فقه: فتبينوا نحو تكوين وعى رشيد..العهدة العمرية والتعايش السلمى

د. شوقى علام مفتى الجمهورية
د. شوقى علام مفتى الجمهورية
بقلم د. شوقى علام مفتى الجمهورية
لم يكن مبدأ التعايش السلمى مع المختلف دينيًّا مقصورا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فقط التى وثّقته وثيقة المدينة، إنما نقلت المصادر التاريخية ما يُعرف بـ«العُهْدة العُمريّة»، نسبة لسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، حين فتح القدس صُلحًا من غير إراقة الدماء، ودخلها الإسلام، فوقّع مع نصارى القُدس «أهل إيلياء» عهدًا بالأمان، فسجّل التاريخ أنصع الصفحات البيضاء فى قبول الآخر المُختلف دينيًّا.
 
ومن المقرر أنّ الأصل الأصيل الذى ارتكزت عليه علاقة المسلمين بغيرهم، هو الآية الكريمة الصريحة فى مشروعية التعامل مطلقًا مع غير المسلمين، فى قوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» «الممتحنة: 8».
 
وتأتى العهدة العمرية مجسدة للفهم السديد الرشيد من هذه الآية الكريمة، محققة للتعايش بين أرباب المعتقدات المختلفة، بما تمثله من تجربه رائدة موافقة لمقاصد لشرع الشريف من صحابة سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ورثوه عنه وطبقوه، مما يحقق غايات التشريع، فيذكر الطبرى فى تاريخ الرسل والملوك أنّ عمر بن الخطاب لما صالح أهل إيلياء، كتب هذا الصلح فى صيغة جامعة قال فيها: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد اللَّه عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شىء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم».
 
فمن خلال هذه العهدة نجد أنّ سيدنا عمر بن الخطاب حين فتح القدس وهى ثالث الحرمين بنبوءة كانت مُطّردة فى ذلك الزمان، لم يُرق الدماء، بل كانت أوّل أولوياته ألا يفعل ذلك.
 
ثم إن هذا  النص المضمن فى العهدة العمرية يُمثّل أصلا أصيلا، وركنًا ركينا، من مبادئ التعايش السلمى بين أصحاب الأديان الأخرى، والتعايش يكون بإضفاء روح الأمان بين المتعايشين، تربطهم رابطة الوطن، ومعايير العقد الاجتماعى الذى ينظم الحقوق والواجبات لكلا الأطراف، هذا فضلًا عن أن مفردات العهدة تُبيّن ما نقوله دائما أنّ الشريعة الإسلامية جاءت لتحفظ على الناس خمس أشياء نسميها الكلّيات الجامعة وهى: «الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض»، والوثيقة رتّبت الحفظ على كلّ هذا.
 
لا يكرهون على دينهم وهو حفظ الدين.
أعطاهم أمانا لأنفسهم وهو حفظ النفس.
وأموالهم وهو حفظ المال.
ولا يضار أحد منهم وهو حفظ العرض فى أوسع معانيه.
 
فتمثّلت فى هذه العُهدة أعلى معانى التعايش وتحقيق مبدأ الأخوّة الإنسانية التى تركز على المشتركات المعرفية والأخلاقية، دون التناحر على اللاشىء.
وقد يتساءل البعض، لماذا نجد بعض الناس يرددون أقوالا ربما يُفهم منها أنّ الإسلام يُعادى الآخر المُختلف دينيًّا لمُجرّد اختلافه.؟
 
والجواب: أنّ الأقوال التى تُنقل إما أن تكون مبتورة من سياقاتها، أو أنها كانت موافقة لواقعة عين معيّنة لا تتجلى لباقى أحوال الناس، أو لسوء فهم من الناقل فأدخل فيها ما ليس منها أو استنبط منها ما يُعزز وجهته العدائية وحسب، فلو سردنا معطيات العُهدة العمرية التى تكلمنا عنها بعد وضع وثيقة تُثبت تلك الحقوق، لوجدنا المصادر التاريخيّة تؤكد لنا أنّ المسلم والمسيحى فى بيت المقدس بعد صكّ العُهدة، طبّقوا مبدأ الاستيعاب الثقافى والفكرى والدينى بينهما، فوجدنا المصادر تنقل لنا عن فلان الكاتب المسيحى، بجوار الكاتب المسلم، ووجدنا البنّاء هذا بجوار هذا، وصنّاع الدوواين، والسقّائين، والخبازين، وهكذا، انصهر المجتمع كلّه فى بوتقة واحدة.
 
وهذا ما نؤكد عليه دائما أنّ الإسلام من أول نزوله فى النص القرآنى وفى سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم أكد مبدأ التعايش، وسار المسلمون من الصحابة، ومن بعدهم على فهم رسولهم الكريم لذلك تطبيقًا عمليًّا، ظهرت وتجلّت فيه هذه العظمة والقدرة على استيعاب الآخر.
 
Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

إهمال الصيانة كلمة السر فى اشتعال النيران بمحطة محولات العاشر من رمضان والورديان.. وزير الكهرباء يغادر منفعلا بسبب الإهمال بالمحطة.. وتجاهل صيانة "مغير الجهد" وراء الانفجار.. وفتح تحقيقات مع المسؤولين

جوارانى يشترط 700 ألف دولار لبيع أوجستين منصور إلى الأهلى

رئيس مجلس الدولة الصينى: الرئيس السيسي صديق عزيز لبكين ويحظى دائماً بترحيب بالغ

تشييع جثمان سامح عبد العزيز بعد صلاة العصر من مسجد الشرطة ودفنه بالسويس

ميلان يوافق على سفر هيرنانديز لـ باريس للكشف الطبى قبل الانتقال للهلال


الأدلة الجنائية ترفع الآثار والأدلة من سنترال رمسيس لبيان سبب الحريق

سامح عبد العزيز.. رحيل صادم وتاريخ مشرف فى السينما والدراما

لورانس العرب عمر الشريف.. كاريزما وأداء وتاريخ سينمائى فى ذكرى وفاته

الأهلي يرفض مُبالغة الأندية الأخرى في طلباتها لبيع لاعبيها خلال ميركاتو الصيف

الطريق إلى مجلس الشيوخ.. غلق باب الترشح للانتخابات اليوم.. ولجان قضائية لفحص المستندات والتحقق من صفات المرشحين.. وعرض القوائم وأسماء المترشحين فى اليوم التالى لغلق باب الترشح.. و3 أيام فقط للطعون


شرم الشيخ تتحول لأولى الوجهات السياحية الخضراء فى مصر.. "اليوم السابع" يرصد إنجازات مشروع "جرين شرم".. الاعتماد على الطاقة الشمسية والتوسع فى وسائل المواصلات الكهربائية.. ووقف استخدام الزجاجات البلاستيكية.. صور

سيدنى سوينى تتمنى تقديم جزء ثانٍ من Barbie وتبدى استعدادها للمشاركة

محمد شوقي يرفع الحمل البدني للاعبي زد للاستعداد بقوة للموسم الجديد

منتخب الناشئين يواصل تدريباته استعدادًا لكأس العالم

غدا.. آخر فرصة للتقديم على وظائف فى البوسنة برواتب تصل 52 ألف جنيه شهريا

موعد بداية استعدادات الأهلي للموسم الجديد وعودة ريبيرو من أسبانيا

محمد عواد يرحل بنفس سبب وفاة أحمد عامر.. أزمة قلبية مفاجئة

وداعًا للطوابير.. تعرف على خطوات الاستعلام عن مخالفات السيارات أونلاين

نقابة الموسيقيين: لم يُحدد بعد موعد أو مكان جنازة المطرب الشعبى محمد عواد

زوجة تبحث عن بطلان عقد زواجها وتؤكد:" تحايل على بالغش والتدليس لإتمام الزواج"

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى