«فتبينوا» نحو تكوين وعى رشيد.. فقه المواطنة

شوقى علام
شوقى علام
شوقى علام
أصبح «مبدأ المواطنة» أحد أهم المبادئ التى تؤكد عليها أدبيات قيام الدول بشكلها الحديث، ويرتبط المواطنون داخل الوطن الواحد بعقد اجتماعى بين الأفراد وبينهم وبين الدولة، يتضمن الالتزام فى تقرير الحقوق والواجبات.
 
تبنى النظام العالمى التأكيد على مبدأ المواطنة وتداعياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتقرير هذا المبدأ، والعمل على نشره، والدعوة إلى تفعيله عن طريق آلياته، المتمثّلة فى «التساوى»، «والتجانس»، «والانسجام» بين المسارات المختلفة التى يجتمع عليها الناس، لدلالتها على الهُويّة، كالمسار الاجتماعى القائم على تبادل المنافع، والعمل، والعلاقات، وسائر التعاملات، والمسار القانونى القائم على حفظ الحقوق، ومراعاتها، والمسار السياسى القائم على مراعاة مصالح الأفراد، داخل الوحدة الوطنية الواحدة، والمسار الثقافى والتاريخى القائم على مراعاة عادات وتقاليد وثقافة المجتمع بما يضمن له الهُويّة الذاتية.
 
تفاعل المسلمون مع المصطلح الوافد وقَبِلوه ولم يَرَوْا بأسًا فى مضامينه عدا الجماعات الإرهابية التى ترى أن الاعتراف بالمواطنة يقلل من الانتماء للدين، ونحن نقرر أنه وإن لم يُنَصّ على المصطلح بذاته ولم يكن معروفًا من ذى قبل، فهذا ليس مُسوّغًا لرفضه وعدم قبوله، فإنّ أى مصطلحٍ- كما هو مقرر- يُحاكى الفكرة التى تُعبّر عنه سواء كان لها لفظ محدد أو مفهوم عام.
 
ووجدوا ضالتهم فيما قرره الإسلام فى بداية عهده المدنى من أخذه بمبدأ المواطنة، حيث إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وضع وثيقة المدينة بينه وبين يهود المدينة، وقد حوت نحو 47 بندًا دستوريًّا تضمن الحقوق، وتؤكد على الواجبات والالتزامات.
 
وقد مثّلت الآية الكريمة من سورة الممتحنة:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]، الأساس والمنطلق الذى قرره الرسول الكريم لشركائه فى الوطن (المدينة)، حقوق ممارسة الشعائر الدينية، والنصح والنصيحة، والبر دون إثم، والقسط، والعدل، والنصرة والمعاونة على أعداء المدينة، والانتماء للمحيط القطرى الذى يعيشون فيه، وأنه ما دام الآخر لم يُقاتل ولم يعتدِ ولم يسعَ لتخريب الديار «بكافة أنواع التخريب» فحينها يجب على المسلم القسط إليه، والعدل معه فى سائر الأحوال، فكان هذا هو الأساس الدستورى والضمانة المجتمعية، وقد ضمنت تلك الوثيقة حقوق المقيمين فى المدينة من مسلمين «مهاجرين، وأنصار» ومن يهود «بقبائلهم المختلفة المستوطنين المدينة»، بغضّ النظر عن الدين والمُعتقد، بما يُحقق قاعدة: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، أى تحقيق المساواة التامّة وهو أحد تجليات مبدأ «المواطنة».
 
صحيح فى تراثنا الإسلامى لا نجد كلمة «مواطنة»- وهى المصدر الميمى من الفعل «وَطَنَ»- مُصطلحًا ومنصوصا عليها بلفظها، إلا أنّ مفهومها الذى يعنى «التساوى بين الأفراد فى الحقوق والواجبات» منصوص عليه ومُقرر ومُضمّن كما سبق.
 
ونرى أن فكرة المواطنة نشأت بالأساس كضرورة إزاء التنوع والتعدد البشرى، فالاختلاف بين البشر فى اللغات واللهجات والصفات والألوان سُنّة كونية قررها الشرع الشريف وتعامل معها بعين الحِكمة، فمثلا جاءت آيات فى القرآن تؤكد هذا المعنى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 119]، {وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22]، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، فالمعنى المُشترك فى الآيات السابقة هو أن الناس مختلفون ومتنوعون ومتعددون، ولكى تستمر حياة الناس  اصطلحوا على «المواطنة» كأساس وصيغة مجتمعيّة توافقية تسمح لهم بالعيش المشترك دون إجحاف من أحدهما، وتقف حائلا دُونَ ما يمكن أن نُسمّيه «الحقد المُجتمعى» الذى يتجلّى فى الحقد الطائفى، أو الحقد العنصرى، أو الحقد العِرقى، أو الحقد السياسى، وهكذا، كلّ هذه الأشكال التى تُحدث خلخلة فى بنية المجتمع، وتقضى على الوحدة المُجتمعية.
 
وقد جاء القانون المصرى مرسخًا هذا المبدأ فى نظامه الدستورى فى دستور 1923 وما بعده من دساتير أو فى قانونه العادى، فقد جعل المصريين جميعا أمام القانون سواء، بصرف النظر عن أى اختلاف فى اللون أو العقيدة فو النوع قيما بينهم، مما جعل ريادة للقانون المصرى فى هذا الصدد.
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

بيرو تفتح تحقيقاً جنائياً بحق جندي إسرائيلي بعد شكوى مؤسسة هند رجب

الأهلي يقدم إقرارا ضريبيا لـ"فيفا" والسلطات الأمريكية لمواجهة أزمة الضرائب

صن داونز بالقوة الضاربة أمام بيراميدز فى نهائي دوري أبطال أفريقيا

"القومى للبحوث" يكشف عن طرق الوقاية من التسلخات والدمامل خلال الحج

عن احتمالية حدوث زلزال عنيف فى مصر.. مسئول بمعهد البحوث الفلكية يوضح


رئيس الوزراء يسلم وحدات “سكن لكل المصريين” بمدينة 6 أكتوبر الجديدة

ميدفيديف يرفض اتهامات "الاستخدام غير المتناسب للقوة" من جانب روسيا

الأهلي يترقب الحصول على 70 مليون جنيه من فيفا خلال أيام

إسماعيل ياسين وشادية.. ثنائي كوميدي أثرى السينما المصرية

تقرير الطب الشرعى يكشف مفاجأة فى واقعة تعدى جد على حفيده بشبرا الخيمة


موعد مباراة بيراميدز وصن داونز فى نهائى دورى أبطال أفريقيا

رسمياً.. محمد صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي 2025

ريفيرو يتفق مع الأهلي على مساعديه ويرفض مدرب حراس مصرياً أو بقاء يانكون

القصبجي والإبياري وفطين عبد الوهاب رفاق إسماعيل ياسين في سجل السينما

الأهلي يرفض زيادة عرض رامي ربيعة ويرحب بانتقال اللاعب للإمارات

10 أسئلة متوقعة فى الجبر لطلاب الثانوية استعدادا لامتحانات نهاية العام

ريفيرو يرفض ضم صفقة أجنبية للأهلي في الوسط أو الدفاع ويفضل الهجوم

صفحات الغش الإلكترونى تنشر أسئلة امتحان التاريخ للصف الأول الثانوى بالقاهرة

أحمد عيد يعود لتقديم الكوميديا السوداء فى فيلم الشيطان شاطر

7 نجوم خارج أسوار كأس العالم للأندية 2025.. محمد صلاح الأبرز

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى