فقه: «فتبينوا» نحو تكوين وعى رشيد «3».. الحاكمية

د. شوقى علام مفتى الجمهورية
د. شوقى علام مفتى الجمهورية
بقلم د. شوقى علام مفتى الجمهورية
شكّلت مسألة «الحاكمية» أحد أهم المرتكزات الفكرية لدى الجماعات الإسلامية المتطرفة، فمثّلت اتجاههم التنظيرى لما أُدخل على المفهوم من جعله نموذجًا للمفاصلة بين الإيمان والكفر.
 
ونتجت الحاكمية بناءً على فهمهم استنادًا إلى الآيات الكريمة: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ» «الأنعام: 57»، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» «الظَالِمُونَ» «الفاسقون» «المائدة: 44، 45، 47». «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» «المائدة: 50» إلى جانب الآيات الأخرى التى تتحدّث عن قضية الحكم والتشريع.
 
وأوّل من استدلّ بالآيات الكريمة السابقة فى سياق الاستدلال الحجاجى المبنى على موقف سياسى، هم الخوارج فى عهد أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب كرم الله وجهه، فلما حدث الشقاق بين المسلمين الأوائل وأعلنت الحرب وبدأت الغلبة لفريق سيدنا علىّ رُفعت المصاحف على أسنّة الرماح، وانحنى اثنى عشر ألف رجل من جيش الإمام علىّ مطالبين بالحكم بما أنزل الله، فقالوا «إن الحكم إلا لله.. الآية»، فردّ عليهم الإمام علىّ: «كلمة حقّ أريد بها باطل».
 
ومُنذ ذلك الحين وتُستدعى آيات من القرآن للحرب النفسية على المتلقى لإيهامه أنها حقّ وهى باطل فى موضعها وتنزيلها على الوقائع.
 
تلقّى مفهوم «الحاكمية» بتداعياته السياسيّة أبو الأعلى المودودى الباكستانى فشرحه ضمن مصطلحات أخرى حاول أن يركز عليها فى القرآن، واعتقد أنّ الأمة لم تفهم المراد من النص القرآنى الذى تناول هذه المصطلحات الأربع «الإله، الرب، الدين، العبادة»، فأخذ سيد قطب من بعده هذا المفهوم وأسقطه على الواقع المعيش ووضع له مرتكزات تفاعليّة.
 
والحاكمية فى مفهومها هى مصدر صناعى من الفعل حَكَمَ بمعنى شرّع أو فصل بين المتنازعين فى أمر ما، وهو المعنى المستفاد من سياق الآيات الواردة فى القرآن التى تتحدث عن الحكم والتشريع من أمثال الآيات الكريمة المذكورة آنفًا.
 
وداخل علم أصول الفقه نجد علماء المسلمين يتكلمون عن باب «الحاكم» «والحكم»، ويعرّفون الحكم بأنه: خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين اقتضاءً أو تخييرا أو وضعًا، هذا تعريفهم للحكم بصفة عامّة ويقررون أنّ الحكم منه شرعىّ ومنه وضعى، فالوضعى هو خطاب الله بجعل شىء سببًا لشىء أومانعًا أو شرطًا.
 
فما من حكم من الأحكام الشرعية إلا ويلزم لتحقيقه وجود أسباب وتحقق شروط وانتفاء موانع.
 
وعلى ذلك التقعيد فإنّ الخطاب الذى قررته الآيات التى تحدثت عن الحكم، حكما تكليفيًّا تتعلّق به ذمّة المكلّفين، حين تتحقق أسبابه وشروطه وتنتفى موانعه، فبعض الكلمات والمصطلحات والمضامين تكون صحيحة فى نفسها وتحتاج فى تنزيلها على أرض الواقع إلى هذا الخطاب الوضعى.
 
فإذا أخذنا آية:«وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» نجد أنّ العلماء يقولون إنّ عدم الحكم بأمر أنزله الله فى قضيّة ما لا يلزم منه كفر الحاكم الذى حكم فى ذلك الأمر؛ ذلك أنّهم يُفرّقون بين عدم الحكم وجحود كون هذا الحكم مستحقٌ للتطبيق؛ فمناط الحكم المستفاد من الآية هو الجحود، لا مطلق عدم الحكم بما أنزل الله، ولذلك قال سيدنا عبد الله بن عباس وغيره فى تأويل الآية الكريمة: «كُفرٌ دون كُفر». أى ليس المقصود فى الآية الكفر المخرج من ملّة الإسلام.
 
هذا ما فهمه علماء المسلمين على مرّ العصور من هذه الآيات، ومال كثير من العلماء، أيضًا، إلى القول بأنّ الآية الكريمة نزلت فى اليهود، حين حرّفوا التوراة وبدلوا بعض الآيات فيها لإرضاء هواهم، ولا تنسحب على غيرهم؛ إذ لا ينسحب الخطاب إلى غيرهم من مفهوم الآية كونهم هم الذين بدّلوا وحرّفوا.
 
وهذا الفهم الذى ظل فى كل مراحل التاريخ عند علماء المسلمين هو ما وجدناه فهمًا رشيدًا متفقًا مع منهجية تطبيق الأحكام عند صحابة رسول الله والتابعين ومن بعدهم، ولا أدلّ على ذلك من إيقاف تطبيق سيدنا عمر بن الخطاب لحدّ السرقة فى عام المجاعة، نظرًا لخلوّ المحلّ الذى يصحّ أن يُوقعه عليه وهو الذى نُسمّيه «تحقق الشروط، وانتفاء الموانع» فلما لم يجد سيدنا عمر شروط تطبيق الحكم متحققة لم يُوقعه، بل أوقفه، ولم يقل أحد إنَّ سيدنا عمر حكم بغير ما أنزل الله فاستحقّ الرمى بالكفر.
 
إذًا نخلص إلى نتيجة مفادها أن الآيات الواردة فى الرمى بالكفر لمن لم يحكم بما أنزل الله هو جحود كون حكم الله غير صحيح أو أنّ حكم غيره أفضل لأنّ لازم ذلك هو الطعن فى مُصدره وهو الله سبحانه وتعالى.
 
 

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

أخبار مصر.. رئيس الوزراء يحضر احتفالية مرفق الإسعاف المصرى

أحمد السقا يستأنف حياته الطبيعية ويظهر لأول مرة بعد انفصاله.. اعرف القصة

ريفيرو يتفق مع الأهلي على مساعديه ويرفض مدرب حراس مصرياً أو بقاء يانكون

الحرارة 21.. طقس بريتوريا قبل موقعة بيراميدز وصن داونز بنهائي أفريقيا

بعد 10سنوات.. السويد تحاكم "داعشى" فى جريمة حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة


باختصار.. أهم الأخبار العربية والعالمية حتى الظهيرة.. رئيس وزراء أستراليا يعلن بدء إزالة آثار دمار الفيضانات.. 8 شهداء فلسطينيين فى قصف إسرائيلى لمناطق متفرقة فى غزة.. وفرنسا تدعو إلى إنهاء فوري للحرب فى القطاع

الأهلي يرفض زيادة عرض رامي ربيعة ويرحب بانتقال اللاعب للإمارات

موجة شديدة الحرارة.. تحذيرات من الطقس خلال الـ 72 ساعة المقبلة

10 لاعبين يسجلون غيابًا عن الزمالك أمام بتروجت الليلة بقيادة ناصر منسى

بعثات الحج المصرية تصل الأراضي المقدسة بالتنسيق مع الجانب السعودي .. والمشرع المصري يضمن حقوق الحجاج بعقوبات صارمة للمخالفين.. وتشكيل غرفة عمليات بالداخل والخارج.. وبعثة رسمية للتقييم ورفع توصياتها للرئيس


عماد النحاس يجتمع مع ثنائى الأهلى قبل مواجهة فاركو الحاسمة بالدوري

التشكيل المتوقع لمباراة الريال ضد ريال سوسيداد في الدوري الإسباني

التشكيل المتوقع للزمالك أمام بتروجت.. مصطفى شلبى وسيف الجزيري فى الهجوم

ريفيرو يرفض ضم صفقة أجنبية للأهلي في الوسط أو الدفاع ويفضل الهجوم

تشكيل بيراميدز المتوقع أمام صن داونز.. رمضان وإبراهيم وماييلى بالهجوم

أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء فى فيلم الشيطان شاطر

باريس سان جيرمان يخشى مفاجآت ريمس في نهائي كأس فرنسا

هزة أرضية بقوة 3 ريختر فى جزيرة كريت

رحلة بلا عودة.. تفاصيل اللحظات الأخيرة لغطاسى ميناء السخنة فى السويس

مواعيد مباريات اليوم السبت 24 - 5 - 2025 والقنوات الناقلة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى