فقه «فتبينوا»: نحو تكوين وعى رشيد «علاقة المسلمين بغيرهم»

د. شوقى علام مفتى الجمهورية
د. شوقى علام مفتى الجمهورية
بقلم د. شوقى علام مفتى الجمهورية
تقوم سائر العلاقات فى الحياة على التكامل، وتعمل على ترسيخ أهداف الوجود الإنسانى، بما فيها العلاقات التى منشأها دينى عَقَدى أو اجتماعى إنسانى بشكل عام.
 
ويُعدُّ المنطلق الأهم والأوضح فى العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو مقتضى كلام الله سبحانه وتعالى الذى أكّد لنا ماهيّة هذه العلاقة، فقال تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» «الممتحنة: 8»، فالقاعدة العامة والأساس الذى منه تتجلى كينونة هذه العلاقة، هو «إباحة التعامل مطلقا مع المختلفين دينيًّا عن المسلمين»، طالما لم يكن الآخر معاديًا للمسلمين فى جيش له كيان وهدف تجلّت مظاهره فى قتالنا وإخراجنا من بيوتنا، فما دام لم يحدث ذلك، فالأصل هو إباحة سائر التعاملات التى يتعاطاها البشر.
 
وتقرير هذا الكلام أنّ الفهم الخاطئ لدى بعض الناس أنّ الإسلام دعا إلى معاداة غير المسلمين مطلقًا فى كلّ حال، وأنّ مفاهيم التعايش السلمى تتعارض مع الشرع الشريف.
 
والحقيقة أنّ هذا الكلام لا يصدر إلا عن قصور فى النظر والتصورات مما أدى إلى خلل فى المفاهيم؛ لأنّ المسلمين ينطلقون فى فهم دينهم مما قرره الله سبحانه فى كتابه الكريم، وبما فعله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وطبّقه فى حياته وأمر به، وقد قدمنا فى أوّل الكلام أن الأساس الذى قرره الله للتعامل مع غير المسلمين هو «البرّ والقسط –يعنى العدل-» وكلاهما يحمل معانى سامية، وقيما رفيعة، ولو كان المقصود غيرهم لنصّ عليه الله سبحانه فى كتابه، على حدّ قول الإمام الرازى فى تفسيره: فى هذه الآية «لطيفة وتنبيه وحث على مكارم الأخلاق، لأنه تعالى ما أمر المؤمنين فى مقابلة الجزاء إلا بالتى هى أحسن، وبالكلام إلا بالذى هو أليق».
 
ومن يتصفّح دواوين السُنّة والسيرة يجد التجلّى الأعظم لهذا المبدأ القرآنى الذى نصّت عليه الآية الكريمة فى حياة الرسول عليه الصلاة والسلام واقعًا عمليًّا وأسلوب حياة، وهناك أمثلة ووقائع فى حياة نبينا الكريم ظهرت فيها طريقته فى التعامل مع غير المسلمين، قبل أن يترك لنا نصوصا مُؤسسة لسائر العلاقات التى تقع بين المسلمين وغيرهم.
 
ففى سياق العلاقة بين الولد ووالده غير المسلم أرشد ووجّه الرسول الكريم صلى الله عليه سلم بإدامة الصلة والعلاقة الحسنة التى تربط كليهما بالآخر، فقد روى البخارى أنّ أسماء بنت أبى بكر سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة: يا رسول الله، وفِدَتْ علىَّ أمى وهى راغمة – يعنى مُشركة - أفَأَصِلُهَا، فأجابها بقوله: «نعم، صِلِى أُمّك».
 
وورد فى كتب السّيَر، أنّ وفدًا من نصارى نجران قدموا على الرسول صلى الله عليه وسلم، فى المدينة فاستقبلهم فى مسجده بعد العصر، فحان وقت صلاتهم، فقاموا يصلون فى مسجده، فأراد الناس منعهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوهم» فصلوا صلواتهم.
 
وفى سياق العلاقات الاجتماعية «كالجنائز والمعايدات»، نجد النبى صلى الله عليه وسلم، مرّت به جنازة فقام لها واقفًا، فقيل له: إنها جنازة يهودى، فقال صلى الله عليه وسلم: «أليست نفسًا!»، ومَرِضَ يهودى فعَادَه النبى صلى الله عليه وسلم، مُتفقّدًا حاله.
 
وفى سياق تحمّل أذى الجار من أهل الكتاب، تحمّل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذى غلام كان جارا له، كان يُلقى القاذورات بجوار بيته لأذيّته.
 
ونلاحظ أنّ هناك خطًّا مشتركًا ما فى سائر الشواهد والأمثلة السابقة نفهم منه مضامين هذه العلاقة التى نتحدث عنها، فهى ليست العلاقة التى يُنظّمها القانون بين الأفراد فى المجتمع وبعضهم البعض، وبينهم وبين غيرهم؛ إنّما هى العلاقة المتجاوزة لفكرة الحقوق والواجبات، وهى «المعاملة الحسنة» و«البرّ» و«القسط» و«العدل» من الأمور التى لا تحتاج إلى نصّ دستورى، أو تشريعٍ قانونى.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

الأهلي يهزم غزل المحلة فى القيمة التسويقية قبل لقاء الليلة.. إنفو جراف

شاهد وصول لاعبي الأهلي إلى ملعب مباراة غزل المحلة فى الدوري

تصاعد تجارة الرفات البشرية يثير جدلا فى بريطانيا.. بيع جمجمة بـ995 جنيها إسترلينيا.. خبراء يطالبون بحماية كرامة الموتى ومنع استغلالهم فى الأسواق.. يؤكدون: الفراغ القانونى يهدد بعصر جديد من "خطف الجثث"

آسر ياسين يرتدى الحلق والسبب دوره فى فيلم ويجز الجديد "وتر واحد".. صور

التشكيل المتوقع لمباراة نيوكاسل يونايتد ضد ليفربول.. موقف محمد صلاح


وزير الخارجية فى رسالة تحذيرية: لن نسمح بإقامة وهم "إسرائيل الكبرى"

من غزة ولبنان إلى اليمن..وحشية إسرائيل تتمدد..القصف الإسرائيلي الـ14 على صنعاء يستهدف القصر الرئاسي ومحطات كهرباء.."الصحة": عدد ضحايا القصف 6قتلى و86 جريحا..إسرائيل: سننتصر باليمن كما هزمنا رأس الأخطبوط بإيران

وزير خارجية السعودية:عدوان إسرائيل المتواصل على أراضى فلسطين انتهاك صارخ للقانون الدولي

أهم أخبار العرب والعالم حتى الظهيرة.. مسئولة أممية: الجدل بشأن المجاعة فى غزة "أمر بغيض".. أمطار على مكة والمدينة والأرصاد تحذر من السيول.. نيوزيلندا تعلق تسليم شحنات الطرود الصغيرة للولايات المتحدة بشكل مؤقت

ريال أوفييدو ضد الريال.. فينيسيوس يثير الجدل بعد جلوسه على مقاعد البدلاء


الداخلية تضبط عصابة تستولي على أموال المواطنين بأسلوب خدمة العملاء

الإدارية العليا تؤيد إنهاء خدمة مدرس جامعي عمل بالخارج دون إذن

مقتل 4 عناصر شديدة الخطورة فى مواجهات أمنية

فيتش: مصر مهيأة للانتقال إلى اقتصاد معرفى أكثر استدامة خلال السنوات المقبلة

مصادر طبية فى غزة: 8 شهداء بينهم صحفيين اثنين فى قصف مجمع ناصر الطبي

تنسيق المرحلة الثالثة.. القوائم المُحدثة لمؤسسات التعليم العالي المُعتمدة فى مصر

تشكيل الأهلي المتوقع أمام غزل المحلة.. زيزو وبن شرقي وشريف فى الهجوم

تنسيق المرحلة الثالثة.. كيفية التعامل مع موقع التنسيق وتسجيل الرغبات

السيطرة على حريق محدود بمكتب مدير عام مستشفى جامعة قناة السويس

فتوح يعود للتشكيل الأساسى مع الزمالك أمام فاركو

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى