه من زيفه؛ لكنهم نشروه دون دراية، ودون تروٍّ وتريّثٍ، فأحدث ذلك رجّة مُجتمعيّة نتيجة للوعى الحاصل من القصّة المُختلقة، ولذلك وبّخهم الله فى ختام الآية بقوله: «وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ».
 
ولهذا حذّر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تداول الإنسان المسلم للأخبار لمجرّد سماعها فقال: «كفى بالمرء كذبًا أو إثمًا أن يحدث بكل ما سمع»،  يقول الإمام النووى مُعلّقًا على الحديث: «فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان فإنه يسمع فى العادة الصدق والكذب فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن».
 
ويثور فى هذا الصدد التساؤل عن موقف الإنسان من كل خبر يتلقاه من غيره هل ينقله بمجرد تلقيه؟ والواقع أن هذا الأمر يُنظر له من جانبين:
الأول: أنّ المسلم مُطالب بالتحرّى عن صحّة الخبر فى مظانه المختلفة، حتى تتحقّق له المصداقيّة اليقينية التى تسمح له ببناء صورة حقيقيّة مُستقاة من الخبر الصحيح غير الزائف.
 
الثانى: ما يترتب على نقل هذا الخبر من آثار على الفرد والمجتمع، فليس كُلّ ما يُعرف يُقال، ولكلّ حقٍّ باطل يُشبهه، فربما نقل الباطل وهو يظنه حقًّا فشكّل وعيًا جمعيًّا لدى الناس جرّاء ذلك فأفسد عليهم معايشهم ودنياهم.
 

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أخبار مصر.. رئيس الوزراء يحضر احتفالية مرفق الإسعاف المصرى

أتلتيك بيلباو ضد برشلونة.. ليفاندوفسكي يطارد هدفه المئوي مع البارسا

الحرارة 21.. طقس بريتوريا قبل موقعة بيراميدز وصن داونز بنهائي أفريقيا

الكاس ومهدي فى قطر لحضور قرعة كأس العالم تحت 17 عاما

بعد 10سنوات.. السويد تحاكم "داعشى" فى جريمة حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة


مشوار بيراميدز في دوري أبطال أفريقيا قبل مواجهة صن داونز اليوم بالنهائى

الأهلي يرفض زيادة عرض رامي ربيعة ويرحب بانتقال اللاعب للإمارات

هنا جودة معجزة تنس الطاولة.. مسيرة إنجازات على الطريق الأولمبي

10 أسئلة متوقعة فى الجبر لطلاب الثانوية استعدادا لامتحانات نهاية العام

عماد النحاس يجتمع مع ثنائى الأهلى قبل مواجهة فاركو الحاسمة بالدوري


ريفيرو يرفض ضم صفقة أجنبية للأهلي في الوسط أو الدفاع ويفضل الهجوم

تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز.. رمضان وإبراهيم وماييلى بالهجوم

صفحات الغش الإلكترونى تنشر أسئلة امتحان التاريخ للصف الأول الثانوى بالقاهرة

موسم تاريخي لـ"رجال يد الأهلي" بعد التتويج بـ6 بطولات والابطال يتحدثون

سيراميكا يواصل الزحف نحو المركز الرابع بالدورى أمام حرس الحدود.. اليوم

مواعيد مباريات نصف نهائي كأس عاصمة مصر والقناة الناقلة

هزة أرضية بقوة 3 ريختر فى جزيرة كريت

رحلة بلا عودة.. تفاصيل اللحظات الأخيرة لغطاسى ميناء السخنة فى السويس

باقٍ 28 يومًا.. موعد الانقلاب الصيفى وبداية فصل الصيف رسميًا

تفاصيل الترخيص 25 لتخفيف العقوبات الأمريكية على سوريا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى