حقبة جديدة.. كيف يتحول العالم نحو الصراع بين أحادية واشنطن وتحالفات موسكو؟.. دبلوماسية "الأنابيب" وضعت روسيا بمناطق نفوذ الولايات المتحدة.. وبوتين نجح فى ملء فراغ "التخلى" الأمريكى عبر سياسة "بناء الجسور"

ماكرون وميركل وترامب وبوتين
ماكرون وميركل وترامب وبوتين
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

لم تختلف تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب خلال قمة الناتو، والتى عقدت بمنتجع "سيلتيك مانور"، عن مجمل التصريحات التى سبق وأن أدلى بها، منذ توليه منصبه، حيث دارت فى معظمها عن أولوية إعادة هيكلة العلاقة مع الحلفاء، والتى يرى أنها كانت تقوم فى الأساس على استنزاف الإمكانات الأمريكية، سواء الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، لصالحهم، وهو الأمر الذى ترك شرخا فى علاقة واشنطن بحلفائها، ليس فقط فى أوروبا الغربية، أو أعضاء الناتو، وإنما امتدت إلى الحلفاء فى مناطق أخرى بالعالم، سواء فى آسيا أو حتى دول أمريكا اللاتينية، والتى طالتها قرارات البيت الأبيض، بفرض تعريفات جمركية مؤخرا على واردات الصلب القادمة من بعض دولها، كالبرازيل والأرجنتين، وهى المنطقة التى تمثل أحد محاور الصراع الدولى فى المرحلة المقبلة.

رؤية ترامب تجد شعار حملته الانتخابية "أمريكا أولا" مرجعا لها، حيث تقوم على أساس شعبوى بحت يرتبط بالأساس على انعكاسات العلاقات الدولية على الداخل الأمريكى بشكل مباشر، بينما تبقى الحسابات الأخرى المتعلق بموقع واشنطن على قمة النظام الدولى، مرتبطا بسياسات مختلفة، تتمثل فى إضعاف المنافسين، وهو ما يبدو واضحا فى موقفه المعادى للاتحاد الأوروبى، والذى طالما لعب دورا داعما للقيادة الأمريكية للعالم، وسعيه نحو تفكيكه باعتباره قوى منافسه يمكنها مزاحمة واشنطن، بينما اتجه إلى استنزاف الخصوم، على رأسهم الصين وروسيا، عبر إجراءات تجارية تارة، وتكتيكات عسكرية تارة أخرى، خاصة بعد توجهه الصريح نحو حصارهم عسكريا سواء بالتوجه نحو أوروبا الشرقية لاستهداف موسكو، أو فيتنام لاستهداف الصين.

 

زمن الأيديولوجيات.. العالم بين أحادية ترامب و"بناء الجسور" الروسية

إلا أن العقيدة الأمريكية الجديدة، التى أرساها ترامب، منذ صعوده إلى البيت الأبيض، والتى تقوم فى الأساس على أحادية القرار الدولى لواشنطن، بعيدا عن الحلفاء، تواجهها تحركات أخرى من خصومه، وعلى رأسهم روسيا، تهدف إلى تشكيل تحالفات جديدة، عبر خلق أكبر قدر من المصالح المشتركة مع مختلف الأطراف الدولية، بعيدا عن الأيديولوجيات أو حتى الصراعات القديمة، وهو ما يفتح الباب أمام وجود تكتل قوى ربما يثير شكوكا كبيرة حول إمكانية صمود أمريكا على قمة النظام الدولى لسنوات قادمة، ليصبح العالم أمام شبح عودة ما يمكننا تسميته "زمن الأيديولوجيات"، بعد اندثار حقبة الصراع الشيوعى الرأسمالى، الذى قامت على أساسه الحرب الباردة.

ترامب وبوتين
ترامب وبوتين

إلا أن الصراع الجديد بين القوى الدولية يقوم بين عقيدة "الأحادية" الأمريكية، والتى نجح ترامب فى إرسائها إلى حد كبير منذ بداية توليه عرش البيت الأبيض، مقابل ما يمكننا تسميته بسياسة "بناء الجسور"، والتى تسعى روسيا لتحقيقها، باستخدام ذراع الطاقة، عبر "دبلوماسية الأنابيب"، والتى خلقت لموسكو مكانا قويا ليس فقط فى مناطق نفوذها التقليدية، ولكن أيضا فى اختراق مناطق النفوذ الأمريكى، وهو ما يبدو واضحا فى الانتشار الواسع لمشروعات الطاقة الروسية بين الصين ودول أوروبا الغربية، وأخرها تدشين خط أنابيب "قوة سيبيريا" فى الصين، بحضور الرئيس شى جين بينج، بينما كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عبر "الفيديو كونفرنس".

 

دبلوماسية "الأنابيب".. موسكو اقتحمت مناطق النفوذ الأمريكى

"دبلوماسية الأنابيب" الروسية لم تقتصر على الصين، وإنما امتدت إلى أوروبا الغربية، والتى تمثل أحد مناطق النفوذ الرئيسية للولايات المتحدة، وهو ما بدا واضحا فى التعاون الروسى الألمانى، وكذلك المساعى الفرنسية، التى سبق وأن أعلن عنها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، فى الانفتاح على موسكو، داعيا إلى الاستقلال الأوروبى عن واشنطن فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا، فى تحد صارخ للهيمنة الأمريكية، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لنجاح رؤية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ملء الفراغ الناجم عن الأحادية الأمريكية عبر الانفتاح على خصومه التاريخيين، من خلال تعميق المصالح المشتركة، لتطغى على الخلافات بين الجانبين، وهو ما يترك أثرا إيجابيا ليس فقط على الاقتصاد، ولكن أيضا على مستقبل النفوذ الدولى لموسكو فى المرحلة المقبلة.

ماكرون وميركل يوقعان معاهدة آخن التى اعتبرها البعض نواة الجيش الأوروبى الموحد
ماكرون وميركل اتخذا خطوات صريحة للتقارب مع روسيا

ويكمن النجاح الروسى المنقطع النظير فى بناء تحالفاته الجديدة تقوم، ليس فقط على اعتماده على الغاز الروسى، وحاجة الدول الأخرى له، أو حتى استغلال ما يمكننا تسميته بـ"الغدر الأمريكى" بالحلفاء، ولكن أيضا فى قدرة موسكو على تجاوز الخلافات ولو مرحليا، وهو ما بدا واضحا، على سبيل المثال، بترحيب بوتين بدعوة فرنسا إلى تأسيس ما يسمى بـ"الجيش الأوروبى الموحد"، على رغم ما حملته من عداء صريح لموسكو، حيث برر الرئيس الفرنسى مبادرته بالحاجة الأوروبية لمواجهة خصوم القارة، وعلى رأسهم روسيا والصين إلى جانب الولايات المتحدة.

سياسة موسكو القائمة على تجاوز الصراعات لم تقتصر على أوروبا، ولكنها تمتد إلى مناطق أخرى، من بينها المحيط الآسيوى، حيث تجاوزت روسيا صراعاتها التاريخية مع الصين منذ بداية الألفية الجديدة، تزامنا مع وصول بوتين إلى عرش الكرملين، كما استغل سياسات واشنطن الجديدة لتحقيق تقارب غير مسبوق مع حلفاء أمريكا التاريخيين فى القارة الصفراء، وعلى رأسهم كوريا الجنوبية واليابان، رغم الخلافات، وأبرزها الصراع التاريخى بين موسكو وطوكيو حول جزر الكوريل، والتى تدعى كل دولة أحقيتها بها، وهو الصراع الذى يبدو فى طريقه إلى الحل فى المستقبل القريب، خاصة مع انطلاق المفاوضات وتبادل الزيارات بين بوتين ورئيس الوزراء اليابانى شينزو آبى، فى الأشهر الماضية.

 

صورة معاكسة.. روسيا تتفادى أخطاء الماضى

 ولعل النجاح الروسى فى اختراق مناطق النفوذ الأمريكى، خاصة فى أوروبا، أثار امتعاض الإدارة الأمريكية، وهو ما بدا فى اتهامات ترامب لألمانيا بالتبعية لروسيا تارة، ومحاولته لتوريطهم فى استفزاز موسكو تارة أخرى، وهو ما يبدو فى فرضه لأجندته على قمة الناتو فى بريطانيا، والتى قامت على تحويل وجهة الناتو العسكرية إلى أوروبا الشرقية، ليصبح توجها جماعيا، بعدما كان أمريكيا خالصا فى بداية الأمر، وهو ما بدا فى الإعلان منذ عدة أشهر عن بناء قواعد عسكرية أمريكية فى بولندا، تتكفل بتكاليفها حكومة وارسو، فى محاولة لتوريط الحلفاء الغربيين فى استفزاز موسكو.

وهنا يمكننا القول بأن الصراع الجديد الذى بدت تتشكل ملامحه، يبدو صورة معاكسة لحقبة الحرب الباردة، حيث كانت التحالف الغربى الداعم لواشنطن هو سر قوتها، فى الوقت الذى لم يكن يحظى فيه الاتحاد السوفيتى بحلفاء أقوياء، خاصة مع سيطرته على الكتلة الشرقية تحت إطار فيدرالى، مما سهل عمليه تفجيره من الداخل، عبر إثارة النزعات الانفصالية داخل الدول الخاضعة تحت سيطرته، إلا أن الخلاف الرئيسى بين التحالفات الروسية فى المرحلة الراهنة، والنهج الأمريكى القديم يقوم على طبيعة العلاقة، حيث أن سياسة "بناء الجسور" الروسية تتفادى خطيئة واشنطن، عبر إقامة علاقتها مع الأطراف الأخرى بناء على مبدأ "المصلحة المشتركة"، فى حين أن الإدارات الأمريكية أقامت علاقتها على مبدأ احتضان الحلفاء، وتقديم المزايا لهم مقابل التبعية لها والدوران فى فلكها فى مختلف القضايا الدولية.

Google News تابع آخر أخبار اليوم السابع على Google News

موضوعات متعلقة

Trending Plus

اليوم السابع Trending

الأكثر قراءة

تشكيل مباراة أستون فيلا ضد نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي

سفير مصر في لاهاي يتسلم قطعًا أثرية تنتمي للحضارة المصرية القديمة من هولندا

وزارة التعليم: تسجيل غياب الطلاب يوميا بالعام الدراسى الجديد 20 سبتمبر

جمال عبد الناصر يكتب: بيتر بروك والمهابهاراتا..حين تتحول الملحمة إلى تجربة فى التلقى

غلق شارع 26 يوليو لتنفيذ مونوريل وادى النيل -6 أكتوبر.. اعرف تحويلات المرور


الأهلي يقدم شكوى رسمية ضد الحكم محمد معروف خلال ساعات بسبب طرد هاني

علشان تختار لابنك صح.. أبرز 10 فروق بين البكالوريا والثانوية العامة

أشرف داري يواجه شبح الرحيل عن الأهلي خلال ميركاتو الشتاء

وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها

طبيب الأهلى يكشف موعد مشاركة إمام عاشور في المباريات


مواعيد مباريات اليوم السبت.. السيتي يواجه ولفرهامبتون وبرشلونة ضد مايوركا

زى النهارده.. مهرجان اعتزال على أبو جريشة ساحر الإسماعيلى فى مدرجات التتش

الزمالك يصطدم بالمقاولون العرب في اختبار قوي بالدوري..الليلة

الطقس اليوم.. انكسار الموجة شديدة الحرارة على أغلب الأنحاء والعظمى بالقاهرة 36

إتاحة موقع التنسيق لبدء قبول طلاب مدارس المتفوقين والنيل الثانوية الدولية

دفاع إحدى ضحايا حادث طريق الواحات: شقيق أحد المتهمين عرض الصلح

موعد مباراة الزمالك والمقاولون العرب في الدوري والقناة الناقلة

موعد مباراة الأهلى القادمة أمام غزل المحلة بالدوري المصري

ليلة راب استثنائية فى مهرجان العلمين الجديدة بدورته الثالثة تحت شعار كامل العدد.. شهاب يفتتح الحفل ويتألق بأشهر أغانيه.. ليجى سى يقدم عرفة وبيتادين والوقت الضايع.. ومروان بابلو مسك الختام وسط تفاعل جماهيرى كبير

قانون الضريبة على العقارات المبنية يحدد ضوابط تقدير القيمة الإيجارية

لا يفوتك


المزيد من Trending Plus
Youm7 Applcation Icons
اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع اليوم السابع هواوى