فقه‭‬‮: «‬فتبينوا‮» ‬‭‬نحو‭ ‬تكوين‭ ‬وعى‭ ‬رشيد‭..‬ الخلافة‭

د. شوقى علام مفتى الجمهورية
د. شوقى علام مفتى الجمهورية
بقلم د. شوقى علام مفتى الجمهورية
أضحت‭ ‬قضية‭ ‬الخلافة‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬القضايا‭ ‬الحاضرة‭ ‬فى‭ ‬أذهان‭ ‬دعاة‭ ‬حركات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬المعاصرة،‭ ‬واستمدوا‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬شرعيتهم‭ ‬الفكرية‭ ‬وخلافهم‭ ‬مع‭ ‬غيرهم‭ ‬فى‭ ‬كونهم‭ ‬يعملون‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وهذا‭ ‬مما‭ ‬يجعلنا‭ ‬نقف‭ ‬وقفة‭ ‬تأمُّل‭ ‬موضوعيَّة‭ ‬فى‭ ‬المسألة‭ ‬برُمَّتها‭ ‬حتى‭ ‬نفصل‭ ‬فيها‭ ‬القول‭.‬
 
لما‭ ‬انتقل‭ ‬النبى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إلى‭ ‬الرفيق‭ ‬الأعلى،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬بدت‭ ‬ملامح‭ ‬الدولة‭ ‬فى‭ ‬الظهور‭ ‬ارتأى‭ ‬المسلمون‭ ‬المجتمعون‭ ‬فى‭ ‬سقيفة‭ ‬بنى‭ ‬ساعدة‭ ‬أن‭ ‬يخلف‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬أحد‭ ‬أصحابه‭ ‬ويُسيَّر‭ ‬أمور‭ ‬المسلمين‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تسير‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬النبى،‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم؛‭ ‬فلما‭ ‬كان‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وقع‭ ‬الاختيار‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬أبى‭ ‬بكر‭ ‬الصديق،‭ ‬ثمَّ‭ ‬بعده‭ ‬جاء‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬ثمَّ‭ ‬عثمان‭ ‬بن‭ ‬عفان،‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬طالب،‭ ‬رضى‭ ‬الله‭ ‬عنهم،‭ ‬كل‭ ‬جاء‭ ‬بطريقة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬نموذج‭ ‬واحد‭ ‬فى‭ ‬طريق‭ ‬تعيين‭ ‬الحاكم،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬اسم‭ ‬الخليفة‭ ‬فى‭ ‬ذاته‭ ‬محل‭ ‬اتفاق‭ ‬لديهم‭ ‬جميعًا،‭ ‬فكان‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬خليفة‭ ‬وكان‭ ‬عمر‭ ‬أميرًا‭ ‬للمؤمنين‭ ‬وهكذا‭.‬
 
فحاصل‭ ‬الأمر‭ ‬من‭ ‬تصوِّر‭ ‬معنى‭ ‬الخلافة‭ ‬أنها‭ ‬شكل‭ ‬سياسى‭ ‬وظيفته‭ ‬رعاية‭ ‬الناس‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬مصالحهم‭ ‬فى‭ ‬الدين‭ ‬والدنيا،‭ ‬فمقتضاها‭ ‬حمل‭ ‬الكافة‭ ‬على‭ ‬مقتضى‭ ‬مصالحهم‭ ‬الأخروية‭ ‬والدنيوية‭ ‬الراجعة‭ ‬إليها‭ ‬كما‭ ‬يُعبِّر‭ ‬المؤرخ‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭.‬
 
والدولة‭ ‬تُعدُّ‭ ‬أحد‭ ‬أشكال‭ ‬التنظيم‭ ‬السياسى‭ ‬والقانونى‭ ‬للمجتمع،‭ ‬المُتكوِّن‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬إقليمية‭ ‬وإدارية‭ ‬وسياسية‭ ‬معروفة‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬تمارَس‭ ‬خلالها‭ ‬القوانين،‭ ‬وتتشكَّل‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬تحقق‭ ‬مصالح‭ ‬الأفراد،‭ ‬وتُنظِّم‭ ‬الدولة‭ ‬حقوق‭ ‬وواجبات‭ ‬الأفراد‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬العقد‭ ‬الاجتماعى‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والنظام‭ ‬القائم‭.‬
 
وهناك‭ ‬خلط‭ ‬حصل‭ ‬بين‭ ‬الحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬والخلافة‭ ‬بمعناها‭ ‬السياسى،‭ ‬فالحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬هو‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬ونصرة‭ ‬المظلوم،‭ ‬وهذا‭ ‬المعنى‭ ‬يكاد‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬الغاية‭ ‬التى‭ ‬يسعى‭ ‬لأجلها‭ ‬أى‭ ‬نظام‭ ‬سياسى،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬الخلافة‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬فغاية‭ ‬جميع‭ ‬النُّظم‭ ‬السياسية‭ ‬هو‭ ‬إقامة‭ ‬العدل،‭ ‬وحفظ‭ ‬مصالح‭ ‬وحقوق‭ ‬الأفراد‭ ‬الواقعين‭ ‬تحت‭ ‬لواء‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭.‬
 
فإذا‭ ‬كانت‭ ‬الخلافة‭ ‬تتبع‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬وتُطبِّقها‭ ‬فى‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭ ‬وُصفت‭ ‬بكونها‭ ‬رشيدة،‭ ‬كما‭ ‬وُصفت‭ ‬فترة‭ ‬الخلفاء‭ ‬الأربعة‭ ‬الأُوَلْ،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تطبقها‭ ‬نُزِعَ‭ ‬منها‭ ‬وصف‭ ‬الرشد؛‭ ‬فوصفها‭ ‬بالرشد‭ ‬لأجل‭ ‬تحقيقها‭ ‬قيم‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة‭ ‬لا‭ ‬لأجل‭ ‬كونها‭ ‬خلافةً‭ ‬فحسب‭.‬
 
فالخلافة‭ ‬إذًا‭ ‬صيغة‭ ‬سياسية‭ ‬تفهم‭ ‬فى‭ ‬سياقها‭ ‬التاريخى‭ ‬وليست‭ ‬فريضة‭ ‬دينية‭ ‬كما‭ ‬قرر‭ ‬ذلك‭ ‬علماء‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬الفروع‭ ‬وليست‭ ‬من‭ ‬الأصول،‭ ‬وقد‭ ‬أرادت‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬أن‭ ‬تنقلها‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬وظيفة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬تأخذ‭ ‬أشكالًا‭ ‬متعددة‭ ‬إلى‭ ‬وظيفة‭ ‬دينية‭ ‬مفروضة‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬عداها‭ ‬ليس‭ ‬داخلًا‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬المشروعية،‭ ‬وهذا‭ ‬الفهم‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬الأوطان،‭ ‬بل‭ ‬محاها‭ ‬فى‭ ‬أدبياتهم‭.‬
 
ومن‭ ‬ثم‭ ‬إذا‭ ‬رُسمت‭ ‬معالم‭ ‬لوطن‭ ‬الإنسان‭ ‬وجب‭ ‬عليه‭ ‬الدفاع‭ ‬عنه‭ ‬وحفظ‭ ‬ثغوره‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تمسها‭ ‬يد‭ ‬معتد،‭ ‬سواءٌ‭ ‬قيل‭ ‬لذلك‭: ‬‮«‬وطن‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬دولة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬خلافة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مملكة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سلطنة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬المختلفة‭.‬
 
فالخلافة‭ ‬ليست‭ ‬مقصودة‭ ‬لذاتها،‭ ‬بل‭ ‬المقصود‭ ‬تحقيق‭ ‬قيم‭ ‬العدل‭ ‬والمساواة،‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬بخلافة‭ ‬أو‭ ‬بملك‭ ‬أو‭ ‬بسلطنة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بشكل‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة،‭ ‬مما‭ ‬نفهم‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬الخلافة‭ ‬بما‭ ‬وصل‭ ‬لنا‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬عنها‭ ‬هى‭ ‬فترة‭ ‬زمنية،‭ ‬اتفق‭ ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الشكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬الحكم‭ ‬وسارت‭ ‬عليه‭ ‬الأمة‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬لأنماط‭ ‬الدولة‭ ‬الحديثة‭ ‬وجود‭ ‬فى‭ ‬وقتهم‭ ‬لفعَّلوه‭ ‬وارتضوه،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متاحًا‭ ‬لوقتهم‭ ‬وزمنهم،‭ ‬والآن‭ ‬ومع‭ ‬حضور‭ ‬الأمة‭ ‬فى‭ ‬المشهد‭ ‬العالمى‭ ‬المعاصر‬‭ ‬وتعدد‭ ‬الأنماط‭ ‬التى‭ ‬يعيشها‭ ‬الإنسان‭ ‬المسلم‭ ‬فى‭ ‬يومه،‭ ‬فليس‭ ‬المقصود‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬المسلم‭ ‬فى‭ ‬معزل‭ ‬عن‭ ‬المتغيِّرات‭ ‬العالمية‭ ‬المحيطة،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬عليه‭ ‬الحضور‭ ‬الدائم،‭ ‬الذى‭ ‬يحقق‭ ‬التعايش‭ ‬والتكامل‭ ‬مع‭ ‬احتفاظه‭ ‬بشخصيته‭ ‬الوطنية‭ ‬التى‭ ‬يعتز‭ ‬بها‭ ‬ويدافع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬مقومات‭ ‬وطنه‭ ‬ودولته‭.‬
 

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

طبيبة أطفال فلسطينية تستقبل أطفالها الـ7 أشلاء متفحمين نتيجة القصف الإسرائيلى

مادسن: كأس الكؤوس الإفريقية تتويج لموسم كبير لرجال اليد

متحدث حركة فتح: التحول الأوروبي إيجابي.. ويجب على العرب تعظيم ما نملكه من أوراق ضغط

تكريم خاص لثلاثي اليد بالأهلي بعد نهاية مشوارهم مع الفريق

شاهد اعتقال المشتبه به فى هجوم بسكين بمحطة هامبورج للقطارات فى ألمانيا.. صور


إصابة 12 على الأقل فى هجوم بسكين بمحطة قطارات هامبورج فى ألمانيا.. صور

نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية يتفقد الخط الثاني للقطار الكهربائي السريع من القاهرة للمنيا.. كامل الوزير: الشبكة تساهم في خلق محاور لوجيستية تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط وشمال وجنوب البلاد بالموانئ

الثلاثاء ميلاد هلال ذى الحجة والأربعاء أول أيامه فلكيا وهذا موعد عيد الأضحى

فيستون ماييلى جاهز لتدعيم هجوم بيراميدز أمام صن داونز بنهائى أفريقيا

فيفا يحارب "كوبرى" انتقالات اللاعبين قبل ميركاتو الصيف وكأس العالم للأندية


ريفيرو يحضر ودية الأهلى من مدرجات التتش لإستكشاف كتيبة النحاس

الفلسطيني محمد بلح: فقدت كل ما أملكه في غزة وزوجتي وابني محتجزين بالقطاع.. فيديو

صحة على مدار الساعة وطمأنينة تملأ الساحة.. حجاجنا بخير بالأراضى المقدسة

انفلونزا الطيور تضرب اقتصاد البرازيل.. عشرات الدول توقف شراء الدواجن

على طريق الطواف.. حجاجنا يتركون المدينة بقلوب مطمئنة نحو مكة

رابطة الأندية ردا على المحكمة الرياضية: اللائحة معتمدة من الـ18 ناديا

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى