القارئ محمد محمد مصطفى يكتب: المـآتـم

سرادق عزاء ــ أرشيفية
سرادق عزاء ــ أرشيفية

لا شك أن كل إنسانٍ منا قد مرَّ فى حياتهِ بمرحلةٍ فقدَ فيها شخصاً عزيزاً عليه بسبب الموت، فالموتُ لا يستأذنُ من سيموت ولا يستأذنُ أهلَه فلكلٍّ منَّا أجلٌ مكتوبٌ وأنفاسٌ معدودةٌ عندما تنتهى هذه الأنفاس تكون النهاية الحتمية هى الموت.

أنا هنا لا أتكلمُ عن الموتِ فى حد ذاته، ولا حتى عن الشخص الذى قد مات وترك الحياة، ولكن أتكلمُ عن الأحداثِ التى اْخترعناها وطورناها ونتفاخرُ بها وأقصدُ بعد هذه المقدمة المـآتم أو المحزنة (سمِّها كما تشاء على حسب أين تسكن فى جمهورية مصر العربية).

 عادةٌ غريبة ولا أجدُ لها داعى على الإطلاق وإن كان لها داعى وجدوى (وليها لازمة يعنى) فيمكن أن نقلِّلُ من تكاليفها، خصوصاً أنَّ الميت لا ينالُه أىَّ شىء من هذه الأموال، ولو سألناهُ بعد موتِه وخيرناهُ بينَ عمل سرادق عزاءٍ له وسوف نُكلفهُ آلاف الجنيهات وبين التبرعِ بربعها مثلاً لاختارَ – بلا شك – التبرعَ والإنفاقَ لأنهُ سيستفيدُ من هذه الأموال المنفقة أمَّا ما يُصرفُ على المآتم فهى أموالٌ مهدرةٌ بإسرافٍ عجيب.

عادةُ المآتم فى مصر عادةٌ قديمةٌ جداُ أعطاها المصريون ألواناُ من القدسية بل وصِرنا نسجلُها بالصوتِ والصورةِ حتى نظلَّ نتذكرُها ونتذكرُ من أَتَوا لمواساتنا ومن لم يأتِ ونتكبرُ ونتفاخرُ على الناس لأننا أتينا بالشيخ فلان أو بالشيخ علان والفِراشة كانت من عند الحج فلان أغلى واحد فى البلد وعدة الصوت كانت من عند المهندس فلان صاحب الأستوديو الشهير الذى يتقاضى مبلغا ضخم.

يَحكى لى أحدُهم أنَّ مجموعةَ إخوة مات أبوهم بعد صراعٍ مع المرض فأقاموا سرادقَ عزاءٍ لم يرهُ أحد من قبل وأتَو بالشيخ الفلانى الذى يتقاضى كذا وكذا وسجلوا العزاءَ بثلاثِ كاميرات فيديوا مع وجود إخراج طبعا وشاشات للعرض المباشر حتى أنفقوا أكثر من مائة ألف جنيه على السرادق والعزاء وبعد أن أنهى كلامهُ لاحظَ إنبهارى بهذه الأرقام ... فقلتُ له أكيد كان المرحوم غالى جدا عليهم فابتسمَ ابتسامةً ساخرة وقال أكيد طبعاً بدليلِ أنهم وضعوهُ فى قسم العناية المركزة فى أحد المستشفيات ولم يزرهُ أحدٌ منهم لفترةٍ تجاوزت الثلاثين يوماً بالرغم من وجودهم فى نفس المدينة حتى أن بعضَ الأدوية كانت تأتيهِ عن طريق متبرعين من أهلِ المرضى المجاورين له فى المستشفى بالرغمِ من قدرتهم المادية الفائقة وقبل أن يضعوهُ فى المستشفى كان يجلسُ وحيداً لا يجدُ من يُطعمهُ ولا يسقيهِ فى حجرةٍ فى الطابق الخامس وضعوهُ بها لأنهم يتأفَّفُونَ منه ومن خدمته (عقوق والِدين ونفاق مجتمع).

فى المآتم نفسها أشياءٌ تحدثُ تجعلُكَ تشمئزَّ منها وممن يقومون عليها إلاَّ طبعاً لو كنتَ من أولئِك المستفيدين من هذه المشاهد. فمثلاً إذا كنتَ نائباً فى مجلسِ الشعب فلك مكانتُك عند أصحابِ السرادق وسوفَ تُقدمُ على الجميع ويُفسحونَ لك الطريق وترى أحدُهم يصحَبُك من يدِكَ وآخرٌ خلفك حتى لا تضِلَّ الطريق ويظلوا معك حتى يُجلسوكَ فى أماكنَ مخصَّصةٍ لعِليةِ القوم فهناك المقاعد مُريحة غير تلك المقاعد التى يجلسُ عليها العامة وربما أَتَو لك بتكييف مخصص للمكان ومعه مراوح تُروحُ عليك.

عندما تصلُ لمكانِك الذى أوصلوك إليه سيقابلُكَ هناك بشغفٍ وأحضانٍ وتبجيلٍ وتعظيمٍ كل من عمدةِ البلدة – فى الريف – ومعه الحاج أحمد صاحب محلات الذهب والحاج إسماعيل صاحب مصنع الطوب والحاج كارم طبعا صاحب معرض السيارات ومعهم بالتأكيد رئيس الوحدة المحلية ورئيس مجلس المدينة وغيرهم مِمَّن هم على شاكلتهم، كلُّهم فى استقبالِك واقفينَ ينتظرونك وربما قابلوك فى أولِ السرادق ولو علموا بموعدِ مجيئِكَ لربما حملوكَ من سيارتِك على أكتافهم، كلُّ هذا لأنك نائبُ البرلمان المبَجل الذى يزورهم مرة كل أربع سنين عند الإنتخابات (فقط) ولمَ لا فهو موسم بالنسبة لحضرتك وبالنسبة لزملاء حضرتك المرشحين فدورُكم الرئيسى فى هذه الفترة هو اللف على المآتم والمناسبات فى كل بلاد الدائرة الانتخابية.

ويجلسُ سيادة النائب على المقعد المخصص له فى الركن البعيد الهادى والممنوع منه العامة وفجأةً يهرعُ من مكانهِ واقفاً لأنه رأى من هو قادماً إلى السرادق ولمَ لا يقفُ سيادة النائب لسيادة الوزير فهو أعلى منه فى الرتبة (إن جاز التعبير) والمكانة والمنزلة الاجتماعية.

بعد هذا المشهد بلحظاتٍ أو ربما فى نفس الوقت يأتى رجلٌ بسيطٌ من أهلِ القرية ربما يكون مدرساً أو فلاحاً أو عالماً فقيراً.. المهم أنه رجلٌ ليس غنياً أو أنه لا يأبه لمثل هذه الترهات التى تحدث فهو جاءَ ليؤدى واجب العزاء فى جارٍ له من أهلِ بلدته .. فربما ترى هذه الأجساد اللاهثة وراء سيادة النائب ومن بعده سيادة الوزير تَراها تقابلُ هذا الرجل مقابلةً جافة .. إن مدُّوا أيديهم لِمصافحتهِ تشعرُ كأنهم يتصدقون عليه ولا يهتمُّ به أحد ليُجلِسَهُ على مقعد – حتى أى مقعد –.. يصافحهُ أحدُهم ببرود ولا ينظرُ إليه لأن عيناهُ شاردتان فى السرادق وفى والطريق المؤديةِ إليه يبحثُ عن نائبٍ آخر أو وزيرٍ آخر ثم يشاورُ لهُ أن إجلس هناك .. وربما إشمأزوا منه ومن إتيانه لهم فى هذا التوقيت الذى يتواجد فيه السادة.

وإن ذهبتَ إلى (هناك) حيثُ جلسَ هذا الرجل (الفقير) ترى هناكَ مجموعةً من الناسِ متشابهينَ فى لباسهم وأشكالهم تكسوهم البساطة وعدم التكلف وفوق كلِّ ذلك ربما تجدهم هُمُ الأقربُ لأصحابِ السرادق فى مصائبِهم وكم مرةً وقفوا معهم وجبروا كسرهم ولكنها هى الحياة ياأصدقئى فدائماً المصلحةُ تحكم (المصالح بتتصالح).

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

مواعيد مباريات اليوم.. ليفربول ضد بورنموث في افتتاح الدوري الإنجليزي والأهلى ضد فاركو

جميلة عوض تعوض غيابها عن السينما بـ4 أفلام دفعة واحدة

فيريرا يرفع شعار المفاجآت قبل مواجهة المقاولون في دوري Nile

كل ما تريد معرفته عن المعهد الشرطى الصحى.. الشروط والمجموع المطلوب للتقديم

منتخب الشباب يلاقي المغرب في الودية الثانية اليوم استعدادا للمونديال


وزارة الصحة تخصص آلية لاستعلام عن قرارات العلاج على نفقة الدولة.. وتكشف قائمة الأمراض الأكثر طلبا لقرارات العلاج المجانى.. تسهيل الحصول على كارت الخدمات المتكاملة.. وتؤكد: مناظرة 5000 مواطن عبر الفيديو كونفرانس

ترتيب الكرة الذهبية بعد السوبر الأوروبي.. محمد صلاح يطارد ثنائي باريس

الطقس اليوم.. شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة والعظمى بالقاهرة 38 وأسوان 49

مروان عطية ينتظم فى تدريبات الأهلي خلال 10 أيام بع جراحة "الفتاق"

عمر مرموش يتصدر أغلى اللاعبين الأفارقة في الدوري الإنجليزي الموسم الجديد


حمدي فتحي في اختبار صعب مع الوكرة ضد العربي في الدوري القطري

مشهد مرتبك فى لبنان.. مساع لتوحيد المواقف بشأن حصر السلاح قبل زيارة مبعوث ترامب لبيروت.. مسئول إيرانى يبث رسائل طهران من بيروت.. عون يرد: نرفض التدخل فى شئوننا ولا استثناءات فى حمل السلاح.. وترقب لخطة نزعه

محمود سعد: أرقام تحاليل أنغام تتحسن لكن موصلتش لمرحلة الخروج من المستشفى

منتخب الشباب جاهز لودية المغرب الثانية ونبيه يشيد بالروح القتالية (صور)

غدا.. انطلاق امتحانات الثانوية العامة للدور الثانى 2025

بيراميدز يواجه دايموند وديا اليوم استعدادا للمصري البورسعيدي

أهداف مباريات اليوم الخميس 14 - 8 - 2025 بالدورى المصرى

بيان الفصائل الفلسطينية: نقدر الجهود المصرية الكبيرة بقيادة الرئيس السيسى

وزارة الرياضة تكشف لـ"اليوم السابع" نتيجة التحقيق فى فيديوهات المركز الأولمبي

كليكس إيجيبت تكشف تفاصيل تطبيق "مصر قرآن كريم" بالتعاون مع الشركة المتحدة

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى